"خيرية العوامية" تحقق عوائد استثمارية تجاوزت 577 ألف ريال خلال 3 أشهر    الهيئة العامة لمجلس الشورى تعقد اجتماعها الرابع من أعمال السنة الأولى للدورة التاسعة    تدشين 3 عيادات تخصصية جديدة في مستشفى إرادة والصحة النفسية بالقصيم    شراكة إعلامية سعودية صينية تطلق برامج تنفيذية مع القطاعين العام والخاص    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    مقتل المسؤول الإعلامي في حزب الله اللبناني محمد عفيف في قصف إسرائيلي على بيروت    رئيس مجلس الشورى يرأس وفد السعودية في الاجتماع البرلماني بدورته ال 29 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في باكو    انتظام اكثر من 389 ألف طالب وطالبة في مدراس تعليم جازان    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يصل إلى البرازيل لترؤس وفد السعودية المشارك في قمة دول مجموعة ال20    "سعود الطبية" تستقبل 750 طفلاً خديجًا خلال 2024م    فريق طبي ينجح في استخدام التقنيات الحديثة للتحكم بمستوى السكر في الدم    "وزارة السياحة": نسبة إشغال الفنادق في الرياض تجاوزت 95%    "دار وإعمار" تختتم مشاركتها في "سيتي سكيب جلوبال" بتوقيعها اتفاقياتٍ تمويليةٍ وسط إقبالٍ واسعٍ على جناحها    نمو سجلات الشركات 68% خلال 20 شهراً منذ سريان نظام الشركات الجديد    "الأرصاد"سماء صحو إلى غائمة على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية (GCAT)    المكسيكي «زوردو» يوحّد ألقاب الملاكمة للوزن الثقيل المتوسط لWBO وWBA    «الطاقة»: السعودية تؤكد دعمها لمستقبل «المستدامة»    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    اليوم بدء الفصل الدراسي الثاني.. على الطريق 3 إجازات    نفاد تذاكر مواجهة إندونيسيا والسعودية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    بيولي ينتظر الدوليين قبل موقعة القادسية    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    أهم باب للسعادة والتوفيق    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    أشبال الأخضر يجتازون الكويت في البطولة العربية الثانية    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    مشاركة مميزة في "سيتي سكيب".. "المربع الجديد".. تحقيق الجودة ومفهوم "المدن الذكية"    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    ألوان الأرصفة ودلالاتها    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملامح القرن الحادي والعشرين . توقعات مشاكل البشر في العقود المقبلة ... عدد السكان الى تضاؤل والارهاب هاجس الجميع
نشر في الحياة يوم 25 - 12 - 2002

ما هي المشكلات العالمية المتوقعة في القرن الحادي والعشرين؟ يحاول المستقبلي الروسي بيستوجيف - لادا في هذا المقال ان يحدد تلك المشكلات بناء لمقدماتها الحالية وبالقياس الى ما وقع في القرنين السابقين.
مقال صادر من العلم لا من "التنجيم".
اتجاه دراسة المستقبل والذي يعنى بدراسة المشكلات المنظورة، يسمى العولمة، ونعني بها المشكلات المعاصرة ذات البعد العالمي. مع الأخذ في الاعتبار أنه تدخل في سياق هذه المنظومة المشكلات الإقليمية قارات، دول، مناطق، والمحلية مدن، شركات، منظمات.
في فترة 1946-1989، وفي امتداد الحرب العالمية الثالثة، والتي عرفت تحت اسم "الحرب الباردة"، المشكلة الأساس التي حكمت كل المشكلات الأخرى، كانت مشكلة سباق التسلح السوفياتي - الأميركي. وقد بدأت هذه الحرب بنفقات إجمالية لكل الدول بمئات بلايين الدولارات، وانتهت تقريباً بالتريليونات، مع إمكان مضاعفتها كل خمس سنوات مع الإشارة إلى أن الدخل الإجمالي للإنسانية جمعاء لم يكن يتجاوز آنذاك 5 إلى 6 بلايين. لقد تطلب سباق التسلح، أن يوظف العدوّان قدراتهما القصوى، من دون أن يبقي ذلك، أية وسائل تقريباً لمعالجة المشكلات الكونية الأخرى. حتى أن دول حلف الأطلسي، المتفوقة بأربع مرات على الاتحاد السوفياتي وحلفائه اقتصادياً وبسلسلة نظم تقنية، رزحت تحت هذا العبء. فقد أنفقت على الحاجات الحربية، 16 سنتاً، من كل دولار واحد من الدخل الوطني. وماذا نقول عن الاتحاد السوفياتي، الذي اضطر، لكي يحافظ على التكافؤ في التسلح، الى إنفاق 88 كوبيكاً من كل روبل واحد مع احتساب نفقات الدعم لحلفائه.
ولا عجب أن غورباتشوف أخذ يطالب في النصف الثاني من الثمانينات بالسلام، وقد اضطر في نهاية الأمر للاستسلام، بطريقة معيبة. وما إن توقف سباق التسلح، في شكل أدق، اكتسب طابعاً آخر، حتى طرحت على بساط البحث، المسألة التالية في الأهمية كونياً، وهي تضاد "الجنوب الفقير - الشمال الغني". وعلى امتداد عقد التسعينات فإن هذه المشكلة اكتسبت وهجاً، من نوع آخر، ما يتيح مشروعية القول، بحلول الحرب العالمية التالية الرابعة، بداية ومساراً ونهاية، والتي تشكل على ما يبدو، المضمون الأساس للربع الأول من القرن المقبل، وقد يكون نصفه.
ويكمن جوهر هذه المشكلة الملحّة في الفجوة العميقة والمتنامية في مستوى الحياة بين الدول النامية وتلك المتطورة. وأكثر ما يظهر ذلك بوضوح في بنية عمالة السكان. فمن المعروف أنه كلما كان معدل نمو الاقتصاد مخفوضاً، كلما كانت نسبة البطالة أكبر. ان البطالة في الدول المتطورة تكون في شكل عام بنيوية، أي أن الناس يفضلون الحصول على معونات بطالة مريحة، في حين يحل مكانهم في العمل المتحدرون من الجنوب - الهنود، الزنوج، العرب، الأتراك، واليوغوسلاف، والأميركيون اللاتينيون وهكذا دواليك. في حين أنه في الدول النامية تقريباً كل شخص ثالث هو عاطل من العمل، كلياً أو جزئياً. وفي المحصلة هناك مئات الملايين من العاطلين من العمل، وتستمر الأمور هكذا وتدريجاً وصولاً إلى بليون عاطل من العمل. مع فارق أن العاطل من العمل في السابق رضخ لأوضاعه وسلَّم بها، وارتضى الحصول على طعام زهيد، ولم يعرف بوجود حياة من نوع آخر. أما الآن، فتظهر في صفوف العاطلين من العمل شريحة شبابية متعلمة وتعرف أن هناك "حياة أخرى" وتجمح نحوها بشدة. وينجح في ذلك الآلاف في حين يخفق في الوصول إليها الملايين. ويكونون عملياً أمام ثلاثة خيارات فقط للحياة: الالتحاق بالبنية الشمولية، التوجه نحو التعصب، أو الانحلال، عندئذ يكتسب وجودهم معنى وأفقاً. ولكن البنى الثلاث مجتمعة، يشكل وجودها في الأساس نتيجة لضغط التوتر الدولي. وحالها، كحال دراجة هوائية ما دامت تسير فهي في تمام الحال، وما إن تتوقف حتى تتحطم.
الكويت، فلسطين، الشيشان، أفغانستان - كل هذا، "أولى بوادر" الحريق العالمي. لكنها ما زالت تبدو للكثيرين، غير مخيفة إلى هذا الحد فهي: مجرد اختلال قوى حاد بين المنقضين والمدافعين. ولكن البنى الثلاث المذكورة سابقاً جميعها، تحصل سنة فسنة على أسلحة الدمار الشامل، وأقلها احتمالاً - الأسلحة الذرية: فهي معقدة كثيراً ومقلقة. والمحتملة وبنسبة قليلة - الكيماوية: بالمقارنة فإن إعدادها وتوصيلها إلى المكان المحدد عملية سهلة، ولكن نطاق الإصابة غير ذي شأن نسبياً، أتكون في محطة مترو في إحدى المدن الكبرى، فيتم احتسابها على أساس درجة الذعر الذي يصيب السكان. إن الأكثر احتمالاً هو حرب البكتيريا: ومن خلالها يمكن تحويل باريس، لندن، موسكو أو نيويورك إلى مقبرة خلال أيام معدودة. والأكثر احتمالاً بعد، هي حرب الكومبيوتر: تخريب شبكة منظمة وشل مدينة بكاملها، وتحويل البلد بكامله إلى فوضى تامة. وكلما كان مستوى المكننة والذي ينمو على مدار الساعة، شاملاً، كلما كان تأثير الإرهابيين كارثياً.
بكلمات، يمكننا القول ان بداية القرن الحادي والعشرين تذكر وفي شدة ببداية القرن العشرين. لقد تراكمت آنذاك عوامل التفجير في شكل أدى إلى ما حصل في الأعوام 1904-1914. وهذه تقابلها مرحلة 2004-2014 إن لم يكن قبل ذلك.
في المرتبة الثانية بالأهمية، وفي شكل غير متوقع ظهرت مشكلة السكان في العالم - التوازن الديموغرافي العالمي. انه إنجاز المنجمين، كما لو أن المؤرخين اكتشفوا حقيقة وجود الأطلسي. فحتى الأمس القريب، شغل الجميع بقضية النمو السكاني اللارادع له في الدول النامية. ففي النصف الثاني من القرن العشرين ازداد عدد السكان من بليون ونصف البليون حتى 5،4 بلايين نسمة مع العلم ان النمو السكاني في الدول المتطورة توقف عند مستوى 5،1 بليون نسمة تقريباً. وعلى امتداد النصف الأول من القرن الحادي والعشرين، وحتى وقت قريب، كان من المتوقع أن يصل النمو السكاني من 10 إلى 12 بليون نسمة. إن قوة استمرار هذا المسار على ما يبدو تتجه في السنوات 20-25 المقبلة إلى أن يبلغ التعداد السكاني بين 7 و8 بلايين. وعندها يبرز السؤال الكبير.
تبين التجربة، أنه مع خروج الناس من القرية إلى المدينة - ينزح عشرات الملايين سنوياً - تندثر العائلات الكبيرة الحجم كهروب الدخان من النار، فالمدينة الكبيرة أياً تكن! تشبه عامة "الثقب الأسود": فيها تبدأ إبادة الناس، وتكتمل المدن فقط من خلال الوافدين الذين يذوبون بها. فضلاً عن ذلك، وخلافاً للقرية تنتفي الحاجة الى الأولاد في المدينة: فمن أهل متضامنين داعمين لأولادهم يتحولون عندما "يحالون على التقاعد" في سن الشيخوخة إلى أعباء، غرباء، وفي حالات ليست نادرة إلى أهل أعداء لأبنائهم المراهقين. فمن يحتاج الى غبطة البنوة هذه المشكوك فيها؟ باختصار، أخذ ينخفض معدل الولادات في الدول النامية، وفي المدى المنظور، في العقود المقبلة، ستصبح المقارنة بالدول المتطورة، في ما يتعلق بهذا الموضوع أمراً طبيعياً، حيث يتدهور معدل نمو الولادات إلى درجة الصفر، والذي سيليه حتماً، خفض عدد السكان. وان طفلاً ذكياً واحداً فقط - وفي مقابل 6 بلايين من الراشدين الحمقى - فكر وبحزن في السؤال: "ماذا سيكون مصير الأرض بعد 100 سنة، إذا انقرضت عادة إنجاب الأولاد؟".
وفي الغالبية سيحصل ما هو حاصل فعلاً اليوم في الدول المتطورة: التي بدأ سكانها "الأميركيون البيض" و"الأوروبيون البيض" عملية انحلال طبيعي من المعروف أن الزيادة السكانية في روسيا يبلغ حجمها مليون نسمة في العام نسبة الى عدد السكان 145 مليون نسمة. وبذلك سيزدحم الفضاء الخالي ب"الملونين" الذين ينتظرهم في المستقبل المصير نفسه، لكنهم الآن لا يزالون يسيرون بقلق في المدن الخالية، حيث العذابات المتشنجة لتبدأ بالتشكل فئة جديدة كلياً من السكان.
وما النتيجة من هذا كله، يمثل أمامنا وفي شكل جلي مثال كوسوفو، حيث ارتفعت نسبة الألبان، وخلال قرن من الزمان، من 10 إلى 90 في المئة. وبنتيجة ذلك، فإن نسبة 10 في المئة الباقية من الصرب مسحت عن وجه الأرض.
مثال آخر، الانتخابات الأخيرة في أميركا. فحتى سنوات قليلة مضت، اعتبر أمراً خيالياً أن يكون رئيس الولايات المتحدة زنجياً، مكسيكياً، يهودياً أو سلافياً. لكن هؤلاء الأميركيين "ومن الدرجة الثانية" تقليدياً، التفوا حول ألبرت غور، وكادوا أن ينفذوا إلى كبار الموظفين الممولين، وهم في أميركا أكثر عدداً مما هم في روسيا. من الممكن أنه في انتخابات العام 2004، وبجهد كهذا، أن يفوز مرة أخرى جورج بوش أو زعيم آخر من "الأميركيين البيض". ولكن، في انتخابات العام 2008، فإن الفوز سيكون صعب المنال كرؤية الإذن، وذلك بسبب الحجم الكبير للمتحدرين من عروق أخرى.
قولوا لنا: أنتم يا سادتي، كيف ستكون الحال حتى ذلك الوقت؟ لنفترض أنه في الغرفة البيضوية في البيت الأبيض يتبادلون القبل، وليكن الغراب واليمامة. ولكن بالقرب من هذه الغرفة توجد البورصة، وكأني بها ملعونة ثلاث مرات. وعندما يظهر رد الفعل على الانتخابات الرئاسية التالية بتحول رزم الدولارات المخبأة تحت فراشكم، إلى رزم أوراق عليها رسوم لا قيمة لها، في حين أن الأسعار ستطير إلى السماء، مع مرتباتنا التافهة. عندئذ، قد تدركون في نهاية الأمر لماذا يولد الأطفال وأي كابوس تخفي وراءها الكلمة اللاتينية "حرمان البلاد من السكان" Depopulation. المرتبة الثالثة في منظومة المشكلات الكونية المعاصرة يحتلها تقليدياً الاختلال البيئي الكوني - تزايد تلوث الهواء والماء والتربة مضروبة بالإشعاعات والحرارة والضجيج والنترات. في الدول المتطورة يحاولون في شكل ما محاربة هذا الشر، لكن الدول النامية تسير خطوة بخطوة وراء أميركا الشمالية وأوروبا الغربية في مرحلة القرن العشرين، من دون أن تفكر حتى في النتائج، وأسهل مثال على ذلك وضع بلدنا روسيا. ان نتائج الكارثة البيئية تتناثر على خريطة الكرة الأرضية، كبقع متسربة، ونحن ننتظر وباستخفاف، متى يحدث تشرنوبيل آخر - ليس بالضرورة إشعاعياً - ومن جديد تمتد أمام أعيننا آلاف الكيلومترات الجديدة من الصحارى الممتدة وملايين القتلى، وعشرات الملايين الذين يموتون من أمراض مختلفة.
يلي ذلك، وأيضاً في إطار الاختلالات الكونية - وقود الطاقة، المواد الأولية، الغذائية، المواصلات. وكل منها يخفي في طياته صفحة دراماتيكية كاملة في تاريخ القرن الحادي والعشرين.
في القرن الحادي والعشرين سيكون علينا الانتقال إلى استخدام الذرة كمصدر للطاقة، وهذا أمر إشكالي جداً، أو الانتقال إلى نمط حياة جديد آخر، الأمر الذي سنتوقف عنده لاحقاً، وسنترحم على المواد الأرخص بالمقارنة: الغاز، النفط، الفحم. ولكن أياً يكن مصير الطاقة للإنسانية جمعاء في القرن الحادي والعشرين، فمن الواضح: أنه لن يتضاعف إنتاج الطاقة واستهلاكها لسنوات، كما كان الأمر في النصف الثاني من القرن العشرين. لأن الطبيعة لن تتحمل وفي إطار محدودية كوكب واحد الوقاحة المتمادية لواحد فقط من حيوانات الأرض الكثيرة.
وهكذا، على الإنسان أن يعيد، خلال عشرات السنين فقط، "ترتيب" أموره وفي شكل أكثر راديكالية مما كان عليه في آلاف السنين الماضية. الأمر نفسه ينطبق على التنقيب عن المواد الخام، وإنتاج مختلف المواد منها.
وفي موضوع التوازن الغذائي، فمن المشكوك فيه أن يكون هناك إمكان للمراهنة على "ثورة خضراء" ثانية، عندما أمكن زيادة مستوى محاصيل مهمة مرات عدة، وخلال سنوات محددة، كما أمكن الحؤول دون وقوع بلايين من الناس فريسة للموت جوعاً.
هذا يعني أن الإنسان في القرن الحادي والعشرين سيضطر لاتباع نظام حمية قاسية، وكل وحدة حرارية زيادة سيحاول الإنسان الحصول عليها، ستبدو كأنها عملية اقتناص. بدلاً من هذا ستحل وفي شكل آلي المشكلة الحادة اليوم والمتعلقة ب"الإفراط بالغذاء" وب"الوزن الزائد". إضافة الى ذلك، يتوقع أن يقوم الصيدلي بمساعدة الطباخ، حيث سنبتلع أنواعاً مختلفة من حبوب الدواء الغذائية.
ومن ضمن مشكلات عدة تتعلق بالنقل، نكتفي بذكر واحدة فقط، يتوقع الخبراء أن يبلغ عدد ضحايا حوادث الطرق في المتوسط مليون قتيل وعشرة ملايين من الجرحى سنوياً في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. والسؤال: هل تتحمل البلايين الثمانية من البشر خسارة الملايين منهم سنوياً، كما نفعل ذلك نحن اليوم، أم يحاولون في شكل أو أخر حل هذه المشكلة - إنها أحد أكثر مواضيع التكامل في تاريخ القرن الحادي والعشرين.
وفي ما يتعلق بالميزان التجاري الكوني، وكما يبدو فإنه سيعيش طويلاً. فالدول النامية استدانت من الدول المتطورة بالدرجة الأولى من أميركا حجماً ينمو بسرعة كبيرة ببلايين الدولارات، ولا يمكن سدادها حتى خلال ألف سنة، هذا إذا فكروا بذلك أصلاً. ولكن التجارة بذاتها تبدو وكأنها تحولت إلى سياسة تلميعية، وأصبحت الآن مرتبطة بالكامل بشايلوكي حلف الأطلسي فقط، فهل تستمر هذه التراجيدكوميديا؟
عند هذا الحد تنتهي في العادة قائمة المشكلات الكونية المعاصرة، ولكن بعض المؤلفين لا يوافقون على ذلك ويطرحون مختلف الأسئلة غير اللائقة.
هم يسألون، لماذا لا نورد ضمن هذه القائمة مشكلة الجريمة المنظمة التي تنمو بجماح؟ فإذا حالف الحظ اليوم لاعب كومبيوتر، يستطيع أن يسرق مليون دولار من مصرف، كما يستطيع إرهابي ساذج أن يرسل مئة إنسان أو أكثر إلى الموت، فإن هذا اللاعب يستطيع في المدى المنظور أن يضع اقتصاد بلد بكامله على المحك. وقد رأينا المحاولات الأولى من هذا النوع من الإرهاب منذ فترة قريبة. وإرهابي كهذا يستطيع أن يرسل 20 مليوناً من سكان نيويورك، لندن، باريس، وموسكو - المدن الكبرى إلى أسلافهم. عن هذا ينجم أمر كارثي: لكي يبقى الناس على قيد الحياة في القرن الحادي والعشرين عليهم أن يتعلموا القضاء على أي مجرم محتمل، على الأقل قبل الدقائق الأخيرة من ارتكابه جريمته.
والآن أغلقوا أعينكم، احبسوا أنفاسكم وحاولوا أن تتصوروا كيف سيحدث ذلك في واقع الأمر. هل تصورتم ذلك؟ ألم تسقط الرغبة لديكم في استشراف المستقبل؟
لماذا لا ندرج مشكلة البيئة الصحية ضمن المشكلات الكونية المعاصرة؟ ولا يقتصر الأمر على مرض الايدز الذي يهدد حياة عدد كبير من الناس، أكثر مما حصدته الأوبئة الأخرى كالكوليرا والطاعون، منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا. نذكر أن هذه الأوبئة حصدت في وقتها 5/4 السكان. وليس أقل أهمية أن نذكر، أنه في السابق، وكمسلمة، فإن العائلات ذات العدد الكبير من الأولاد تمتعت بصحة أفضل. وهكذا أورثوا خصائصهم الجينية إلى الجيل اللاحق.
واليوم يحيا أي مسخ والطبيب بجانبه. فأي غد سيكون له؟ وبعد، فإننا نحن وبأيدينا، ومن خلال معاهدنا التعليمية التي ابتكرناها، نحول نصف عدد الأولاد إلى عصبيين، مرشحين لأن يكونوا زبائن للعيادات النفسية، والثلثان يعانون حالات تحسسيه، عاجزين عن الحياة من دون علاجات مستمرة، وأربعة أخماس إلى معاقين دائمين بأمراض مختلفة: عين، أنف، أذن، حنجرة، العمود الفقري، أمراض البول والأمراض النسائية. وأي غد يمكن توقعه لهم، هل سيكونون أصحاء أقوياء كقدماء اليونانيين؟ وهل الأفضل من ذلك كله أن يموت السكان المعوقون؟
هناك مؤلفون يولون اهتماماً للركب المنتصر المضاد للثقافة والذي يقدس القوة وشهوة المخدرات وغيرها... أليس هذا أكثر ما يغري الشباب، انه انحلال المجتمع بالمدفونين أحياء. فقبل 1500 عام تقريباً واجه قدماء الرومان الحال نفسها. من المعروف إلام انتهى كل هذا. فهل ننتظر تكراراً؟
وبهذه المشكلة الكونية ترتبط واحدة أخرى هي مشكلة التحضر المفرط Hyper Urbanization ، التي تناقض في شكل طبيعي عملية التجمع في المدن الكبيرة جداً، والمزدحمة بمئات الملايين، وفي المدى المنظور، بالبلايين من الناس. سبق ان ذكرنا أن كل مدينة كبيرة هي بمثابة "نقطة سوداء"، حيث يذوب سكان العالم. لكنها في الوقت نفسه هي - سدوم وعمورة كل الرذائل المعاصرة. مصير واحد فقط لا غير. ماذا إذاً، هل نعود إلى الأسلاف؟ أم يوجد خيار ما بنّاء أكثر؟ في النهاية، لا بد من القول، أن مؤلفين يعتبرون انه يجب طرح موضوع المنظمات الدولية الموجودة، بدءاً من منظمة الأمم المتحدة. وليس سراً، أنه من دون وجود منظمات دولية لا يمكن حل أي قضية دولية الأبعاد.
وتدرج أحياناً في عداد المشكلات الكونية المعاصرة في بعض الأحيان مشكلة غزو المحيطات، والفضاء وغيرها من محاور ليست أقل غرابة، لكنها تتطلب اهتماماً خاصاً.
مشكلات ممكن حلها ولا تحسم
هناك شك، بأن التقسيم التقليدي للناس بين متشائمين ومتفائلين هو طرح مفلس في أساسه. بالطبع يمكن التأكيد، أن المتشائم ليس أكثر من متفائل يعرف جيداً، أو أن المتفائل هو ذلك الإنسان الذي يؤمن بأن زوجته تعطيه مصروفاً كاملاً وليس نصفه، وتقابله صباحاً بباقة من الورد بدلاً من الشوبك. ولكن سيكون أكثر صدقاً الاعتراف أننا نحن المتشائمين لا نعيش حياتنا بفطنة، وما أن يصبح الإنسان متشائماً حقيقياً، فهو أما أن يصبح مدمناً أو ينتحر أو يجن.
في حقيقة الأمر، فإن الناس فئتان: منظرون منفردون واشكاليون. تمثل الفئة الأولى هجيناً بين الطاووس والدجاجة البرية. أي أنهم وفي كل فرصة مواتية، خصوصاً بحضور النساء، أو من على منبر المؤتمرات العلمية - ينشرون ذيلهم ويجرشون كلاماً بلا انقطاع من دون أن يروا أو يسمعوا شيئاً مما يدور حولهم. في حين أن أهل الفئة الثانية يحاولون أن يتبنوا القضايا الملحة ويفهموها، وأن يجدوا طرقاً لحلها من دون تفاؤل أو تشاؤم.
تاريخ القرن الحادي والعشرين سيكون غير مكتمل، إذا ما حصر البحث في الجانب الإشكالي للموضوع فقط. ولو عددنا أكثر المفاهيم البنيوية إثارة للجدل، والتي ينبغي التطلع إليها لبلوغ الحضارة المنشودة، فنجد أن هذه المفاهيم خمسة:
1- التخلي عن استعمال الطاقة الحرارية غير المجدي، والخطير جداً منها الطاقة الذرية. والانتقال إلى الطاقة الحرارية "المخفوضة"، الشمسية، المجارى الهوائية والمائية، وغيرها من مصادر الطاقة في باطن الأرض، والتي لا تلوث البيئة.
هذه المصادر تؤمن طاقة أقل مما هو مطلوب اليوم، لذا تسمى "مخفوضة"، ما يعني المقدرة على التصرف بالقليل، من دون أن يؤدي ذلك إلى خفض مستوى ونوعية الحياة. هذا يعني، وفي شكل خاص، الامتناع عن الإسراف في استهلاك الطاقة. تود الارتحال والسفر. ما عليك إلا أن ترتدي أحذية التزلج، أو الخف الاسبدرين. اركب سفينة شراعية، وباستعمالك محركاً أياً يكن للتنزه فأنت مجرم، تسرق الكالوريات الثمينة من جيرانك، من أحفادك، وأحفادهم. وتلافياً لأي سوء فهم، نضيف، أن معظم الرحلات الترفيهية والمهنية وكذلك منقولات أخرى حركة المرور يستبدلها عمل الكومبيوتر والجيل المقبل منه.
2- لا بد أن يعاد التوازن إلى الاختلالات الكونية، بدءاً من الاختلال الديموغرافي. وهذا ما يسمى "النمو المستقر". وخصوصاً ما يتعلق بالعائلة، فلا بد أن تحل العائلة المتوسطة عدد الأولاد مكان العائلة المتعددة الأولاد، أو ذات الولد الوحيد ثلاثة إلى أربعة أطفال في المتوسط للمرأة يمكن أن تؤمن استمرارية الأجيال اللاحقة. إن عائلة كهذه مدعوة لتأمين مسار إعادة إنتاج واضحة للسكان.
3- تعلن أولوية مطلقة للترشيد البيئي. بمعنى آخر، يمنع أي عمل يحمل في طياته ضرراً بالطبيعة، أياً تكن الجدوى الاقتصادية أو السياسية المأمولة منها.
4- وفي حالات، عندما تكون أسلحة الدمار الشامل، في أيدي بنيات إجرامية قادرة على القضاء على الإنسانية، يعلن التدمير الشامل والكلي للأسلحة، باستثناء تلك الضرورية لمحاربة الجريمة.
5- يعتمد اتجاه لأنسنة العلم والثقافة. الأول يعني تحويل المدارس، من قمرات تعذيب، حيث يحشى رأس الطالب بكم هائل من المعرفة لا حاجة لها في الحياة، إلى مكان تثقيفي مضيء، حيث يصبح التعلم رضى سعادة، العمل الإبداعي، يرتبط بكنوز الثقافة الوطنية والعالمية. والثاني يعني هجوماً مضاداً على "ثقافة الظل"، المضادة للثقافة، بإعادة الأخلاق لأناس أفسدت أخلاقهم كلياً، وتفسدها كل يوم وسائل الإعلام العام. خصوصاً للشباب.
لا يمكن للروسي أن يتصور القرن الحادي والعشرين من دون روسيا، كما الفرنسي من دون فرنسا، والياباني من دون اليابان.
لمئة عام خلت شبهت روسيا بالهند ولكن بجيش ألماني. اليوم يلائمها أن تسمى المكسيك، أو البرازيل - كما تشاء بجيش صيني. هكذا بالضبط يتم استقبال ممثلي روسيا في المحافل الدولية. كما يستقبل المكسيكيون والبرازيليون. ولكن أين الإساءة في هذا؟ فنحن الروس نحصل على ما نستحقه بالضبط.
من الممكن أن يكون الأسبان أحسوا الإحساس نفسه، قبل 300 سنة، عندما خسروا صراعهم من أجل الهيمنة على العالم، وكفوا عن أن يكونوا قوة عظمى. وقبل 200 سنة وجد الفرنسيون أنفسهم وبعد هزيمة نابليون في الموقع نفسه. ألمانيا واليابان لم تعودا تمثلان قوتين عالميتين بعد خسارتهما في الحرب العالمية الثانية. في حين أن بريطانيا العظمى وفرنسا وجدتا نفسيهما منتصرتين، إلا أنهما فقدتا مكانتهما بعد سقوط مستعمراتهما الإمبراطورية. وماذا؟ هل يشعر أي شخص في هذه الدول بعقدة عدم المساواة؟
حان الوقت لكي نتخلص من شبح الإمبراطورية المبتورة. الإمبراطوريات كلها نهايتها واحدة وان اختلف الزمن. واليوم دور الإمبراطورية الأميركية.
* أكاديمي روسي مختص بعلوم المستقبل نقل النص عن الروسية: زينب نصار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.