الحج الى الذات في روايته الثانية "انجيل رجل" ينظر غاو كسينغجيان الى الخلف من منفاه الباريسي ويرى وطنه. الرواية المترجمة الى الانكليزية عن دار فلامينغو تحكي عن كاتب يعيش في فرنسا ويكثر من التجوال في مدن العالم من دون أن يحس أنه عثر على مكانه في أي منها. يشعر بالذنب إزاء تحركه السياسي الشاب في الصيف، لكنه لسبب ما يتمتع بألم الذكرى ويحتاج اليها. قدم له الغرب الحرية والكثير من النساء، لكنه لم يمنحه الإحساس بجدوى الحياة. يذكر كسينغجيان بكتابة مواطنين له تركوا الصين في العقدين الأخيرين واسترجعوا حياتهم فيها، لكنه لا يتهافت مثلهم وإن كان لا يجلب الكثير من الاعجاب في الوقت نفسه. كان كاتباً مغموراً عندما نال نوبل الآداب في العام ألفين، مدحت لجنة الجائزة "عمقه المر وابداعه اللغوي اللذين فتحا ممرات" للأدب الصيني وتوقفت عند صراع الفرد للنجاة من تاريخ الجماهير. "شكاك لا يدّعي القدرة على تفسير العالم، فهو يؤكد انه وجد الحرية في الكتابة وحدها" قالت، لكنها لم تقنع كثيرين بشرعية فوزه. اجتهد الوسط الأدبي الصيني لتوفير فوز أحد أفراده بالجائزة وإذا بها تمنح لمتمرد لم يبرز في منفاه. تأثر طفلاً بوالدته الممثلة الهاوية، فمال الى قراءة الأدب الغربي والرسم والعزف على الكمان، ودرس الأدب الفرنسي في الجامعة. خلال الثورة الثقافية 1966 1976 أرسل الى معسكر لاعادة تأهيله فأحرق حقيبة المخطوطات التي كتبها. "كنت مهووساً بالكتابة التي تسببت لي بالعذاب وسوء الحظ لكنني لن أتوقف. حتى في أصعب الأوقات بقيت أكتب سراً من دون أن أفكر أنني سأنشر أعمالي يوماً". عندما نشر "نقاش أولي لفن الرواية الحديثة" أثار جدلاً حول الحداثة، وجلبت عليه مسرحية "موقف الحافلة" العبثية الاتهام ب"التلوث الفكري". تأثر فيها ب"في انتظار غودو" للكاتب الارلندي صامويل بيكيت وجعل شخصياته تنتظر الحافلة عاماً بعد آخر من دون جدوى. كانت هذه رمزاً للمستقبل الباهر الذي كرر النظام الوعد به، ورآه هذا أخبث عمل أدبي منذ ظهور جمهورية الصين الشعبية. منعت مسرحيته "الشاطئ الآخر" فتبع نهر يانغتزي على قدميه من المصب حتى المحيط في عشرة أشهر. كانت رحلة الوداع إذ غادر بعدها الى باريس لاجئاً سياسياً ومنح الجنسية الفرنسية قبل فوزه بنوبل بأشهر. استقال أيضاً من الحزب الشيوعي عندما سحقت الدبابات الطلاب المتظاهرين في ساحة السلام الأبدي تيانانمين في أواخر الثمانينات، وكتب "الهارب" مستوحياً الحادثة، فاعتبرته بلاده شخصاً غير مرغوب فيه وساعدته على كتابة روايته الاستثنائية "جبل الروح". استندت الى الرحلة على نهر يانغتزي وتشخيص اصابته خطأ بسرطان الرئة، المرض الذي قتل أباه، وكتبت بأصوات وتقنيات وأساليب روائية عدة. كانت حجاً الى الجذور والذات وبحثاً عن معنى أن يكون المرء صينياً، وأكملت "انجيل رجل" المسعى وسط جنون الثورة الثقافية. يركّز على فعل الإغواء في علاقة المرأة والرجل، ولا يمنعه الجنس الكثير من اضاءة حقيقتهما بالتساوي. "الأدب أساساً تأكيد الإنسان قيمة نفسه"، قال عندما تسلم جائزة نوبل، "واحتمال تأثيره في المجتمع يأتي بعد اكمال العمل ولا تحدده رغبات الكاتب". عربدة النرجسية غادر مارتن آميس بريطانيا في التسعينات ليستقر في أميركا التي بهره أدبها. وبعدما هاجم كاتبان أميركيان يساريان خطة الحرب على العراق و"الوطنية المبتذلة" بعد احداث أيلول سبتمبر 2001 اختار آميس، الذي أتى من خلفية يسارية، الهجوم على الإسلام المتطرف. انتقد الهجوم في بالي "أسهل الأهداف السهلة" وقال انه كان فعل عدمية صرف، وأن المتطرفين الإسلاميين يفتقرون الى الشعور بالأمان الجنسي. قرأ القرآن ورأى ان الإسلام المتطرف غير مشهور بمرحه وحس السخرية فيه، فسخرت غادة الكرمي نائبة رئيس مجلس تحسين التفاهم العربي البريطاني، قائلة ان الحركات المتطرفة لم تعرف يوماً بحس المرح والسخرية في أي منطقة من العالم. يبحث عن الإثارة واهتمام الإعلام، قالت، بالحديث عن الجنس، ويموّه انتقاده الإسلام نفسه بالحديث عن التطرف فيه. كان والده الكاتب كينزلي آميس عضواً في الحزب الشيوعي واستقال منه في 1956، وانتقد الابن في عمله الأخير "كوبا الرهيب" عجز اليسار عن التنصل من ستالين. رواية مارتن آميس المقبلة تصور أثر احداث أيلول على الغرب وتتضمن هجوماً على رجل في مقهى نجم عن الافتقار الى الاحساس ب"الأمان الذكوري". بعد أن هنأنا أنفسنا على النجاة من الدمار النووي، قال، رمتنا أحداث أيلول مجدداً في دائرة العنف الدائم الحضور. الكاتب الأميركي فيليب روث كان له رأي آخر في الصحافة الأوروبية. تحدث الى "لوفيغارو" الفرنسية و"اندبندنت" البريطانية عن "عربدة النرجسية الوطنية" بعد تلك الأحداث. وصل الى نيويورك قبل يوم واحد، وفي 11 أيلول سمع النبأ وهو في النادي، لكنه سبح لأنه لم يكن استوعب الحدث تماماً. كان ينوي البقاء بضعة أيام لكنه مكث بضعة أشهر لأن أزمة المدينة أثارت اهتمامه بها مجدداً. طاف فيها كما فعل عندما اغتيل كينيدي في 1963 وزار موقع البرجين حيث شاهد النجاة العجائبية للكنيسة المجاورة. بعدها انتشر الابتذال البشع وتشويه الحدث. "لست مسالماً ولا أرخّص حياة الضحايا ولكن يجب تجنب التضخيم". لم يعد ممكناً حضور مباراة بيسبول من دون انشاد "الله يبارك أميركا" والحديث عن "أبطالنا"، ويود توقف "عربدة النرجسية الوطنية والحس المجاني البغيض بأننا ضحايا... يكفي. الكرامة تتطلب منا التوقف عن ذلك". يرفض الحديث عن خسارة أميركا "براءتها": أي براءة؟ كم هذا ساذج. من 1688 الى 1865 كانت لدينا عبودية. ومن 1865 الى 1955 تميز مجتمعنا بفصل عنصري وحشي. أي براءة؟ "كل شيء يثير قرفه بما في ذلك تصريحات الرئيس الأميركي الشبيهة بحملة اعلامية. اللغة كاذبة دائماً، خصوصاً اللغة العامة. السناتور جوزف مكارثي استخدم لغة خاصة في الخمسينات للايقاع بالشيوعيين، ثم استخدمت لغة أكثر تأنقاً ضد كلينتون بعد انكشاف علاقته بمونيكا لوينسكي. جورج بوش يتحدث اليوم بالتكلم البطني، وعلى الكتاب فضح الأكاذيب في اللغة العامة. جوناثان فرانزن، آخر الاكتشافات الأدبية الكبيرة في أميركا، انضم الى روث ونورمان ميلر وغور فيدال وسوزان سونتاغ في انتقاد الوطنية المفرطة التي لا تزال تسود الخطاب الأميركي. فرانزن انتقد انسياق رئيس الوزراء البريطاني كعبد لخطة بوش العسكرية ضد العراق. الكاتب المسالم اليساري الميول لم يستطع رفض الحرب ضد أفغانستان بعد 11 أيلول لأنه فقد وقتها يقينه ان الموقف السلمي هو أفضل الحلول. لكن الحرب المحتملة على العراق تخدم مصالح بوش الذاتية، والأمل بالاقلاع عنها لا يتعلق به بل ببعض من "يرعونه" مثل كولن باول. تحليل احداث أيلول ولّد جواً دائماً لفحص الذات، لكنه لم يؤد الى اكتشافات عميقة بل بقي أشبه بمناخ محطة "سي ان ان" السطحي. رسم الكوكب لا نزال حتى اليوم نستخدم خرائطه ووكالة الفضاء الأميركية تعرض نظامه الشمسي على موقعها على الانترنت. "مركيتور: الرجل الذي رسم الكوكب" لمؤلفه نيكولاس كرين والصادر عن دار وايدنفلد ونيكلسون يكرّم أول رسام خرائط علمي وحديث. ولد جيرارد مركيتور في قرية صغيرة بين كولونيا الالمانية وانتويرب البلجيكية، ثم قصدت أسرته البلاد المنخفضة حيث عاش. سيحول العالم بمرتفعاته ومنخفضاته في ما بعد الى خطوط مسطحة تشبه تلك الأرض وتسهّل رحلات الاستكشاف في الوقت الذي تستفيد منها في التصحيح والتجديد. جال في أوروبا وحدها ورسمها خريطة حائط، وخص الجزر البريطانية بخرائط لا تزال تفيد سكانها اليوم. ولئن توفي المستكشف البرتغالي فرديناند ماجلان في رحلته حول العالم، تعرض مركيتور لخطر الاصابة بالطاعون وكاد يخسر حياته على يد المرتزقة الألمان عندما طاف دوقية اللورين ليرسمها. خدمت خرائطه التي ترك منها ما يزيد على مئة شراهة القرن السادس عشر الذي تطلع الى مزيد من المستعمرات والأسواق والسلع الفاخرة، لكنه تأثر بمارتن لوثر، المصلح البروتستانتي الألماني، الذي اعتبر الجغرافيا طريقاً الى الله وفهم خلقه. في أوائل أربعيناته اعتبر هرطوقاً لوثرياً وسجن سبعة أشهر رأى خلالها امرأتين من المتهمين تدفنان وهما على قيد الحياة وواحداً يحرق وآخر يقطع رأسه. حلّ مركيتور 1512 1594 لغز تحديد خط سفينة في خط مستقيم فامتن له زمانه وإن أدى ذلك الى تشوه حجم القطبين. في الثامنة والسبعين أصيب بنوبة قلبية بعد الجلطة التي تركته مشلولاً جزئياً فحنق لأن المرض يستهلك وقت العمل الثمين. عمل أربع سنوات أخرى ورحل بعد أن ترك، الى خرائطه، تعبير "أطلس" الذي يشير الى مجموعة خرائط وتسمية أميركا الشمالية.