«فار مكسور»    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «مبادرات التحول الاقتصادي».. تثري سوق العمل    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    الاستدامة المالية    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    بالله نحسدك على ايش؟!    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    عريس الجخّ    كابوس نيشيمورا !    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوجه الآخر للصومال : "بونت لاند" و"صومالي لاند" ... دولتا الامر الواقع في القرن الافريقي ؟ . اهالي بلاد بونت يحكون قصة زائرهم : الصحافي الايطالي رجل الاستخبارات "الفاشل" أسسوا جامعة خاصة في غياب الجامعات الوطنية 3 من 6
نشر في الحياة يوم 19 - 02 - 2002

تناولت الحلقة الثانية امس، دور ميناء بوصاصو الواقع على رأس القرن الافريقي في شمال شرقي الصومال، خصوصاً بعد حل الميليشيات القبلية، وتسيير هذا الميناء ليخدم معظم المناطق الصومالية وصولاً الى اثيوبيا. كما عرضت الحلقة وجهة نظر من بلاد بونت في المصالحة الوطنية عموماً، والدور الاميركي المحتمل في الصومال بعد هجمات 11 ايلول سبتمبر في نيويورك وواشنطن.
الحلقة الثالثة اليوم، تنقل عن احد اعيان بلدة لاسقوري قصة دخول قوات "الاتحاد الاسلامي" الى البلدة وطردهم منها، وتروي قصة رجل استخبارات غربي انتحل صفة صحافي لجمع معلومات عن احتمال وجود عناصر من تنظيم "القاعدة" في البلدة. وتعرض ايضاً قصص نجاح حققها اهالي المنطقة في التنمية وتأسيس مصانع في ظل غياب حكومة مركزية.
قبل حصول الهجمات على نيويورك وواشنطن في ايلول سبتمبر الماضي، كان ابناء بلاد بونت يستأنسون الى الصحافيين الاجانب الذين نادراً ما يزورون منطقتهم. وكانوا يفخرون باصطحابهم في جولات على المدن والبلدات حيث يطلعونهم على ما حققوه من تنمية وأمن واستقرار في ظل الحكم الذاتي الذي اعلنوه في 1998، ويرافقونهم خصوصاً الى المصانع والميناء البحري والجامعة في مدينة بوصاصو واسواق المدينة. اهالي بلاد بونت اليوم يحاذرون الصحافيين الاجانب، وبالتحديد الاوروبيين والاميركيين، وذلك بعدما زار صحافي ايطالي بوصاصو قبل شهرين، وصارت قصته على كل شفة ولسان في المنطقة. وتقول القصة إن هذا الصحافي اجرى تحقيقاً مع منظمة إغاثة محلية في مدينة بوصاصو، ثم طلب زيارة بلدة ساحلية قريبة تبعد مسافة 80 كيلومتراً من المدينة. وهو في الطريق الى البلدة، سأل مرافقيه قائلاً: "ارغب في زيارة ذلك المبنى القريب من الشاطئ وهو الوحيد الذي تبقى الانوار فيه مضاءة طوال الليل".
فوجئ مرافقوه الصوماليون بطلبه وبمعرفته المسبقة عن موقع هذا المبنى الذي يضاء طوال الليل، خصوصاً انه لم يزر البلدة من قبل وجاء سؤاله قبل حوالى ساعة من الوصول اليها. لكنهم لم يظهروا شكوكهم امامه، بل رافقوه الى المبنى الذي كان عبارة عن مكان يتجمع فيه عشرات الصيادين ليلاً ويبحرون في قوارب صغيرة من امامه في رحلات صيد تستمر حتى الفجر. وهم يتركون المبنى مضاء طوال الليل لتكون انواره بمثابة دليل لوجهتهم خلال الصيد وحتى لا يتيهوا في لجة البحر.
وزادت شكوك المرافقين الصوماليين عندما سألوا زائرهم الايطالي عما إذا كان يرغب في زيارة وسط البلدة التي يقع ذلك المبنى على اطرافها، فأجاب بالنفي مصراً على العودة مباشرة الى بوصاصو.
طائرات الرصد الاميركية
ولم يكن من الصعب على المرافقين الصوماليين تفسير سبب زيارة هذا الصحافي الى تلك البلدة ومبناها المنار. فهم يسمعون ليلاً اصوات محركات طائرات الرصد الفرنسية التي تقلع من قواعدها في جيبوتي المجاورة لتحلق في اجواء المنطقة. كما يسمعون احاديث الصيادين بعد كل رحلة صيد عن مشاهدتهم السفن الاميركية والالمانية التي تجوب سواحل المحيط الهندي وخليج عدن المقابلة لمنطقتهم. ويرجحون ان تلك الطائرات او السفن رصدت اضواء ذلك المبنى خلال مهماتها الليلية في مراقبة احتمال لجوء عناصر من تنظيم "القاعدة" بزعامة اسامة بن لادن الى المنطقة. ويشتبهون بان الاستخبارات الغربية ارسلت ذلك "الصحافي" للتأكد من طبيعة المبنى ومن انه لا يُستخدم لاستقبال عناصر من "القاعدة" او ايوائهم.
ويسرد اهالي بلاد بونت تلك القصة بتهكم، ويقولون انهم شككوا بمهمات عدد كبير من الصحافيين الاجانب الذين يحتمل قيامهم باعمال استخباراتية، "لكن ذلك الصحافي كان اسوأ رجال الاستخبارات وافشلهم".
الصحافيون الغربيون... والكوارث
وينزعج ابناء بلاد بونت كثيراً من تكرار ذكر اسم الصومال في وسائل الاعلام الغربية كملجأ للارهابيين، وربطه باسامة بن لادن. ويقول احد تجار بوصاصو :"منذ 11 ايلول الماضي تشهد المنطقة تراجعاً كبيراً في حركة التجارة... امضينا سنوات صعبة قبل ان نحقق الحد الادنى من الامن في بلاد بونت، ونجحنا في استقطاب استثمارات وتصدير كميات كبيرة من المواشي. لكن بعد تصريحات المسؤولين الاميركيين وتكرارهم عدم استبعاد توجيه ضربة عسكرية الى الصومال، تردد عدد كبير من اصحاب سفن الشحن الضخمة في ارسال سفنه التجارية الى منطقة يُحتمل ان تتعرض الى ضربة عسكرية".
ويضيف تاجر آخر منتقداً وسائل الاعلام الغربية: "لماذا لا نرى هؤلاء الصحافيين الاجانب إلا في اوقات الكوارث والحوادث السيئة والحروب والمجاعات؟ لقد اخذنا نصيبنا من هذه الاخبار في صحفهم وشبكاتهم التلفزيونية، أليس من العدل ان نأخذ حقنا عبر بث اخبار التنمية والامن في منطقتنا؟".
ويبدو ان بلاد بونت حققت فعلاً الحد الاقصى من التنمية ضمن الامكانات المتاحة لسكانها وفي ظل غياب حكومة مركزية قوية، وفشل كل المبادرات السياسية لتحقيق مصالحة وطنية تعيد بناء الدولة الصومالية ومؤسساتها.
جامعة شرق افريقيا
ومن بين قصص النجاح الكثيرة التي تحققت في هذه المنطقة، تأسيس "جامعة شرق افريقيا" في مدينة بوصاصو، في ظل غياب جامعات وطنية حكومية في كل البلاد.
ويروي مدير الشؤون الادارية في الجامعة يوسف عبدالعزيز المحمد قصة هذه الجامعة قائلاً: "ان فكرة إنشاء جامعة في المنطقة جاءت من بعض الخريجين الجامعيين في العام 1996، أي بعد حوالى خمسة اعوام من اندلاع الحرب الاهلية. وتبلورت لاحقاً بعد نقاشات واتصالات مع خريجين صوماليين في الخارج. ثم بدأنا حملة لتمويل المشروع وسط جاليات صومالية في المهجر ورجال اعمال ومنظمات دولية خاصة. وفي العام 1999 بدأنا تنفيذ الخطوة الاولى، فاستأجرنا مبنى صغيراً وسط مدينة بوصاصو حيث استقبلنا 95 طالباً من خريجي الثانوية العامة، وبدأنا معهم سنة تأهيل بسبب انقطاعهم عن الدراسة لفترة طويلة بسبب الحرب. وفي العام التالي باشرنا اول سنة اكاديمية، فيما كانت اعمال بناء مبنى جديد للجامعة جارية على ارض تبعد خمسة كيلومترات من وسط المدينة. وافتتحنا المبنى الجديد في ايلول سبتمبر الماضي بسنة اكاديمية ثانية، ولدينا حالياً 225 طالباً وطالبة و13 محاضراً بدرجة دكتوراه وماجستير. وتضم الجامعة حالياً ثلاث كليات فقط هي كلية العلوم الادارية، وكلية الدراسات الاسلامية والعربية، وكلية التربية. وتتقاضى ادارة الجامعة ما يعادل 300 دولار رسوم تسجيل من كل طالب للسنة الدراسية الواحدة".
ويعتقد مدير الجامعة الدكتور عبدالقادر محمد عبدالله بأن: "الاجيال الصومالية الشابة كانت الاكثر تضرراً خلال الحرب. إذ تعرض عدد من الشبان للقتل والثأر القبلي والنزوح. وتهدمت تربوياً وتعليمياً مؤسسات كثيرة، وصار الطفل الصومالي محروماً من التعليم ومدفوعاً للالتحاق بالميليشيات المتناحرة. وكان ذلك حافزاً لعدد من المثقفين في بوصاصو لتأسيس هذه الجامعة، كما اسس آخرون مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية في اقاليم عدة من المنطقة. والى جانب الخدمات التعليمية، ساهم إنشاء هذه المؤسسات في نشر السلم وقيم المصالحة في المجتمع، ومحاربة النزعات القبلية والانحرافات الاخلاقية التي تهدد سلامة الناس".
غداً : حواران مع "رئيسي"
بلاد بونت عن انتكاسة
تجربة الحكم الذاتي
لاسقوري بلدة منسية على الحدود الساحلية بين "الصومال الايطالي" و"الصومال البريطاني"
تبعد بلدة لاسقوري مسافة 123 كيلومتراً من مدينة بوصاصو في شمال شرقي الصومال. واسم هذه البلدة الصغيرة المطلة على خليج عدن مُركب من لاس ومعناها بئر، وقوري التي تعني الخشبة. وذلك لأنها تحتوي على مياه جوفية كثيرة، كما تشتهر بكثرة الاشجار فيها، خصوصاً في الجبال المحيطة بها والتي تبدو من بعيد ملاصقة لساحلها الطويل. وبعض هذه الجبال يحتوي مناجم أحجار كريمة نادرة، فيما البعض الآخر تكسوه اشجار اللبان المشهورة في كل بلاد بونت.
ويعيش في البلدة حوالى ثلاثة آلاف شخص يغادر أكثريتهم الى الجبال القريبة في فصل الصيف هرباً من القيظ، ويعودون بعد انتهاء موسم الحر. ومعروف عن سكان لاسقوري هجرة أبنائهم، إذ يبلغ عدد المغتربين من هذه البلدة الصغيرة اكثر من 20 ألف شخص تعيش غالبيتهم في الولايات المتحدة. وينتمي ابناء لاسقوري الى عشيرة ورسنغلي، وهي فرع رئيسي من قبيلة داروود إحدى القبائل الرئيسية الثلاث في الصومال.
وكان في البلدة مصنع كبير لتعليب السمك بناه السوفيات في السبعينات ايام حكم الرئيس محمد سياد بري، لكنه دُمر خلال الحرب الاهلية مطلع التسعينات. وكان فيها مستوصف كبير مؤلف من ثماني غرف، لكنه مقفل اليوم بسبب عدم وجود متطوعين لادارته في ظل غياب حكومة مركزية. ويوجد في البلدة ايضاً عشرات المنازل المهجورة التي كان يستخدمها موظفو الحكومة السابقة والخبراء التقنيون في مصنع تعليب السمك. وكل هذه المرافق اقيمت في جزء من البلدة منفصل عن مساكن أبنائها الذين شيدوا مدرسة في الجزء الذي يقيمون فيه.
وتضم المدرسة اليوم نحو مئة تلميذ وثلاثة معلمين، ويتولى "مصنع لاسقوري للتونة" الذي تأسس حديثاً في البلدة نفقات المدرسة، كما بدأ في إعادة تجهيز مستوصف البلدة والتفاوض مع اطباء وممرضين لإعادة تشغيله.
ومصنع التونة الجديد قصة نجاح اخرى يسجلها اهالي لاسقوري، ويرويها محمد عبدالرحمن احمد الملقب ب"بورالي" وهو أحد ابناء البلدة ورئيس مجلس إدارة المصنع. وكان بورالي أنهى دراسة الماجستير في العلوم قبل اندلاع الحرب الأهلية في العام 1991، وكان والده يعمل في تجارة الأسماك. ويقول ان فكرة إنشاء مصنع للتونة بدأت تراوده منذ العام 1992 عندما كان في بلدته لاسقوري، خصوصاً انه عمل مع والده ويعرف أهمية هذه الثروة الوطنية وتحديداً في منطقته. وفي العام 1995 ذهب كلاجئ إلى الولايات المتحدة حيث طرح فكرة مشروع المصنع لاحقاً على عدد من ابناء بلدته المهاجرين الذين جمعوا حوالى ستة آلاف دولار لإعداد دراسة جدوى. وتبين من الدراسة ان 70 في المئة من السمك قبالة لاسقوري من نوع التونة ذي الزعانف الصفر، وهو افضل انواع ذلك السمك.
واستطاع بورالي جمع 150 مساهماً في المصنع غالبيتهم تقيم في الولايات المتحدة واوروبا. وبلغ مجموع الاموال التي ساهموا فيها لإنشاء المصنع مليوناً ومئتي ألف دولار.
وفي أيلول سبتمبر من العام 2000 بدأ بورالي في تشييد المصنع، ثم باشر في شراء المعدات اللازمة وتثبيتها، وفي 19 تشرين الثاني نوفمبر الماضي افتتح المصنع وباشر الانتاج فوراً، وباع في اليوم نفسه كل انتاج ذلك النهار وهو خمسة آلاف صندوق تحتوي على 204 آلاف علبة تونة.
ويعمل في المصنع حالياً 138 عاملاً محلياً وستة خبراء تايلانديين وحوالى مئة صياد لديهم قواربهم الخاصة للصيد ويتعاملون مع المصنع الذي يملك ثلاثة قوارب للصيد.
وبإمكان المصنع انتاج عشرة اطنان من التونة يوميا، لكنه لا يعمل بكامل طاقته الآن وينتج فقط حوالى 5،4 طن في اطار استراتيجية عدم التوسع السريع.
وربما كان أهم انجاز لهذا المصنع انه يوفر فرص عمل تعيل نحو 250 عائلة في بلدة لاسقوري الصغيرة، بينما البطالة والفقر ينتشران في معظم انحاء الصومال.
وعلى مسافة حوالى كيلومتر واحد من مصنع التونة، افتتح حسن بديد معملاً لدباغة الجلود وتصديرها الى اوروبا. ويعمل لديه حالياً حوالى 50 شخصاً من ابناء البلدة، وحسن الذي هاجر من لاسقوري مثل آلاف من مواطنيه، مهندس عمل في دول عدة كانت الأخيرة تونس حيث اسس معملاً مماثلاً، وكان يستورد الجلود الخام من الصومال. وارتأى قبل نحو سنة بيع معمله في تونس وتأسيس آخر في بلدته التي تصدر الجلود الخام.
قصص النجاح في شمال الصومال كثيرة، لكن لاسقوري تتميز بوضع قبلي وسياسي جعلها شبه منسية في المنطقة. فهي تقع في منطقة الحدود بين "جمورية ارض الصومال" المعلنة من جانب واحد شمال غربي الصومال، وبين بلاد بونت شمال شرق. وهذه البلدة جزء من اقليم سناج الذي يتبع "جمهورية ارض الصومال" بحسب الحدود الجغرافية السياسية لهذه "الجمهورية"، لكنها تبعد كثيراً عن عاصمتها هرغيسا أكثر من 500 كلم، في حين تبعد عن بوصاصو التابعة لبلاد بونت 123 كلم فقط. ويقول اهالي البلدة ان المسؤولين عن منظمات الاغاثة الدولية في بوصاصو يرفضون تقديم اي مساعدات لهم، ويحيلونهم على مكاتب هذه المنظمات في هرغيسا. وتلك لا تستطيع تنفيذ مشاريع في البلدة التي تبعد مئات الكيلومترات عن مقارها، بينما فروع مكاتبها في بوصاصو تبعد مسافة قصيرة من البلدة.
وهكذا ضاعت لاسقوري على الحدود السياسية القديمة بين "الصومال البريطاني" و"الصومال الايطالي". لكن ابناءها تمردوا على الحدود وعلى الأمر الواقع، وقرروا بناء مصانع ومدارس في بلدتهم متجاوزين كل العقبات، خصوصاً الحرب الاهلية وعدم وجود حكومة مركزية ترعاهم.
كبير أعيان لاسقوري عبدالله عبدي يروي ل"الحياة"
قصة طرد قوات "الاتحاد الاسلامي" من البلدة البحرية
هل حاولت "حركة الاتحاد الاسلامي" السيطرة فعلياً على مناطق في شمال الصومال، وهل كان ذلك ضمن استراتيجية شاملة للسيطرة على كل البلاد كما يقول عبدالله يوسف احمد الذي طرد عناصرها في العام 1992 من مدينة بوصاصو البحرية؟.
كبير اعيان بلدة لاسقوري التي تبعد مسافة 123 كلم من مدينة بوصاصو في شمال شرقي الصومال، السيد عبدالله عبدي ابراهيم، روى ل"الحياة" قصة احتلال البلدة من قبل حركة "الاتحاد الاسلامي" في العام 1992، وكيف حصلت عملية طردهم منها، وماذا كانوا يفعلون فيها.
ويقول عبدالله :"كانت حركة الاتحاد الاسلامي تسيطر على مدينة بوصاصو وتدير ميناءها الاستراتيجي من نهاية 1991 حتى آب اغسطس 1992. ففي ذلك الشهر، طردتهم قوات الجبهة الديموقراطية لانقاذ الصومال بقيادة العقيد عبدالله يوسف احمد من المدينة والميناء بعد معارك ضارية. وانسحبت قوات الاتحاد شمالاً لتحتل بلدة لاسقوري في الشهر نفسه. وكانت غالبية سكان البلدة خارجها آنذاك، فهم يغادرونها الى الجبال مع بداية فصل الصيف من كل سنة بسبب ارتفاع درجة الحرارة".
ويتابع عبدالله :"وعلى الرغم من وجود عدد قليل من السكان في البلدة آنذاك، إلا انهم قرروا مقاومة عناصر الاتحاد في محاولة لمنعهم من احتلال لاسقوري والبقاء فيها، وحصلت معارك قتل فيها اكثر من 50 شخصاً من السكان خلال مواجهتهم لاكثر من ثلاثة آلاف شخص من قوات الاتحاد الذين استطاعوا السيطرة على المنطقة بسرعة".
خبراء متفجرات
ويضيف :"ان غالبية عناصر قوات الاتحاد كانت احضرت عائلاتها معها، واقامت معسكرات قرب الشاطئ. ولم يختلط عناصر الاتحاد بأهالي لاسقوري، بل كانوا يشكلون ما يشبه الغيتو في حلقة قوية ويحاولون إخفاء كل نشاطاتهم عن الاهالي. لكن كنا نعرف ان هذه العناصر كانت تضم كل شرائح المجتمع الصومالي، فهي تنتمي الى قبائل مختلفة. وكنا نعرف ان من بينها تجاراً كباراً وضباطاً سابقين في الجيش الصومالي السابق وخبراء متفجرات واساتذة جامعة وصوماليين عاديين. وكانوا يجرون تدريبات على الاسلحة في مواقع معينة من المعسكرات، وكانت لديهم اسلحة خفيفة وثقيلة".
وعما إذا كانوا تلقوا شحنات اسلحة عبر البحر، يوضح عبدالله :"كانت تبحر اليهم بواخر عادية في شكل دوري وترسو في عرض البحر حيث كانت تنتظرها قوارب صغيرة تنقل اغذية ومؤناً من البواخر الى الشاطئ. لكننا لم نر اي عمليات تفريغ لأسلحة".
وسألته، هل كانت بينهم عناصر من جنسيات عربية؟، فأجاب :"نحن رأينا شخصاً واحداً جاء من اليمن، وكان من بين المدربين العسكريين... ربما كان هناك عرب آخرون، لكننا لم نر غيره".
مفاوضات... وترحيل
وعن عملية إخراجهم والى اين رحلوا، يقول عبدالله :"امضوا حوالي سبعة شهور في البلدة، وكان الاهالي الذين عادوا من الجبال اتفقوا مع اعيان قبيلة ورسنغلي على تشكيل لجنة من 11 شخصاً كنت من بين اعضائها. وكانت مهمة هذه اللجنة محاولة التفاوض مع قيادة الاتحاد لترحيلها مع عناصرها من دون حصول صدامات، وإبلاغها بأن وجود قوات الاتحاد في لاسقوري امر غير مرغوب فيه. واستمرت عملية التفاوض لفترة مع قادة المعسكر اولاً، ثم انضم الى المفاوضات لاحقاً وفد من قادة حركة الاتحاد الاسلامي وصل من خارج البلدة. وجرى اتفاق بيننا على ان يخرجوا بسلام من دون حصول اي اعتداءات او مواجهات، وغادروا لاسقوري فعلاً في 25 شباط فبراير 1993".
ويتابع عبدالله :"كانت لدى قوات الاتحاد الاسلامي 150 عربة نقل، وطلبوا منا 20 سيارة اضافية احضرناها لهم من الاهالي. ونقلوا بداية النساء والاطفال في مجموعات توجهت كل منها الى مواطنها الاصلية، ثم انتقل الرجال مع اسلحتهم الى اقليم صول المجاور حيث استقروا في منطقة صحراوية تقع بين لاس عانوت وحنقلول. وعلمنا لاحقاً انهم مكثوا في تلك المنطقة لفترة 54 يوماً فقط تفرقوا بعدها الى اماكن مختلفة، والارجح ان كلاً منهم عاد الى منطقته او ربما الى معسكرات لهم في جنوب البلاد".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.