عندما قررت إذاعة "المنار" العربية في بروكسل ملاحقة إذاعة البحر الأبيض المتوسط "ميدي1" أمام القضاء البلجيكي لم تكن تتخيل أن قرارها سيثير كل هذه الضجة: ضجة في المغرب حيث حظيت هذه القضية باهتمام خاص من الصحافة التي بدت متعاطفة مع إذاعة الجالية المغربية والعربية في بلجيكا. وضجة في بروكسيل حيث تحولت القضية إلى محاكمة "المنار" نفسها في أوساط هذه الجالية. بدأت القصة منذ ثلاثة أشهر تقريباً، فمباشرة بعد عودة الجالية المغربية من عطلتها الصيفية بدأت إذاعة "ميدي1" بثَّ برامجها، والمُوجّهة أساساً إلى بلدان المغرب العربي في بلجيكا. وكان ذلك بعد توقيعها على بروتوكول اتفاق مع إذاعة "كونتاك أنتير" البلجيكية ما أثار حفيظة إدارة إذاعة "المنار" التي تعتبرُ "كونتاك" مُناوئةً لمصالح الجالية العربية في بلجيكا... كما انتقدت "ميدي 1" التي تبقى برأيها غير مُؤهلة للتوجُّه إلى الجالية وبالبرامج نفسها التي تُقدّمُها لمُستمعيها في المغرب العربي. ولهذا قررت إذاعة "المنار" مُقاضاة "ميدي 1" التي تبُثُّ من مدينة طنجة المغربية أمام محكمة بلجيكية بتهمة "استعمالها لموجات غير مُرخّصَة قانوناً" مما جعل منافسة "ميدي1" ل"المنار" في عقر دارها "منافسة غير شريفة وغير قانونية" على حد تعبير أحمد بودا مدير إذاعة "المنار". لكن هل يحقُّ لإذاعة "المنار" مقاضاة "ميدي1" في بلجيكا من دون أن يكون لهذه الأخيرة أي وجود قانوني هناك؟ وأيضاً هل "المنار" إذاعة مغربية حقاً كما أفادت المصادر التي تناقلت نبأ القضية؟ فمجلسها الإداري يضُمُّ اعضاء من جنسيات مختلفة. كما أن القانون المنظم لها هو قانون الجمعيات البلجيكي. مثل هذه الأسئلة يطرحها العديد من المُرَحّبين ببثّ برامج "ميدي1" على الأمواج البلجيكية. ويشير بعضهم الى تقارير أعدّتها مؤسسات بلجيكية رسمية تفضح واقع غياب المهنيّة وسوء التدبير الذي تشتغل فيه "المنار". إضافة إلى احتكار التسيير. هذا إلى جانب تحويل القناة إلى أداة دعاية لمصلحة الحزب الاشتراكي البلجيكي. وتجدر الإشارة إلى أن أحمد بودا يشغل إضافة إلى مسؤوليته على رأس الإذاعة منصب رئيس فرع الحزب الاشتراكي البلجيكي في حي كوكلبيرغ ذي الغالبية المغربية. بودا الذي يُحذّر بدوره أيضاً من مغبة تحول "ميدي1" إلى بوق سياسي للحزب الليبرالي، على اعتبار أن رئيس كونتاك ليس سوى غريمه مصطفى أوزختي أحد نواب رئيس حزب الحركة الإصلاحية الليبرالي. ويساهم في تقوية الهاجس السياسي والحزبي لدى الفرقاء دنو موعد الانتخابات التشريعية التي ستعرفها بلجيكا سنة 2003، تليها الانتخابات الجهوية في 2004 والبلدية سنة 2005. الشيء الذي قد يجعل الموجة العربية ضحية تصفية حسابات سياسية بين الحزبين الليبرالي والاشتراكي. وعلى صعيد آخر، أفاد عبدو مكاوي مدير مهرجان "الحلقة"، أكبر مهرجان مغاربي سنوي ينظم في بروكسيل، في تصريح ل"الحياة" قائلاً: "سبق لي الاتصال بإدارة المنار مقترحاً عليها شراكة جدية مع مهرجان الحلقة تتيح لها حقَّ التصرُّف في جميع فقرات المهرجان وإذاعة عروضه الغنائية والفنية واستضافة من شاؤوا من ضيوفه على أمواج إذاعتهم شريطةَ أن يُقدّم لي بدورها بعضاً من الدعم الإعلامي، ظنّاً مني أن هذا يدخل في إطار دورها الطبيعي كقناة موجهة إلى الجالية وتدّعي خدمتها. لكن مدير المنار سيفاجئني بعدم تفهُّمه لروح هذه الشراكة حين طالبني بمبلغ ألفي دولار ما جعلني أفهم أنّ الحسابات هناك تجارية محضة لا علاقة لها بالجالية واحتياجاتها الثقافية". وإذا كان السجال في بروكسيل على أشُدّه بين خلصاء "المنار" وبين جمهور المتحمسين لبرامج "ميدي1"، فإن إذاعة طنجة الدولية لا تبدو مكترثة لهذه الضجة. فالبث الحالي في بلجيكا ليس سوى مرحلة أولى ونوعاً من البرمجة الاختبارية في انتظار أن يُسفر هذا التعاون مع إذاعة "كونتاك" البلجيكية عن مولود إذاعي جديد سيحمل اسم "كونتاك ميدي1". وهو المشروع الذي تنوي من خلاله هذه الإذاعة الجديدة وضع حدّ للرداءة التي سادت منذ أكثر من عقدين داخل المحطات الإذاعية العربية في بروكسيل.