مع فوز عمرام متسناع برئاسة حزب العمل في اسرائيل أصبح هناك رئيس وزراء محتمل يستطيع الفلسطينيون والعرب عقد سلام نهائي ودائم معه. وعملية القدس أمس أثبتت مرة أخرى فشل سياسة مجرم الحرب آرييل شارون. وحاجة الاسرائىليين الى بديل. سأتجنب هنا تكرار ما هو معروف عنه ومنشور بالنسبة الى موقفه من المستوطنات والمفاوضات ومستقبل القدس، ولكن أسجل انه الى ان يثبت العكس فهو قطعاً ليس صديقاً أو شريكاً، ثم أزيد رواية احتفظت بها عندما قدم متسناع ترشيحه المفاجئ لرئاسة العمل قبيل منتصف آب اغسطس الماضي. كان أول احتكاك لمتسناع بالسياسة في 22 أيلول سبتمبر 1982 بعد قليل من مجزرة صبرا وشاتيلا، عندما كان برتبة بريغادير جنرال، فهو خرج من اجتماع للضباط في رامات غان، وأخذ يستمع الى الراديو الذي كان يذيع جلسة في الكنيست. وسمع متسناع آرييل شارون الذي كان في حينه وزيراً للدفاع يقول: "أريد ان أسألك يا مستر شمعون بيريز، عندما كنت وزيراً للدفاع، وكان هناك حادث آخر في لبنان، في تل الزعتر. لن أدخل في تفاصيل، ولكن كيف لم يعذبك ضميرك في حينه؟ ألوف الناس راحوا في مجزرة. أين كان ضباط الجيش الاسرائىلي يوم مجزرة تل الزعتر؟ كان وقوعها معروفاً. أين كانوا هم؟". عضو الكنيست جاك عمير هتف من مقاعد المعراخ الذي سبق العمل ان شارون يشوّه سمعة الجيش الاسرائىلي، وتعالى الصراخ بين الرجلين. متسناع غضب من موقف شارون وكتب رسالة الى رئيس الأركان في حينه رفائىل ايتان قال فيها: "ليست لي ثقة بوزير الدفاع، لذلك أقدّم استقالتي من الجيش". ايتان رفض استقالة متسناع، وأصرّ عليه على سحب انتقاد وزير الدفاع، وهو فعل وترك الجيش سنة 1993 بعد ان أصبح برتبة ميجور جنرال، ليفوز برئاسة بلدية حيفا. والقصة السابقة يجب ان تفهم كما هي، فمتسناع لم يعترض على دخول لبنان، وإنما اعترض على إهانة الجيش الاسرائىلي، خصوصاً ان شارون كان يكذّب بوقاحة، فخلال مجزرة تل الزعتر لم يكن هناك جيش اسرائىلي في لبنان، ولكن خلال مجزرة صبرا وشاتيلا كان الجيش الاسرائىلي قد دخل بيروت، وسهل وقوع المجزرة. وربما زدت على القصة السابقة نقطة اضافية هي ان بنيامين بن اليعيزر كان أرسل سراً الى لبنان، وعمل مع القوات اليمينية، وسكت عن مجزرة تل الزعتر. والتقت طرق متسناع وبن اليعيزر بعد ذلك وافترقت حتى كان التنافس على رئاسة حزب العمل الثلثاء وانتزع الأول رئاسة الحزب من الثاني في الاقتراع الأول. وحصل متسناع على 9،53 في المئة من أصوات ناخبي الحزب، وهو رقم قريب جداً من أول استفتاء أجري بين هؤلاء الناخبين بعد تقدم متسناع بالترشيح في آب أغسطس الماضي، فقد احتفظت بأرقام تظهر انه حصل على 52 في المئة في مقابل 36 في المئة لبن اليعيزر. وما دمنا في الأرقام فكل استفتاء سبق آب، وتلاه حتى اليوم، يظهر تقدّم ليكود بين الناخبين، وآخر استفتاء بيدي حمل أرقاماً مزعجة ف66 في المئة من الاسرائيليين يعتقدون انه كان بالإمكان الوصول الى اتفاق في كامب ديفيد أو طابا، و67 في المئة منهم يعتقدون ان اتفاقات أوسلو أضرّت باسرائيل، و54 في المئة أصبحوا أقل استعداداً الآن لتقديم تنازلات من أجل السلام مع الفلسطينين. وأهم من كل ما سبق ثبات الاستفتاءات عند أرقام عن الانتخابات المقبلة، فهي لو أجريت اليوم لزاد ليكود مقاعده في الكنيست من 19 مقعداً الى 34 أو 35 مقعداً، ولهبط تمثيل العمل من 26 مقعداً الآن الى 19. لا أعتقد ان متسناع سيقلب هذه الارقام خلال شهرين أو أكثر، ولكن هو يقرب بين الأرقام، فإذا عاد العمل وحلفاؤه بحوالى 55 مقعداً فإنه يستطيع ممارسة معارضة فعّالة تقوده الى الفوز بالانتخابات التالية. طبعاً متسناع يريد ان يفوز بالانتخابات في 28 كانون الثاني يناير المقبل، وهو ربما قال انه عندما فاز برئاسة بلدية حيفا سنة 1993 لم يتوقع له أحد داخل حزبه أو خارجه ان يستطيع إسقاط أرييه غورال الذي كان مضى عليه في رئاسة البلدية 15 سنة أمسك خلالها بكل خيوط السلطة في المدينة. مع ذلك الانتخابات العامة ليست كانتخابات محلية، وأنصار العمل هم بين الاسرائىليين الأكبر سناً، كما ان هؤلاء من الاشكناز الذين يعتبر متسناع نفسه من نخبتهم، وهي نخبة تثير استياء قطاعات كبيرة من اليهود الشرقيين والمهاجرين الجدد الذين يعتبرون ان اليهود الأوروبيين يديرون مؤسسة الحكم، ويسيطرون على الاقتصاد، ويستأثرون بحصة الأسد في كل مجال، على رغم ان اعدادهم أصبحت أقل. مع ذلك متسناع يصر على انه قادر على انتزاع الفوز، والصحف الاسرائىلية رحّبت به كوجه جديد، الا اننا ننتظر لنرى ان كان شهر العسل هذا سيطول حتى اجراء الانتخابات، وان كان سيؤثر في نتيجتها.