لندن - "الحياة" - ستة أسابيع من التاريخ كانت كافية لجعل ونستون تشرشل "البريطاني الأعظم" بنظر مواطنيه الذين اختاروه في استفتاء شارك فيه أكثر من مليون شخص ونظّمته هيئة الإذاعة البريطانية "بي. بي. سي" على مدى شهر كامل مرتين في الأسبوع. في تلك الأسابيع الحالكة من تاريخ بريطانيا بين أيار مايو وحزيران يونيو 1940، جاء تشرشل رئيساً للحكومة ليقول لمواطنيه الخائفين من إنزال ألماني في جزيرتهم يُكمل به هتلر احتلاله أوروبا: "لا يسعني ان اقدم اليكم سوى الدم والجهد والدموع والعرق". وقال جملته الشهيرة: "سنقاتل على الشواطئ والمدرّجات. سنقاتل في الحقول، وفي الشوارع. سنقاتل على التلال. لن نستسلم أبداً". وليس هناك شك في أن كلماته لعبت دوراً حاسماً في منع استسلام البريطانيين للنازيين. ومن جزيرتهم الصغيرة انطلقت قوات الحلفاء في 1945 عابرة بحر المانش نحو النورماندي في فرنسا، مُعلنة نهاية الرايخ الثالث وأحلام هتلر في السيطرة على أوروبا. فاز تشرشل ليل الأحد بلقب "البريطاني الأعظم" بعدما حصل على 447 ألف صوت، مُتقدماً على أقرب منافسيه التسعة، إيزمارد كينغدوم برونيل مهندس التقدم التكنولوجي في حقبة الملكة فيكتوريا، ب 65 الف صوت. وحلت في المنصب الثالث ديانا، أميرة ويلز الراحلة. واحتل المراكز الأخرى عدد من الشخصيات البارزة التي لعبت أدواراً مهمة في تاريخ بريطانيا مثل تشارلز داروين صاحب نظرية النشوء تطور الاجناس الحية، والكاتب وليام شكسبير، وعالم الفلك والفيزياء اسحق نيوتن، والملكة اليزابيث الاولى، والمغني جون لينون، والعسكري البارع الأميرال هوراشيو نيلسون، والثوري أوليفر كرومويل. وتولّى الدفاع عن حق كل واحد من هؤلاء في نيل لقب "الأعظم" عدد من رجال السياسة والفن والأدب. وقامت وزيرة شؤون إيرلندا سابقاً مو مولام بدور كبير في إقناع البريطانيين بالتصويت لمصلحة مرشحها تشرشل، عارضة أمام الجمهور حقيقة ان الحرية التي يتمتعون بها حالياً هي نتاج وقفته الشجاعة في وجه النازيين. وإذا كان ما من شك في "الدور البطولي" لتشرشل في وجه النازيين، فإن مواقفه الأخرى لم تكن "مشرّفة" بالكامل. إذ يُعرف عنه انه كان مُدخّناً شرهاً للسيجار وسكّيراً. كما تؤخذ عليه "عنصريته"، إذ وجّه أوصافاً نابية في حق غاندي لأنه تجرّأ على الوقوف في وجه سيطرة بريطانيا على بلاده. كما تأخذ الحركات النسوية عليه انه كان يعارض حقوق النساء في التصويت. كذلك يؤخذ عليه تقلّبه السياسي، إذ بدأ نشاطه من خلال حزب المحافظين، ثم انشق الى حزب الأحرار، وعاد مجدداً الى المحافظين. وعلى رغم الجهود التي قام بها مؤيدو داروين ونيوتون لإقناع البريطانيين بالتصويت لمصلحتهم، إلا ان جهودهم كانت بلا نتيجة، إذ لم يصل أيّ من هذين العالمين الكبيرين الى المراتب الثلاث الأولى، حتى أن الأميرة ديانا التي يُعرف عنها انها لم تكن "فالحة" في دراستها، جاءت قبلهما. وعزا مؤيدو العالمين خسارتهما الى كون الأطباء والمهندسين والعلماء "لا يُضيّعون وقتهم" بالمشاركة في مثل هذه الاستفتاءات. وأعاد آخرون تقدّم الأميرة الى بساطتها وقربها من المواطن العادي وجهودها لمنع انتشار الألغام ومكافحة مرض الأيدز. ولم يحالف الحظ الكاتب الكبير شكسبير على رغم ان قصائده ومسرحياته تُرجّمت الى معظم لغات العالم وساهمت في جعل الإنكليزية لغة عالمية، كما يقول مؤيدوه. وفشل الأميرال نيسلون أيضاً على رغم ان مؤيديه صوّروه الشخصية الأساسية التي حافظت على الجزيرة في وجه الإسبان والفرنسيين. ويأخذ عليه معارضوه انه لم يكن وفياً لزوجته، إذ أحب عشيقة أكثر من حبه لزوجته. ولم يكن حظ أوليفر كرومويل أفضل على رغم انه الشخصية الأساسية التي كانت وراء تحويل العرش الإنكليزي الى ملكية غير مطلقة يحكمها البرلمان والمؤسسات. ويؤخذ عليه فظاعاته في حق الاسكتلنديين والايرلنديين والكاثوليك عموماً. وفشل أيضاً جون لينون على رغم اغنيته الشهيرة إيماجين التي عارض فيها حرب فيتنام، وكذلك الملكة اليزابيث التي قتلت ابنة عمّها ماري الملكة الكاثوليكية لاسكتلندا.