عند مدخل شارع قصر النيل في ميدان التحرير وسط القاهرة يقف محمد 30 سنة حاملاً جهازي هاتف خلوي في يديه لبيع خدمة الاتصال للمحتاجين، وإلى جانبه لافتة كرتونية مكتوب عليها "اتكلم براحتك، دقيقة المحمول بخمسين قرشاً" ومقعد خشبي صغير يستريح عليه من عناء الوقوف تحت الشمس الحارقة أو من توتر انتظار مداهمة الشرطة له ومطاردته. ومحمد واحد من الشبان والفتيات، وأحياناً العجائز والمسنين الذين بدأوا ينتشرون في شوارع القاهرة في الآونة الأخيرة ممتهنين تأجير هواتفهم المحمولة لمواجهة البطالة وتوفير مصدر للارتزاق ولزيادة المداخيل الشخصية في مواجهة زيادة الأعباء. ويبلغ عدد مشتركي الخلوي في مصر نحو أربعة ملايين مواطن يسددون فاتورة سنوياً تبلغ عشرة بلايين جنيه. ولكن يبدو أن تعقيد النظام المحاسبي والتباين بين كلفة الدقيقة في الخلوي ونظيرتها في الثابت دفعت حامليه من مشتركي نظام "المكالمات المدفوعة مقدماً" الى التعاطي مع مؤجري الخدمة الجدد لرخص قيمة المكالمة. ويبرر محمد نشاطه قائلاً: "تخرجت منذ سنوات ولم أجد وظيفة حتى الآن. ومن غير الممكن ان أحصل على مصروفي من أهلي، فوجدت فرصة سانحة في عمل شريف أحقق منه دخلاً يعينني على الحياة وأقوم بسداد الفاتورة بانتظام وأدفع الضرائب المقررة، فأين مخالفة القانون؟ وأيهما أفضل للحكومة، البطالة ومصائبها أم العمل الشريف؟". لكن هذه المبررات لم تشفع لدى الحكومة التي توعدت "التجار" الجدد ب"الويل والثبور" بعدما وجدت نفسها أمام ظاهرة تجاوزت شوارع العاصمة إلى شواطئ المصايف والحوانيت والمحال التجارية المنتشرة في كل محافظات مصر وعلى أبوابها لافتة "إتكلم براحتك" وبدأ أصحابها التنافس وخفض قيمة الدقيقة لجذب الزبائن مستغلين نظام "البيزنس" الذي دفعت به شركتا المحمول إلى السوق بأسعار مخفوضة لتشجيع الشركات ورجال الأعمال وأعضاء النقابات وغيرهم على اقتناء الخلوي، فقام هؤلاء بالحصول علىه بوسائل غير معلومة ويبدو أنها غير قانونية أيضاً. وتعهد وزير الاتصالات الدكتور أحمد نظيف مطاردة "الخارجين على القانون" العاملين في "مهنة غير شرعية" بتهمة مخالفة القواعد المنظمة لخدمة الخلوي في البلاد، لا سيما أن الحكومة مقبلة على تأسيس شركة خاصة بها تنافس الشركتين القائمتين ومنهما واحدة كانت للحكومة وباعتها لمستثمرين قبل أن تكتشف أنها "البطة التي تبيض ذهباً". وأصبح مألوفاً في القاهرة مشهد مطاردة الشرطة للباعة الجوالين المنتشرين في الشوارع والأزقة يعملون في مختلف المجالات، إذ سرعان ما يحملون الطاولات الخشبية الصغيرة المتكدسة عليها بضاعتهم على اكتافهم ويلوذون بالفرار فور سماع صوت جهوري ينادي "البلدية.. البلدية"، وهو الاسم القديم للشرطة المختصة في ملاحقة التجار الجوالين من دون ترخيص قبل ضبطهم ومصادرة بضاعتهم وإحالة البعض على التحقيق. ولم يتوقع الدكتور نظيف وهو يحاول إعادة "الانضباط" إلى الشارع المصري وتطبيق القانون أن تواجه تصريحاته معارضة منطقية من نواب في البرلمان نقلوا ما يحدث في الطريق العام إلى تحت قبة مجلس الشعب مطالبين بفتح هذا الملف وطرحه على النقاش العام. النائب عن جماعة "الإخوان المسلمين" حسنين ابراهيم قدم طلب إحاطة عاجلاً إلى نظيف شدد فيه على أنه "لابد من التزام الجميع بالقانون"، ولكنه لفت إلى أن "الحكومة هي المسؤولة عن هذا الارتباك بإصرارها على جعل سعر الدقيقة عبر الهاتف السلكي الذي تملكه إلى المحمول أعلى من القيمة المحددة للاتصال بين أجهزة "الخلوي"، ودعا الحكومة إلى "منافسة الشركات الخاصة وخفض الأسعار لتخفيف الأعباء عن المواطنين والشرطة ورجال النيابة ومنح الأخيرين الفرصة للتفرغ إلى المهمات الثقيلة الأخرى بدلاً من الركض وراء مؤجري الخدمة والقبض عليهم وإحالتهم على جهات التحقيق.