بين مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي أطلقت شهرة عادل إمام وبين شريط "أمير الظلام" من أخراج نجله رامي إمام الذي يعرض الآن في عمان، انتقل عادل إمام من دور البطل - الضد إلى دور البطل - المع، وهي مسيرة حافلة، ولكننا نخشى أن نقول انها انتهت نهاية مؤسفة. ففي مدرسة المشاغبين أحب الجميع عادل إمام باعتباره مثّل النص المضاد لما هو سائد - لقد كان الفتى الخارج عن أي مواصفات واقعية هو ورفاقه الطلبة - كان البطل - الضد المتمرد الرافض لمقولات المجتمع، وحتى لنظام الدراسة. وفهم الناس أنه لا يرفض من اجل الرفض وأنما لأنه يحس بأن القوانين والأعراف السائدة فاسدة، عقيمة، وغير مجدية... وبقي يلعب الدور نفسه في أفلام عدة تالية على مدى الخمسة والعشرين عاماً الماضية. البطل من أصول شعبية الذي يتصدى للعصابات والمافيات وألوان الفساد في المجتمع - وكان يلعب أحياناً دور المتسلق العليم بأحوال المجتمع مثل "الافوكاتو" حتى يكشف أساليب بعض المحامين وأساليبهم في الحصول على الجاه والثروة... كما انه اخذ على عاتقة مهمة مهاجمة بعض الجماعات الأصولية وفضحها في أكثر من شريط الأمر الذي أثلج صدر الحكومة والسلطات المعنية. ولكننا نظن أنه في شريط "أمير الظلام" الذي هو الإخراج الأول لولده رامي، وصل إلى نهاية الطريق عندما يقف مدافعاً عن المؤسسة الرسمية مخضعاً الشريط لهذه الغاية وهو الأمر الذي يتناقض جذرياً مع ما ابتدأ به في البدايات... في هذا الشريط يلعب عادل إمام دور رجل ضرير بسبب حادث طائرة وقع له خلال حرب تشرين الأول اكتوبر عندما كان عقيداً في سلاح الطيران... ولكنه لا يستكين لعاهته بل يقوم بأعمال يعجز عنها المبصرون ويحسدونه عليها، وبسبب نزعته المثالية الإنسانية فإنه يجعل من نفسه راعياً وموجهاً لعدد من فاقدي البصر بينهم فتاة واحدة يقيمون في دار مخصصة للعميان - وهؤلاء يسمونه "الجنرال". في بداية الشريط نرى الجنرال ومجموعته من العميان ذاهبين لمشاهدة إحدى مباريات كرة القدم وهم يلطخون وجوههم بالأسود والأحمر كما يفعل كثيرون من دراويش لعبة كرة القدم - وفي مناسبة تالية يأخذهم للسباحة في بركة صغيرة بجوار تمثال رمسيس وهي ليست مخصصة للسباحة أصلاً، وعندما يخلعون ملابسهم يقوم أحد اللصوص بسرقة هذه الملابس ما يضطرهم إلى السير عراة في الشوارع حيث تتفتق بديهة الجنرال زاعماً أنهم في مسيرة الى "سيدي العريان" الأمر الذي يصدقه أحد السابلة الذي ينضم إليهم، وينتهي الأمر بالمسيرة إلى مقر سكنهم وهنا تنشب خناقة حامية بين مدير الدار وبين الجنرال تنتهي بعقوبات جسدية متبادلة من الطرفين ونعترف بأن مشهد مسيرة "سيدي العريان" كان على درجة كبيرة من الطرافة. مهمة العصابة وفي الليل يتسلل الجنرال من دار المكفوفين ليذهب إلى أحد النوادي الليلية حيث تعجب به امرأة جميلة هي شيرين سيف النصر وهنا أيضاً لا ندري كيف تعجب امرأة بهذا الجمال برجل أعمى! غير أن بطولات الجنرال وإنجازاته الاستثنائية لا تقف عند هذا الحد إذ سرعان ما ينخرط في مهمة إفشال مهمة عصابة دولية هدفها اغتيال الرئيس أو ضيف الرئيس - وبمقدرات خارقة استثنائية يفشل الجنرال خطة العصابة الدولية في اللحظة الأخيرة إذ يقتل جميع أعضائها فرداً فرداً مع انهم مدججون بالأسلحة الرشاشة والسكاكين وجميع أدوات القتل. هنا أصابنا الإحساس بأننا أمام رامبو آخر ولكنه مصري هذه المرة وضرير أيضاً. فهو يتفوق على رامبو الأميركي المبصر، كما أنني أحسست بأن بطولات هذا الأعمى الخارقة سبق أن رأيناها في أكثر من شريط أميركي، ولا أخفي أنني أحسست بالأسف للنهاية التي وصل إليها عادل إمام الذي أحبه الملايين ووجدت نفسي اردد وأنا خارج من دار السينما تعبيرات مصرية شعبية تليق بهذا الفيلم قائلاً: "فيلم همبكة وتجليط... لا أكثر".