معلوماتي ان الحكومة السعودية رشّحت الأمير تركي الفيصل سفيراً لها في لندن، وان الحكومة البريطانية وافقت على الترشيح. ولكن عندما سألت الأمير تركي عن الموضوع لم يؤكد انه رشح، ناهيك عن ان يعترف بقبول الترشيح. ربما يعود حذر الأمير تركي وتحفظه الى عمله حوالى ربع قرن رئىساً للاستخبارات السعودية، غير ان العمل الديبلوماسي في بلاط سانت جيمس غير العمل السري في الاستخبارات، وسيجد الأمير تركي انه مطالب بالكلام لا الصمت عندما يصل الى لندن. الناس العاديون، خصوصاً اذا كانوا صحافيين، ينكرون أي معرفة بالاستخبارات وأهلها، فهي تهمة، غير انني أعرف السفير المقبل قبل الاستخبارات، ومن جامعة جورجتاون الى جامعة كامبردج، ثم جدةوالرياض، لذلك لا مشكلة لي معه من الجامعة الى الاستخبارات وحتى الديبلوماسية. واعترف بأن حظي طيب مع السفراء السعوديين في لندن، فمنذ انتقلت للإقامة هنا في السبعينات، وكل السفراء هؤلاء من الاصدقاء الشخصيين. وكان أولهم السيد فيصل الحجيلان، الذي انتقل الى واشنطن، وتبعته مع أسرتي الى العاصمة الأميركية بعد حوالى سنة. وربما كان وقرينته السيدة نهى أنجح ثنائي ديبلوماسي في العاصمة الأميركية، على رغم صعوبة الظروف فقد تزامن وجوده في واشنطن مع الاجتياح الاسرائىلي للبنان سنة 1982، واعتصمت زوجات بعض السفراء العرب أمام البيت الأبيض في حديقة لافاييت التي يسميها الأميركيون لافيت. وعكست حفلة وداع السفير الحجيلان في واشنطن شعبيته، فقد حضرها في مقر منظمة الوحدة الأميركية حوالى ألف مدعو. وكانت السيدة نهى مريضة فجلست على كرسي لاستقبال المدعوين، الا انها تعافت بسرعة بعد ذلك. عدت الى لندن، وعاد السيد فيصل الحجيلان الى الرياض وزيراً للصحة، وأصبح من تقاليد زيارتي العاصمة السعودية ان يستضيفني في بيته على غداء نراجع فيه أخبار لندنوواشنطن والعالم. وخلف السيد الحجيلان في لندن صديق آخر هو السيد ناصر المنقور، وكانت بداية عمله صعبة، فهو قبل ان يصل من مدريد انفجرت مشكلة الفيلم "موت أميرة" وتأخر وصوله، الا ان المشكلة سويت، وعمل بجهد في خدمة بلده، وأرجو ان نكون جميعاً ساعدناه في مهمته. أخونا ناصر وحدوي عروبي قديم، ومن أيام دراسته في القاهرة وحتى اليوم، والديبلوماسية فرضت عليه قيوداً الا انها لم تستطع ان تخفي مواقفه الوطنية الثابتة. واستمر الحظ الحسن بعد تقاعد السيد ناصر المنقور، فقد خلفه الدكتور غازي القصيبي، وهو صديق عزيز كنت أتبادل معه حديث الشعر والأدب وربما السياسة من الوزارة في الرياض الى السفارة في المنامة، قبل وصوله الى لندن. كانت هناك مساجلات شعرية خفيفة، الغلبة فيها دائماً للسفير الخطير فهو شاعر قبل أي شيء آخر. وهاتفته في الرياض بعد ان عيّن وزيراً للمياه، وسألته ان كان زمن المبادلات الشعرية مضى، فنفى ذلك، فأهديه أبياتاً خنفشارية ككل شعري هي: غازي يا بو المغازي من دونك مالْنا عازي ضهْرنا انكشفْ في لندن وكنَّا بيحمينا بازي النتيجة واحدة مع بازي أو ضرغام، ولكن أبقى مع الأبيات، فهي لا تتجاوز أربعة، الا ان القافية صعبة، وهي انتقام متأخر، فلم أنسَ عندما أرسل اليّ الدكتور القصيبي أبياتاً بقافية الخاء. وأكتب وقد احتفظت بمقالات نشرتها الصحف الانكليزية عن الدكتور القصيبي بعد صدور قرار نقله، وبعضها يربط القرار بنشر قصيدة له في جريدتنا هذه عن آيات الأخرس التي نفّذت عملية انتحارية استشهادية في فلسطين. ما أعرف هو ان الدكتور القصيبي لا بد من ان يحن يوماً الى مساجلاته مع الصحافيين البريطانيين، خصوصاً بعض أنصار اسرائيل مثل مارك ستين في "التلغراف". وكنت بعد نقل الدكتور غازي القصيبي توقعت ان يأتي هذه المرة سفير لا أعرفه، لأنني لم أتصور ان يخدمني الحظ مرة رابعة. الا انني سمعت في البداية اسم الأمير محمد بن نواف، السفير السعودي في روما. وهو ايضاً صديق قديم، صداقة لا عمراً، فقد عرفته منذ أيام الجامعة في واشنطن. بل انني كنت معه عندما سجل للماجستير في جامعة هارفارد، وحضرت تخرّجه بعد ذلك، واذكر انه كان بين الضيوف السيد سليمان العليان، رحمه الله. وبقيت والأمير محمد على اتصال وثيق منذ تلك الأيام، وزرته غير مرة في روما، وكنت معه في معية الأمير سلطان بن عبدالعزيز عندما اجتمع والبابا في مقره الصيفي في كاستلغاندولفو قرب روما. ووجدت انني فهمت الترشيح خطأ، وعلمت بعد ذلك ان وزارة الخارجية السعودية رشحت الأمير تركي الفيصل، وآخر المعلومات ان الحكومة البريطانية وافقت على ترشيحه، وانه سيأتي الينا بعد العيد. غير انني أعرف انني لو سألته عن كل هذا لابتسم ثم سكت.