شهد الكثير من البلدان العربية في السنة الماضية ظاهرة جاوب فيها عدد من القوى والهيئآت على اسئلة ما بعد 11 أيلول سبتمبر، ألا وهي ظاهرة مقاطعة عدد من السلع والبضائع الغربية التي ادعى اصحاب الحملات ان لها علاقة بأسرائيل. والشباب كان هدف هذه الحملة كما كان عدد منهم ناشطاً في الدعوة اليها. وحددت لوائح بالسلع شملت احياناً مئات منها، وتحولت الأنترنت الأمبريالية الى وسيلة يستخدمها محاربو العولمة في الدعوة الى المقاطعة. وانهالت الرسائل الالكترونية واختلطت فيها النوايا التجارية بالتحريض السياسي. السلع المتنافسة اقحمت منافساتها في جداول الشركات المتعاملة مع اسرائيل، ووقف الكثير من الشباب حائرين أمام انعدام سلع بديلة تقيهم شر السلع الأمبريالية. وفي هذا الوقت اطلت سلع وطنية موازية للسلع ذات السمعة السيئة: "مكة كولا" و"زمزم كولا"، وكانت سارة الأيرانية قد سبقتهم لمنافسة باربي. ويبدو ان الشباب هم المستهلك الأول للسلع كما للدعوات، فهم من تتوجه اليهم الأنظار عندما يخطط لإنتاج سلعة جديدة وهم ايضاً من يحثهم الكبار الى عدم الإنزلاق وراء السلعة. والمقاطعة اسلوب ليس جديداً في مجال مواجهة الأزمات اذ سبق ان استعمله العرب في نزاعهم مع اسرائيل وانشأوا مكتب المقاطعة التابع لجامعة الدول العربية، ولكن لائحة الشركات المُقاطعة راحت تضمر، فعادت شركة فورد لتسوق بضائعها في الدول العربية وايضاً الكوكا كولا والأرجح ان ذلك لم يحصل من باب ارتخاء الأعصاب وانما املته حقائق العالم الجديد الذي تحول الى دورة اقتصادية متكاملة، تبدو المقاطعة حيالها ضرباً من النكوص عن دورة الكون. ثم ان السلع والشركات الغربية لم تعد شركات وطنية، فصارت المصانع في دول العالم الثالث واليد العاملة معظمها من هذه الدول، ناهيك عن ان السلع في سعيها الى التوطن اختارت مواد اولية منتجة في اوطانها الجديدة. لم يواجه الداعون الى المقاطعة انفسهم بحقائق من هذا النوع، لا بل ان الوضع تتطور لتدخل على الخط ايادٍ اخرى، ففجرت محال في لبنان يعمل فيها لبنانيون، وحطمت واجهات محلات في دول اخرى. وفي هذا الوقت كانت الاقتصادات الساعية الى الخروج من ركودها تسعى الى مزيد من الالتحاق بالاقتصاد العالمي على رغم استمرار الدول في الإطناب في المواجهة. فهذه ايران المقاطعة اصلاً تضاعف صادراتها من السلع الغربية والأميركية، وتسعى دول اخرى الى الفوز باختيارها مركزاً اقليمياً لتصنيع سلع مختلفة. وفي هذا الملف تحقيقات من لبنان ومصر وسورية واليمن وتونس وايران عن ظاهرة مقاطعة السلع الغربية ومحاولات انتاج بدائل لها.