لم تكن "سطوراً كُتبت بماء"، على حد قول الأديب اللبناني الراحل جبران خليل جبران، تلك الترشيحات التي صبت في مصلحة نادي الزمالك قبل مباراته الحاسمة أمام الرجاء البيضاوي المغربي في ختام مسابقة دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم على ملعب القاهرة الدولي أمام نحو 85 ألف متفرج... لأنه استحق وبكل جدارة لقبه الخامس في هذه البطولة، وأسعد 70 مليون مصري بهذا الإنجاز الكبير. ولأن كأس الأبطال لها مذاقها الخاص دوماًً وتبقى بمثابة الحلم الأكبر لأنها الأقوى والأشهر، فقد دخل الزمالك تاريخها مجدداً من الباب الواسع بعدما عزز رقمه القياسي لجهة حصد لقبها، وابتعد في الصدارة بفارق لقبين عن منافسه الرجاء البيضاوي بالذات. متابعة المباريات المهمة من مدرجات الدرجة الثالثة متعة حقيقية، لأنك تعيش فيها بكل جوارحك وأحاسيسك مشاعر "الجماهير الكادحة" التي تقتطع من قوتها وقوت أولادها من أجل أن تتواجد في مثل هذه المناسبات حتى لا تفوت فرصة مساندة فريقها والاحتفال معه بنصر كبير أو إنجاز يحققه. ومساء أول من أمس أتيحت لنا هذه الفرصة العظيمة بعدما أغفل نادي الزمالك إصدار البطاقات اللازمة لحضور المباراة من مقصورة الصحافيين على رغم أننا حضرنا خصيصاً من مقر الجريدة في لندن لهذا الغرض وحتى لا نغيب عن هذا الحدث المهم! ومع جماهير الدرجة الثالثة، عشنا نحو 10 ساعات متصلة قبل وبعد المباراة ولمسنا تماماً كيف تضحي هذه الجماهير بالكثير في سبيل انتمائها لوطنها وناديها وعشقها لكرة القدم. ولفت أن الحضور لم يقتصر على الزمالكاوية وحدهم، وإنما شارك عشاق الكرة في مصر وبمختلف ميولهم في مؤازرة ممثل بلادهم في هذه المناسبة... فرفرفت أعلام الأهلي والإسماعيلي والاتحاد والقناة والترسانة وكل أندية مصر الأخرى في كل أرجاء الملعب في تظاهرة ود وحب خالصة. لكن المهم أن رجال "القافلة البيضاء" كانوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ونجحوا في مهمتهم تماماً بعدما قدموا عرضاً فنياً متوازناً ربما لم يرتق إلى المستوى المأمول، بيد أنه كان كافياً لتحقيق الهدف المنشود. وكان الزمالك دخل المباراة مرشحاً بقوة للفوز بالمباراة والكأس والمليون دولار المقررة لصاحب اللقب، وما عزز آماله بتحقيق كل ذلك، انه أمضى موسماً رائعاً في مسابقة دوري أبطال أفريقيا ووصل إلى مباراتها الختامية بعدما أقنع الجميع بعروضه ونتائجه في أدوارها السابقة. كما أنه بدأ موسمه المحلي بداية رائعة، ولم تكن خسارته الوحيدة أمام حرس الحدود سوى كبوة جواد جامح يحارب بشراسة محلياً وقارياً. وهو أحكم سيطرته على غالبية فترات اللقاء، وأحرز له جنديهُ المجهول تامر عبدالحميد هدفه الغالي من تسديدة مفاجئة لم يحسن الحارس المغربي مصطفى الشاذلي تقديرها فتحمّل وحده مسؤولية اهتزاز شباكه من دون أن يقلل ذلك من قيمة الهدف طبعاً. وأحسن المدرب البرازيلي كارلوس كابرال اختيار تشكيلته، وهو سبق له أن غيّر جلد فريقه غير مرة حتى توصل إلى أفضل "توليفة" ممكنة. وأثناء المباراة أكد كابرال أنه واحد من أفضل المدربين الأجانب الذين عملوا في مصر، لأنه أحسن قراءة المباراة سريعاً وأجرى تعديلات تكتيكية على خطة فريقه مرات عدة وفقاً لما أملته عليه ظروف كل مرحلة من مراحل هذا اللقاء الصعب. وتمكن فعلاً من إلغاء أي خطورة حقيقية للفريق الضيف بتشديد الرقابة على مفاتيح اللعب فيه... وحتى في اللحظات العصيبة التي مر فيها فريقه حين شدد الضيوف هجماتهم في منتصف الشوط الثاني بغية إدراك التعادل، تمكن بتغييراته الجيدة من تغيير الدفة في مصلحة الزمالك الذي كاد يضيف أكثر من هدف في الدقائق الأخيرة من عمر اللقاء. استسلام... واستفزاز في المقابل، عاب الرجاء البيضاوي بطء الأداء واستسلم تماماً للهجمات الزمالكاوية في الشوط الأول وكأنه وصل إلى القاهرة واضعاً في اعتباره ضرورة الوصول إلى الركلات الترجيحية التي تتساوى فيها فرص الفريقين. وركز المغاربة على محاولات استفزاز اللاعبين المصريين وإخراجهم من تركيزهم في المباراة، وكادوا ينجحون في ذلك غير مرة، في ظل تحكيم ليبي مهزوز بطله الدولي عبدالحكيم الشلماني، لولا التدخل السريع من جانب المدرب محمود سعد الذي لعب دوراً مهماً جداً في مسيرة الأبطال منذ بدايتها. بيد أن الضيوف وجدوا أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه بعد أن باغتهم الزمالك بالهدف، فاضطروا الى التخلي عن حذرهم الدفاعي رويداً رويداً إلى أن تحولوا إلى الهجوم الكثيف مع اقتراب المباراة من نهايتها من دون أن يؤتي ذلك ثماره في ظل الفكر العالي لكابرال والأداء القتالي والاستبسالي لأبطال أفريقيا الذين استحقوا تهنئة الجميع وفي مقدمهم الرئيس محمد حسني مبارك. مكاسب بالجملة وعقب المباراة تحولت شوارع القاهرة إلى حلبة كبيرة للتعبير عن مظاهر الفرح، وتجمع آلاف المشجعين حول مقر نادي الزمالك في ميت عقبة... وتبادل الجميع التهنئة على المكاسب الكثيرة التي حققها ناديهم والمتمثلة في فوزه بالمباراة والكأس والمليون دولار، وتعزيز رقمه القياسي بالحصول على اللقب الخامس، وتأهله لخوض مباراة الكأس السوبر الأفريقية أمام فريق مغربي آخر هو الوداد البيضاوي حامل كأس الكؤوس في شباط فبراير المقبل في القاهرة... فضلاً عن مشاركته في دوري الأبطال العام المقبل مع مواطنه الإسماعيلي حامل لقب بطل مصر في الموسم الماضي، وتمثيله للقارة الأفريقية في بطولة العالم المقبلة للأندية الأبطال. وقبل أن ننهي مهمتنا القاهرية بحلوها ومرها، لا بد من أن نعتذر من الدكتور عبدالله جورج طبيب فريق الزمالك الذي ورد أسمه خطأ في تقرير الأمس بدلاً من والده جورج سعد كبير مشجعي الزمالك... وأن نهنئ نادي الزمالك على هذا الإنجاز العربي الكبير... من دون أن ننسى أن نشكره لإتاحته الفرصة أمامنا لمعايشة هذا اللقاء من مدرجات الدرجة الثالثة... وما أحلاها.