قررت الحكومة الجزائرية اغلاق سجن سركاجي العتيق في العاصمة بعد سلسلة من الحوادث التي هزت ارجاءه خلال الأعوام الماضية وانتهت بمقتل أكثر من 150 من نزلائه في عمليات تمرد أو احتجاج فاشلة. وأفادت مصادر حكومية "الحياة" ان نزلاء هذه المؤسسة العقابية سيحوّلون إلى سجون أخرى شرق العاصمة وجنوبها خلال الأشهر الثلاث الأولى من العام المقبل. ورجح مصدر مطلع ان يُحوّل سجن سركاجي إلى "معلم تاريخي"، خصوصاً أنه يقع ضمن المحيط العمراني لمدينة القصبة التاريخية المحمية من منظمة اليونسكو. وتقرر غلق هذا السجن بأمر من رئيس الحكومة السيد علي بن فليس وهو عضو رابطة حقوق الإنسان منذ 1985. وبرر قراره بضرورة تلاؤم السجون الجزائرية مع "المقاييس الدولية". وضمن الإجراء نفسه سيحول سجن الحراش، شرق العاصمة، إلى مركز كبير لحجز الموقفين احتياطياً، فضلاً عن إنشاء سجنين في شرق العاصمة وغربها لتخفيف الضغط عن بقية السجون. ويضم سركاجي بين أسواره نحو 1500 سجين غالبيتهم من سجناء الحق العام. لكن في بعض قاعاته المعزولة "كبار المجرمين" مثل عبدالحق العيادة الأمير السابق ل"الجماعة الإسلامية المسلحة" الذي اعتقل في المغرب، وضابط الاستخبارات العسكرية الملازم مبارك بومعرافي المتهم بقتل الرئيس السابق محمد بوضياف في حزيران يونيو 1992. وتحمل هندسة أسوار السجن ومنافذ قاعاته والسلالم كلها معاني القساوة في هذا المعلم العمراني الذي بني لتسليط أشد العقاب على من يخرج على الحاكم العثماني. بُني سجن سركاجي العتيق، أو "بربروس"، خلال فترة حكم الداي حسين لمدينة الجزائر في القرن الثامن عشر، إذ استُغل هذا المبنى الذي يقع في منطقة القصبة العليا التي كان يقيم فيها "الكراغلة" وهم خليط من العرب والأتراك، ليكون بمثابة سجن. ومع دخول الجيش الفرنسي إلى الجزائر سنة 1832 استغلته سلطات الاحتلال أيضاً كسجن تحت اسم القرصان التركي "بربروس" واسمه الحقيقي عروج خيرالدين. وفي سنة 1945، قرر حاكم مدينة الجزائر إجراء سلسلة من عمليات التوسيع في الجهة الغربية من خلال بناء قاعات جديدة تستخدم حاليا كجناح إداري. وبعد استقلال الجزائر في 1962 قرر الرئيس السابق أحمد بن بلة اغلاقه بموجب قرار أصدره في نيسان أبريل 1965، بحيث تحول المبنى إلى مجرد معلم أثري وتاريخي يشبه إلى حد بعيد متحف معدومي الثورة الجزائرية. وتشير وثيقة رسمية صادرة عن وزارة المجاهدين إلى مقتل 58 مجاهداً خلال الفترة الاستعمارية بعد تنفيذ حكم الإعدام في 48 منهم بالمقصلة وعشرة آخرين رميا بالرصاص. ووضعت داخل ساحة سركاجي لوحة بأسماء هؤلاء الشهداء. وفي العام 1981، أصدر الرئيس الشاذلي بن جديد قراراً أعطى هذه المؤسسة مجدداً صفة العقاب من خلال إدراجها ضمن مؤسسات الوقاية. وزج في هذه الفترة العديد من زعماء المعارضة الذين اتهموا بالتآمر على أمن الدولة مثل سعيد سعدي رئيس الحزب البربري التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، وعباسي مدني رئيس جبهة الإنقاذ لاحقاً، والشيخ علي بن حاج، فضلا عن قيادات الحركة الإسلامية المسلحة التي تزعمها مصطفى بويعلي. وفي 18 كانون الثاني يناير 1989 أعيد تصنيفها كمؤسسة عقابية على غرار مئة مؤسسة أخرى أنشئت خلال فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر. وفي سركاجي 14 زنزانة انفرادية كانت تستخدم لعزل المجاهدين المحكوم عليهم بالإعدام. غير أن وثيقة رسمية تذكر ان هذه الزنزانات غير مستعملة وهي تقع في الجناح القديم. وتدير وزارة العدل الجزائرية 140 مؤسسة عقابية بينها مئة سجن موروث عن فترة الاحتلال الفرنسي. وهي تضم حالياً نحو 38 ألف سجين.