هناك من رفع قضية في لندن ضد شاؤول موفاز، وزير الدفاع الاسرائيلي الجديد ورئيس الأركان السابق، غير أنني أقترح أن يحاول بعض العرب تقديم الحكومة الاسرائيلية المعدلة الى كتاب غينيس للأرقام القياسية، فلا بد انها تضم رقماً قياسياً في عدد مجرمي الحرب بين أعضائها. موفاز دخل الوزارة مع خلفية اتهام منظمة العفو الدولية له بارتكاب جرائم حرب. غير انني لا أحتاج ان أدخل هنا في تفاصيل معروفة عما ارتكب موفاز وآرييل شارون، وما يتمنى بنيامين نتانياهو، وزير الخارجية الجديد أن يرتكب، وانما أجلس منتظراً أن يأكل أعضاء الحكومة أحدهم الآخر، خصوصاً شارون ونتانياهو. شارون بدأ عهد حكومته الجديدة بمقابلة مع "التايمز" اللندنية قال فيها حرفياً "ايران تبذل كل جهد لامتلاك أسلحة دمار شامل، وأيضاً صواريخ بالستية. وهذا خطر على الشرق الأوسط واسرائيل وأوروبا..."، وهو طالب بحرب على ايران بعد العراق، ووصفها بأنها مركز الارهاب العالمي. طبعاً هذا مرض، وكل كلمة قالها شارون عن ايران تنطبق على اسرائيل، فهي تملك أسلحة نووية مؤكدة مع وسائل ايصالها، وهي مركز ارهاب عالمي، وحكومتها تضم مجرمي حرب معروفين، مطلوبين للمحاكمة في عدد من البلدان. شخصياً أدعو في هذا الشهر الفضيل، وأرجو وأبتهل وأتوسل وأتمنى أن تملك ايران أسلحة نووية وصواريخ عابرة للقارات، فهذه ضمانتي ضد ترسانة اسرائيل وارهابها، بل انني أطالب كل دولة عربية بأن تتسلح بما تملك اسرائيل، مع انني أفضل قطعاً شرق أوسط خالياً من الأسلحة النووية، الا انني أرفض ان تمتلكها اسرائيل وحدها في المنطقة. في مقابل هذا السفاح هناك الفاجر نتانياهو الذي كان أول تصريح له في وزارة الخارجية "مشكلتنا العاجلة اليوم لست المشكلة السياسية مع الفلسطينيين، فنحن نحتاج الآن الى اكمال عملية الانتصار على الارهاب... وبعد ذلك نتعامل مع القضية السياسية". لا أتصور ان نتانياهو يتحدث عن الارهاب الاسرائيلي، وهو الارهاب الذي أطلق كل ارهاب آخر. ولكن اعرف ان رفضه المفاوضات السياسية، يتناقض مع قبول شارون بها بالاتفاق مع الأميركيين. والخلاف بينهما بدأ لحظة دخول نتانياهو الوزارة. كان شارون يوماً وزير الخارجية في حكومة يرأسها نتانياهو، وهو اليوم رئيس الوزارة ونتانياهو وزير الخارجية، ويعمل جهده لقلب شارون والحلول محله. ولا بد ان عداء كل منهما للآخر يفوق عداء أي منهما لياسر عرفات. نتانياهو انتهازي يكذب كما يتنفس، فهو وضع نفسه الى يمين شارون، إذا كان هذا ممكناً، وبما انه لم يكن في الحكم فهو طالب بطرد عرفات واحتلال الأراضي الفلسطينية عسكرياً من جديد، كما رفض دولة فلسطينية، وقبل حكماً ذاتياً. غير ان سياسة نتانياهو عندما كان رئيساً للوزراء شملت قبول اتفاقات أوسلو التي يعارضها الآن، بل انه وقع اتفاق الخليل، بعد أن قتل الفلسطينيون عدداً كبيراً من الجنود الاسرائيليين في المواجهة حول النفق الذي شق بمحاذاة الحرم الشريف. ولكن سواء كان رئيس وزراء اسرائيل نتانياهو أو شارون، أو مجرم الحرب الآخر موفاز، فلن يكون سلام مع هؤلاء. وكان نتانياهو اخترع مبدأ "التبادل" أو "التعادل" فلا تنفذ اسرائيل شيئاً حتى ينفذ الفلسطينيون كل المطلوب منهم، وجاء شارون واخترع مبدأ "أسبوع هدوء كامل"، والمقصود واحد هو عدم السير في طريق السلام. في مثل هذا الوضع لا يهمنا أن يفوز نتانياهو برئاسة ليكود هذا الشهر، أو يبقى شارون في الحكم فكلاهما عدو للسلام. غير ان ليكود والأحزاب الدينية المتطرفة ليست كل الاسرائيليين، وفي حين يتوقع جميع المراقبين تقريباً فوز اليمين بالانتخابات المقبلة، فإن قادة اليسار يشعرون بأن اليمين سيخسر قطعاً الانتخابات التالية، بعد أن تفلس سياسته وتقود اسرائيل نحو هاوية أمنية واقتصادية. حزب العمل، من دون المنكود ايهود باراك، لا يزال يمثل أفضل فرصة لاتفاق اسرائيلي - فلسطيني على حل يقوم على أساس دولتين مستقلتين جنباً الى جنب. وقرأت أفكاراً لشمعون بيريز بعد تركه وزارة الخارجية يقترح فيها: أولاً، تعاون فلسطيني ضد الارهاب وعلى أساس "خريطة الطريق" ورؤية الرئيس بوش، ثم اتفاق على السير بالتوازي في الحرب على الارهاب، والتفاوض على تسوية دائمة، وتجميد بناء المستوطنات، وأخيراً فترة زمنية للوصول الى تسوية نهائية. كل هذا معقول، ولكن العمل خارج الحكم، والأرجح أن يبقى خارجه في الانتخابات المقبلة، غير ان الفلسطينيين يستطيعون ان يبقوا جسورهم ممدودة مع العمل، وأن يلتزموا مواقف ممكنة تساعده مع الناخبين في وجه تخويف اليمين الاسرائيلي من أن تدمير اسرائيل هو هدف الفلسطينيين الحقيقي.