يعتقد مسؤولون ومخططون أميركيون أن مفتاح الديموقراطية في العالمين العربي والإسلامي في يدهم، وبالتالي فإننا موعودون بهذه الديموقراطية في المبادرة التي لا ينفك وزير الخارجية كولن باول يستعد لإعلانها مشفوعة بمبلغ من المال لتمويل عدد من الفعاليات تطبيقاً لتلك المبادرة. للمرة الثانية يضطر باول إلى إرجاء إعلان المبادرة، وقيل في تبرير التأجيل إنه يُخشى أنها قد تستقبل ببرود "على أقل تقدير"، أو بلا مبالاة. وفي كل الأحوال، من الواضح أن الظروف المفعمة برفض السياسات الأميركية في المنطقة لا تشجع على المضي في هذه المهمة. التأجيل الجديد رحّل المشروع إلى نهاية السنة الحالية "على الأقل"، وكأنه أريد له أن يتزامن مع قرع طبول الحرب على العراق - حسب الروزنامة الأميركية - مما يطرح التساؤل عما إذا كان هذا التوقيت سيبدو مناسباً أيضاً لإعلانه. والواقع أن كل هذه المسألة، مع افتراض حسن النيات فيها، ومع الاعتراف بأنها تخاطب طموحات كبيرة للشعوب العربية والإسلامية، تظهر خصوصاً كأنها مجرد الهاء للخارجية الأميركية التي جرّدت من أي دور جوهري وأساسي في صنع سياسة الولاياتالمتحدة ازاء العرب والمسلمين. وطالما أن الكلمة لا تزال لجماعة الحرب في الإدارة، فإن جماعة السياسة مدعوون لانتظار دورهم في مراحل لاحقة. إلا إذا كان المقصود ب"مبادرة الديموقراطية" أن تستخدم لتزيين الديكور الحربي. تكمن المشكلة في أن طروحات الدمقرطة هذه ربطت بالحرب على الإرهاب، ولا يمكن أن تلقى صدى وقبولاً وفاعلية إلا مع الإقرار بأن هذه الحرب شارفت على نهايتها. ولكن لا مصلحة أميركية في انهائها لأن جماعة البزنس الحربي لم تكتف بعد، بل لم تشبع، والأرجح أنها لن تعترف يوماً بأن الوقت حان لبزنس السلام. يضاف إلى ذلك أن من يحملون لواء الدمقرطة هم صهاينة الإدارة الأميركية واتباعهم ومحركوهم في المراكز المشتغلة بشحن العقول والمشاعر، والساهرة على احباط أي اتجاه لإقامة علاقات سوية ومستقرة بين الولاياتالمتحدة والدول العربية والإسلامية، وقد جاءتها "أحداث 11 سبتمبر" هدية غير متوقعة لتطمح إلى انتصار تاريخي في معركة تكريس إسرائيل كدولة مركزية في الشرق الأوسط. من هنا أن "مبادرة الديموقراطية"، على نبل عنوانها ودوافعها، هي أبعد ما تكون عن البحث عن خير الشعوب المطلوب دمقرطتها. صحيح أن أي تطوير أو اصلاح يستفيد أيضاً من الفرص السانحة، ولكن الأصح أن مسألة كالديموقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا بجهود الناس المعنيين بها. صحيح أيضاً أن المبادرة الأميركية المزمعة تريد الاعتماد على فاعليات المجتمعات العربية والإسلامية، لكن الأصح أيضاً أن صانعي هذه المبادرة ملوثون بتاريخ طويل من احتقار وتجاهل للفاعليات الديموقراطية الموجودة. وهكذا يتناسى الطباخون الأميركيون أن المطلب الأول للديموقراطيين العرب انهاء الاحتلال الإسرائيلي لأنه لا يعمل على إلغاء الحياة الطبيعية للفلسطينيين فحسب، ولا يعرقل توقهم إلى انشاء ديموقراطية فحسب، وإنما لأن هذا الاحتلال "سبب وذريعة لتشويه برامج التنمية وارباك الأولويات الوطنية وإعاقة التنمية السياسية"، وفقاً للتقرير الأخير للتنمية الإنسانية العربية الذي يستند إليه المنظرون ال11 سبتمبريون في اللوبي اليهودي الأميركي لترويج أمرين: الأول، أن هذا التقرير يعطي في رأيهم شرحاً لأسباب ظاهرة الإرهاب. والثاني، أنه يدعم دفعهم في اتجاه الدمقرطة وكأنهم مبشرون حلّوا في مجتمعات كانت تنتظرهم وتعلق خلاصها على ارشاداتهم. بالطبع، كل ذلك لا يلغي مسؤولية الطرف المعني بالمشاريع الأميركية تجاه الشعوب والمجتمعات التي عبرت دائماً بالطرق والوسائل المتاحة عن تطلعاتها وقدراتها. ولكن إذا عزّت المبادرات الذاتية، فإن المبادرات الخارجية لا بد أن تشق لنفسها طريقاً، مسلحة بأن لديها منطقاً لم يعد ممكناً تجاهله. وقياساً إلى الحرب على الإرهاب التي لم تحقق أهدافها، بل لعلها تحقق عكسها وفقاً لقول الرئيس الإيراني محمد خاتمي "ان سياسة الولاياتالمتحدة أدت إلى تقوية بن لادن"، فإن وصفات الديموقراطية الجاهزة والمصدّرة قد لا تلاقي مصيراً مختلفاً. هناك اشارات كثيرة عربية وإسلامية إلى أن "الرسالة" الأميركية وصلت، وبالتالي فلا داعي ل"مبادرات" والأفضل أن يشتغل صهاينة الإدارة ببزنس آخر غير تسويق كذبة الديموقراطية تحت الاحتلال أو الهيمنة.