عثمان شاب مثل كل الشباب له طموحات لا حدود لها. منذ صغره يحلم بالسفر الى بلاد العم سام. يعشق أميركا عشقاً لا يوصف. يحفظ كل الولايات وعواصمها. عاش لكي يحقق هذا الحلم الذي صاحبه في كل لحظة من لحظات حياته. اخذ يخطط له ويبحث عن الوسيلة التي تمكنه من السفر. فجأة حدث ما لم يتوقعه عثمان. كان مستلقياً على سريره وهو ممسك بصحيفة "الحياة" ويتجوّل عبرها حول العالم. سمع صوت أخيه أحمد يدعوه. ذهب عثمان ووجد كل أفراد الأسرة ملتفين حول التلفاز. رأى نيراناً وأدخنة تتصاعد من مبنى ضخم. سألهم: ماذا حدث؟ قالوا له: طائرتان اصطدمتا ببرج التجارة العالمي، وأخرى ضربت البنتاغون. لم يصدّق عثمان ما سمعه. أحقاً تعرّضت محبوبته الى الاعتداء؟ قال لنفسه: إنهم الاعداء الذين يكرهون أميركا. أحسّ بالألم والحزن. بعد منتصف الليل ذهب الى فراشه، وكان يحسّ بألم عميق. في منامه رأى انه سافر الى أميركا. أصابته الدهشة مما رآه في مطار واشنطن. كل أنواع التكنولوجيا تمثلت أمامه. لك حبي يا أميركا، خرج من المطار الى أقرب فندق، ومكث فيه ثلاثة أيام. في اليوم الثالث اهتزت أميركا، واهتز العالم كله للتفجيرات التي حدثت. كان عثمان موجوداً في الفندق، كل النزلاء كانوا يتابعون الاحداث من الصالة الرئيسية للفندق. قرر عثمان ان يتجوّل قليلاً خارج الفندق عله ينسى همومه. في منتصف الطريق رأى عربة تقترب منه ونزل منها ثلاثة رجال، مكتوب على بدلاتهم "أف بي آي". أخذوه عنوة وهو يصرخ ويبكي. اقتادوه الى السجن ووضعوه في زنزانة. في المساء اقتاده الحارس الى غرفة التحقيقات. سأله الضابط عن اسمه ووطنه. قال له الضابط: أنت تنتمي الى تنظيم "القاعدة". لماذا حضرت قبل التفجيرات بثلاثة أيام؟ هل ذهبت الى أفغانستان؟ هل قاتلت مع طالبان ضد الروس؟ أمطروه بوابل من الاسئلة. قال لهم انه حضر الى أميركا لأنه يحبها. قالوا له: ألست شرق أوسطياً؟ قال: نعم. قالوا: ألست عربياً؟ قال: نعم. قالوا له: اذاً كيف تحب أميركا؟ أعاده الحارس الى الزنزانة. أصابه الخوف والرعب لأنه لم يتخيل ان يحدث له هذا. وأين؟ في أميركا التي أحبها وعاش وهو يحلم بها! أخذ عثمان يرتجف من الخوف... سوف يعذبونه لا محالة. ماذا يفعل؟ ربما يحضر الحارس الى زنزانته ويطلق عليه النار. وأخذ العرق يتصبب من جسده. فجأة رأى حارس السجن أمام باب زنزانته، وبدأ في فتح الباب. صرخ عثمان صرخة اهتزّت لها الزنزانة وسقط مغشياً عليه. استيقظ والده من النوم وجرى الى غرفة ابنه عثمان. وجده جالساً على سريره والعرق يتصبب منه. سأله والده: ماذا حدث لك؟ لماذا صرخت؟ هل حدث لك مكروه؟ رد عثمان قائلاً: لا يا أبي لم يحدث شيء، انه كابوس. أحسّ عثمان بالسعادة ، وحمد الله على أنه كان كابوساً وحلماً. منذ تلك اللحظة لم يعد يفكر في أميركا، وأخذ يتجنّب الحديث عنها، ومات حلمه في داخله. السودان - صلاح الجيلاني البشير بالبريد الإلكتروني