مجموعة فقيه للرعاية الصحية توقع اتفاقية لإنشاء مركز طبي جديد في جدة    محافظ الأحساء يرعى توقيع 4 اتفاقيات للبيئة لدعم مبادرة السعودية الخضراء    الأجهزة صُممت وجُمعت في إسرائيل.. أسرار اختراق «بيجر» حزب الله تتكشف    أرقام جيسوس الاستثنائية من دون توقف في الهلال    وسائل إعلام عالمية تشير لنجاح معرض الرياض الدولي للكتاب 2024    اختتام المعرض التفاعلي الأول للتصلب المتعدد    نائب أمير الشرقية يلتقي بالأعضاء المعينين والمجدد لهم الثقة الملكية في مجلس الشورى    من أعلام جازان.. التربوية القديرة العنود محمد علي شعراوي    اعتدال و تليجرام يزيلان أكثر من 129 مليون محتوى خلال الربع الثالث من 2024    "هيئة العقار" تعلن قرب انتهاء التسجيل العيني في حي قرطبة بمدينة بريدة    الحقيل يفتتح أعمال الدورة ال 12 لمؤتمر العمل البلدي الخليجي بالرياض    القيادة تهنئ رئيس جمهورية مصر العربية بذكرى يوم العبور لبلاده    إعلان ولاية فلوريدا الأمريكية حالة الطوارئ تحسبًا للعاصفة "ميلتون"    غارة جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت    بدء تطبيق المقابلات المالية للخدمات الجمركية    د. ال هيازع : خادم الحرمين قائد فريد في حكمته وعطائه ورؤيته الثاقبة    الطقس: الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية على 4 مناطق    جمعية التنمية الأسرية ببريدة تطلق مبادرة ( سنة أولى زواج )        جمعية التنمية الاجتماعية الأهلية في عوالي المدينة المنورة تقيم برنامج "خباز البريوش والباريستا"    السعودية.. دعم سخي لإنقاذ اليمن    خطوات متسارعة لتحقيق مستهدفات رؤية المستقبل    22094 مخالفاً ضبطوا في 7 أيام    القضاء في العهد الزاهر.. استقلال ومؤسسية وعدالة ناجزة    عقوبات مشددة على التمييز ضد ذوي الإعاقة    الجدعان: نواجه تحدي التخفيف من الاعتماد على النفط    ذكرى البيعة    تبوك: عروض جوية بمناسبة اليوم الوطني    جامعة الطائف تقيم معرض «اسأل صيدلي»    احموا أطفالكم.. لا تعطوهم الجوال    5 معادن «تُحصّن» جسمك من عدوى الفايروسات    بحث مع الوزير الفرنسي المستجدات .. وزير الخارجية ونظيره المصري يؤكدان التضامن مع الشعب اللبناني    خط دفاع من الاندثار والفناء.. مهتمون وناشرون: معارض الكتاب تحافظ على ديمومة «الورقي»    محبو العلوم    حضور غفير لمسابقة "مثايل".. إبداعات شعرية على مسرح معرض الرياض    الاختراق    دورة الألعاب السعودية والآمال    مركز الملك سلمان يكثف مساعداته الإغاثية.. المملكة تواصل جهودها الإنسانية الرائدة في العالم    جهود مكثفة    ضمن تصفيات مونديال 2026.. الأخضر يبدأ الاستعداد لمواجهتي اليابان والبحرين    امرأة تعطس لمدة أسبوعين بلا توقف    تحولات نوعية.. نمو مستدام.. البطالة لأدنى مستوى تاريخي    سياسيون مصريون ل«عكاظ»: السعودية قوة سياسية إقليمية وعالمية    «صُنّاع الحداثة والتنوير والتنمية».. إصدار جديد للدكتور عبدالله المدني    سباق الملواح..    جدول ترتيب الدوري السعودي بعد فوز الهلال على الأهلي    ما هي الرجولة؟ وكيف نعرف المرجلة؟    نصر جديد مع بيولي    الشركات العالمية.. تتجاوز المستهدف    حكمة ملك وازدهار وطن    فلاتة يخطف ذهبية المصارعة    حفل لندن.. باهر ولكن !    المملكة تشارك العالم في الاحتفاء بيوم المعلم    ذكرى غالية ومجيدة    المدبر هو الله.. لا تقلق    الألفة مجلبة للتعاون على البر والتقوى    وزير الحج يستقبل وزير السياحة والآثار المصري    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرار مجلس الأمن ليس انتصاراً أميركياً
نشر في الحياة يوم 17 - 11 - 2002

الذي يتابع تصريحات الرئىس الاميركي جورج بوش ونائبه ديك تشيني، ووزير دفاعه رامسفيلد ومستشارته للأمن القومي كوندوليزا رايس يحسب ان القرار 1441 الصادر عن مجلس الامن في 8/11/2002 هو مشروع القرار الذي قدمته اميركا وبريطانيا قبل شهرين فلم يطرأ عليه تغيير كأن شهرين من العراك حول المشروع كانا عبئاً وتسلية. ومن ثم لم يحمل اي تقييد لتلقائية شن الحرب، او ضرورة العودة الى مجلس الامن، فرضتهما فرنسا وروسيا والصين، وأوجبهما حصوله على موافقة اجماعية من الدول غير دائمة العضوية.
فالتصريحات المذكورة جنحت الى الايهام بأن "العالم كله" اصبح الامن كما تريد اميركا. ولم يبق على ادارة بوش سوى اعلان الحرب بعد صدور القرار 1441. وهذا بطبيعة الحال غير صحيح وفيه استغفال للرأي العام العالمي. لأن التعليقات الفرنسية والروسية والصينية والسورية اكدت ان القرار اسقط تلقائية الحرب وأوجب العودة الى المجلس. فيما كانت تلقائية الحرب اساس المشروع الاميركي - البريطاني الاول. وجاء قرار مجلس الجامعة العربية في 11/11/2002 ليثبت النقطتين آنفتي الذكر في قراءته، مع التأكيد على ان شن الحرب على العراق يهدد الأمن القومي العربي.
من هنا لو كان بوش صادقاً مع نفسه ومع ناخبيه، ومحترماً لعقول الدول الاخرى والرأي العام العالمي، لاعترف ان القرار جاء نتاج مساومة شاقة ومريرة دامت شهرين طويلين وقد قدمت اميركا تنازلين اساسيين في مقابل الحصول على نص متشدد في شأن شروط نزع اسلحة الدمار الشامل، حتى امكن الوصول الى قرار جماعي. ومن ثم فإن تلبية تلك الشروط من قبل العراق يفترض بها، من وجهة نظر القرار، استبعاد "العواقب الوخيمة".
صحيح ان الرئىس الاميركي جورج دبليو بوش ما زال مصراً على العدوان والحرب وهو يمتلك المقدرة العسكرية لذلك... لكن هذه مسألة خارج موضوع تقويم القرار، فقد كانت موجودة قبله بزخم اكبر. فإذا حدث وفعلها قبل التئام مجلس الأمن فلن يكون ذلك استناداً الى القرار. ولن يحظى على تأييد الموقعين عليه ومن ثم ستعود اشكالية شن حرب بقرار اميركي منفرد، وبمعارضة دولية الى المربع الاول. وعندئذ ينشأ السؤال: اذا كان بوش سيتصرف منفرداً بلا حاجة الى مجلس الامن، وتحالف دولي واسع، فلماذا عذّب نفسه شهرين كاملين حتى يصدر قرار جماعي من مجلس الأمن؟ ولماذا لم ينفذ تهديداته بانهاء اي دور لهيئة الأمم، او في شن الحرب بعد ان اضطر الى سحب المشروع، والقبول بمساومة عسيرة انبتت قراراً فيه ما لا يرضيه، وان تضمن في اكثره ما يرضيه عدا المطلب الجوهري "تلقائية الحرب"؟ ولهذا ليس باستطاعة بوش استخدام القرار كما يريد، وان كان بمقدوره ان يخرج عليه متى آراء على رغم معارضة المشاركين الآخرين حين يدير لهم ظهره. بيد ان موقفه، والحال هذه، سيكون اضعف من ذي قبل. لأن عدم التقيد بالقرار، او الاستناد اليه من خلال تأويل واهن، يجعلان حجته ادهى من تلك الحجج التي كان يسوقها قبل اللجوء الى هيئة الأمم المتحدة. فهذا القرار لا يتحول الى مصلحته الا اذا اعلن العراق رفضه له. ولم يسمح للمفتشين بالعودة الى العمل بموجبه، او تصرف بعد عودتهم تصرفاً يحرج كل من وافقوا عليه. عندئذ يحق لبوش ان يتكلم على قرار يعتبر نفسه المنتصر فيه. ولكنه ماذا سيفعل اذا قبل العراق، ومضت مهمة لجان التفتيش بعد عراقيل. وكان هنالك من بين المفتشين محايدين من دول عدة، وآخرين، ربما، من دول عربية كما طالب مجلس الجامعة العربية في بيانه آنف الذكر.
ان خوف ادارة بوش من نجاح مهمة المفتشين هو الذي يفسر التشنج والعصبية في التصريحات الاميركية الرسمية التي تلت القرار، ورفع وتيرة قعقعة السلام، والاعلان عن توقيع بوش لخطة الحرب، وتصعيد التهديدات بأن الحرب واقعة لا محالة، خصوصاً التأكيد على ان اي خطأ او اغفال في تقديم المعلومات المطلوبة سيواجه بعواقب وخيمة. ولعل بعضاً مما وراء هذا من دوافع هو اغراء العراق بفرض القرار، أو وضع شروط على قبوله، ما دامت الحرب حاصلة حتماً، أقبل بالقرار وشروطه، وصبر على الاستفزاز من خلال عمل المفتشين، ام لم يفعل. وقد اطلق ديك تشيني نائب الرئىس تصريحاً اشد بلاغة بالنسبة الى رأي صقور الادارة الاميركية في القرار 1441. وذلك عندما قال ان لا فائدة من لجان التفتيش "ما دام صدام حسين دفن اسلحته عميقاً في الارض وقتل كل من يمكن ان يدل عليها". ولهذا لا ينفع غير الحرب واسقاط النظام.
أفلا تدل هذه التصريحات وتحركات القوات على ان الموقف الحقيقي للادارة الاميركية من القرار 1441 ليس كما اعلن من ترحيب بالقرار، او ما قيل انه "انتصار ساحق" لسياسة بوش. فلو كان هنالك انتصار، فعلاً، او لو مرر المشروع الاول وخضع مجلس الأمن لحق لبوش ان يزهو، ولتصرفت ادارته كما تصرفت ادارة ابيه قبيل حرب الخليج الثانية بخطى ثابتة وبلا تشنج وارتباك. وربما عاد ذلك الى سببين: الاول ما حدث من مساومة مع فرنسا وروسيا والصين لم يكن نتاج حل اشكاليات العلاقة بين اميركا وتلك الدول على المستوى الابعد. من موضوع العراق. فالوضع المأزوم استمر على ما كان عليه قبل القرار من جهة الموقف من الحرب، او المخاوف من الاستراتيجية الاميركية الجديدة. فكل خطوة لاحقة قد تدخل الدوامة نفسها لتعيد انتاج الخلافيات التي لم يطوها القرار 1441. اما السبب الثاني فمرده الى خلافيات داخل الادارة راحت تولد سياسة غير متماسكة. فالصقور الذين يشكلون القوة الغالبة فيها لم يعجبهم اللجوء الى مجلس الأمن وما شهده من تنازع، وتوصل اليه من مساومة. فاستراتيجية الأمن القومي الاميركي التي صاغوها تتطلب انفراداً بقرار الحرب، واهمالاً لمجلس الامن، والدول الكبرى الاخرى. والمعادلة عندهم بسيطة "المنازلة في ميدان الحرب" او "الاحتكام لميزان القوى العسكري القائم". ولهذا تراهم يتربصون بالقرار 1441 فإذا لم يوصلهم، بسرعة، الى الحرب فليذهب الى الشيطان. فالهدف ليس الاسلحة، وانما الاحتلال والمجيء بنظام يصنعونه بأيديهم ليكون في خدمة الاستراتيجية الابعد عراقياً واقليمياً وعالمياً.
ولهذا يمكن للقرار 1441، على سيئاته وسوئه وظلمه والغامه واستفزازية عباراته، وانحياز الموكلين بتنفيذه كل من لجنة التفتيش انموفيك والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ان يتحول الى نوع من الورطة اذا وافق عليه العراق وبذل اقصى الجهد لاسقاط الذرائع. وعندئذ لا يبقى لأميركا غير اختلاق الاكاذيب او تقديم حجة مفتعلة وغير مقنعة لشن الحرب. الامر الذي يضعفها بدلاً من ان يقويها.
اذا وافق العراق على القرار واستطاع تجاوز الاستفزازية فإنه كل يوم يمر بعد ذلك سيؤثر في معادلة المواقف الدولية والاقليمية في اتجاه المزيد من العزلة الاميركية والمعارضة للحرب. فادارة بوش حريصة على ابقاء اجواء الحرب وعلى استفزاز العالم كله وليس العرب والمسلمين فقط. وذلك من خلال سياسة القوة والعنجهية والعدوان والاملاء وعدم الاعتراف بدور للآخر غير التبعية الكاملة القبول بخراب البيت. وبكلمة ان ادارة بوش، كما حكومة شارون السابقة والحالية، تقول للعالم اكرهونا بكل الاشكال واللغات والاساليب.
ومن هنا لا يكفي ان يقرأ القرار 1441 من خلال نصه فحسب وانما ايضاً من خلال ما سينشأ، بعده، من معادلة دولية واقليمية ستكون هي الحاسمة في قراءته من جهة مدى مساعدته او عدم مساعدته في العدوان. واذا كان على العالم ان يتحسب للمخاطر الناجمة عن العقلية الحاكمة في الادارة الاميركية الحالية، فإن عليه ان يلحظ في الوقت نفسه نقاط ضعفها وعدم تماسكها وامكانات تراجعها وفشلها. فمن يقول للشعوب والدول اكرهونا وكونوا ضدنا يضرب الحائط برأسه، ومصيره الاخفاق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.