Fred Halliday Two Hours that Shook the World: September 11, 2001: Causes and Consequences "ساعتان هزتا العالم: الحادي عشر من سبتمبر 2001: الأسباب والنتائج". London: Dar Al Saqi, 2002. هذا كتاب سريع ومغامر. فكأنما كل شيء تعلق بأحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 صار من المفترض أن يكون سريعاً ومفاجئاً كما كانت هي: سرعة الحرب التي تلتها، سرعة سقوط طالبان، وسرعة تفكك القاعدة، والآن سرعة الكتابات التي تنشر عن ذلك جميعه. وكما كل الكتب التي تسارع في الصدور حول حدث لا يزال طازجاً ولا تزال نتائجه تتداعى حتى لحظة الكتابة، يتميز هذا الكتاب بالريادة، كما في الان ذاته يتميز بالعجلة وما قد تنطوي عليه من ارتباك. وهذا انطباع أولي لا مناص عنه يتبادر الى الذهن. فصدور كتاب رصين الصبغة حول تلك الأحداث في غضون أقل من ثلاثة أشهر من وقوعها، هو أمر يبعث على الدهشة لكل من يدرك صعوبة الكتابة الرصينة. ولكن هل "ساعتان هزتا العالم" تمرين أقرب الى الكتابة الصحافية منه الى غريمتها الأكاديمية؟ الجواب، بعد مطالعة الكتاب، تقول ان المغامرة نجحت، وإن يكن بالكاد. والنجاح الشاق لمغامرة الكتاب يعود الى أن أحداث سبتمبر هي حاصل جمع تراكمات من العوامل والظروف التاريخية، كما يذكر هاليدي، تعود جذورها الى عقود طويلة ماضية. وتعداد تلك التراكمات يضم التشوهات السياسية والاجتماعية التي خلفتها حقبة الاستعمار الغربي في بنية العالم الثالث، وكذا افرازات الحرب الباردة، ثم حديثاً انعدام المساواة الذي وسم العولمة الحديثة بما وسع الهوة بين أغنياء العالم وفقرائه. يضاف الى ذلك ما يسميه هاليدي "أزمة آسيا الغربية"، وهي الأزمة التي لا تزال تحكم بخناق الدول العربية وايران وباكستان وأفغانستان، المتمثلة بهشاشة الدولة، وانبعاث الأصوليات، وسيادة التطرف، وفشل التنمية، بالتوازي مع ما فيها من تنام للعداء للولايات المتحدة وسياستها. مجموع ذلك كله خلق الأجواء الطبيعية لبروز تعبيرات التطرف القصوى التي تجسدت أبشعها في تفجيرات نيويورك وواشنطن. وعليه، وبكون الحدث قد جاء نتيجة لسلسلة متطاولة من التغيرات التاريخية والسياسية المتداخلة بين العالم الثالث، والاسلامي خصوصاً، والغرب، والولايات المتحدة تحديداً، فإن كل دراسات ورؤى هاليدي السابقة خلال السنوات القليلة الماضية والتي عالجت الأسباب والخلفيات التي قادت الى هذا الحدث هي ذات علاقة وثيقة بدراسة الحدث ذاته، وهو ما يبرر ما قام به المؤلف من إضافتها الى هذا الكتاب واعتبارها جزءاً شارحاً لجذوره على رغم انها نشرت في أوقات سابقة. وهكذا فالكتاب حقيقة ليس جديداً كله، بل قسمه الأقصر هو الجديد فقط، المقدمة والخاتمة والفصل الأول والفصل الثاني عشر، بمعنى كونها كتبت تعليقاً أو تحليلاً على الحدث وتداعياته مباشرة. هاليدي يعتبر، محقاً الى حد ما، القسم الأكبر من الكتاب قديم/ جديد يفسر أشياء كثيرة لا تستطيع أية مقاربة للحدث الا أن تتوقف عندها باستفاضة، وهذا ما يشفع للكاتب والناشر اصدار هذا الكتاب بمثل هذه السرعة، المثيرة! يموضع هاليدي واقعة سبتمبر، التاريخية والمفصلية، في سياق تاريخي أوسع ويرصد لها أسباباً تاريخية بعيدة وأخرى قريبة. يذكر ان الأسباب التاريخية ومخلفاتها تتحدد في إرث الاستعمار والحرب الباردة، مضافاً اليهما اللامساواة التي جاءت مع العولمة إذ أنتجت جميعاً أسباب كراهية الغرب في الكثير من دول الشرق الأوسط وغيره. في أكثر من مكان في العالم الثالث، والاسلامي تحديداً، ترك الاستعمار البلدان التي استعمرها غارقة في وحل مشكلات عميقة، سياسية كالمسألة الكردية، ووضع الكويت!، لكن أبرزها فلسطين، واجتماعية وثقافية متعلقة بالتراتبية الداخلية والفقر ومعنى الهوية وأزمة الحداثة والتحديث. وكان أن ظلت تلك المشكلات مخزناً يعج بالعتاد لكل التعبيرات الناقمة على الغرب والخارج، سواء أكانت تعبيرات قومية، أم ماركسية، وثم دينية. على المدى الأقرب فإن الأسباب الأكثر التصاقاً بأحداث سبتمبر يراها هاليدي في اطار الأزمة التي تلف دول غرب آسيا، من دون أن يتورط في مقولة "قوس الأزمات الاسلامي"، من باكستان حتى المغرب، التي يتبناها كثيرون ويعتمدونها كأساس لخرافة "الخطر الاسلامي" البديل عن "الخطر الشيوعي". لكن ما لا نفهمه من هاليدي هو المميز الذي يميز "أزمة غرب آسيا" عن غير مناطق العالم عندما يعدد لنا ملامح تلك الأزمة، ضعف الدولة، هشاشة الانتماء، التطرف، ونرى قريباً لتلك الملامح في الكثير من دول العالم، وسط افريقيا، بعض آسيا الوسطى، أو أطراف من اميركا اللاتينية والكاريبي. كيف تشتغل هذه الأزمات هنا لتولد ما تولده، ولا تشتغل الأزمات نفسها هناك؟ لكن يبقى المهم أن جذر الأزمة التي يرصدها هاليدي في العالم الاسلامي سياسي واقتصادي واجتماعي بالدرجة الأولى، وليس ثقافياً حضارياً، لهذا فهي أزمة مقدور عليها وقابلة للحلول السياسية، وليست مستعصية استعصاء التسويات الثقافية والدينية. وهنا يختلف، كلياً، مع المنزع الثقافي الهانتغتوني الذي يرى العلاقات والصراعات الدولية منتظمة في الحاضر القريب والمستقبل المنظور على أسس حضارية. وهو لا يعتبر حدث سبتمبر تعبيراً عن صدام حضاري، فهو يرى صدام الحضارات "خرافة"، وذلك لأسباب كثيرة يتوسع فيها في الفصل الذي خصصه لمناقشة هذه الاطروحة. فهو من ناحية يرى الصراعات الأكثر دموية وقد قامت داخل كل حضارة معينة، في أوروبا، الحربين العالميتين، وآسيا، الحرب اليابانية الصينية، والعالم الاسلامي، الحرب العراقية الايرانية. ومن ناحية ثانية يرى أن ثمة صراعاً أو صداماً حضارياً داخل كل حضارة وثقافة. هذا الصدام بين الحديث والقديم، بين الحداثة والتقليد، بين العلمانية والأصولية. وبالتالي فإن سبتمبر، كما يراه هاليدي، يعكس الصراع الحضاري داخل المجتمعات العربية والاسلامية بين العلمانيين والاسلاميين. وهو يرى انه ما لم يحسم هذا الصراع داخلياً في المقام الأول فإنه علينا أن ننتظر كثيراً من الانفجارات الناتجة عنه. هاليدي يعتبر حدث سبتمبر حدثاً عولمياً، globalized، بطبيعته، ونتائجه، والأطراف المنخرطة فيه، وتنوع جنسيات الضحايا التي سقطت. لكن مرة أخرى نبقى معلقين بعض الشيء، ولا نفهم ماذا يعني بالضبط أن يكون الحدث "عولمياً"؟ ولماذا لا نعتبر الكثير من الأحداث التي يسقط فيها آلاف الضحايا وقائع معولمة أيضاً. خذ الشيشان مثلاً، أو البوسنة، أو قضية فلسطين الأطول في القرن العشرين والتي تدخلت فيها كل القوى الكبرى هاليدي نفسه يعدد أحداثاً تاريخية مثل اغتيال ملك النمسا وزوجته في سراييفو عام 1914، أو بيرل هاربر عام 1941، أو أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، كأحداث عولمية". فهل المعيار هو انخراط دولة كبرى، أو تعرضها، لخطر أو حادثة ما، من دون اعتبار لحجم الكارثة، أو لعدد الضحايا، أو مدى تأثير ذلك الحدث على خريطة التحالفات السياسية في العالم؟ يرفض هاليدي مقولة "الاسلاموفوبيا" ويرى أن ليس ثمة عداء للاسلام كدين في الغرب، بل هناك موجات من العداء تصعد وتهبط تجاه المسلمين، موجات ذات جذر سياسي واجتماعي وليست ثقافية دينية. وأكثر العداء مرتبط بالمهاجرين والظروف الاقتصادية، ومثله في العالم الاسلامي حيث العداء للغرب والولايات المتحدة ليس "فطرياً" بل هو ناجم عن سياسات فظة، وإلا كيف يمكن أن نفهم هذه الازدواجية في الرغبة في التمثل بالغرب وتقليده والنقمة عليه في آن معاً؟ وفي سياق ردود الفعل ومسؤولية "ضبط الأعصاب" فإن هاليدي يركز كثيراً على دور المثقفين في التمسك بالمنطق reason في تحليل حدث 11 سبتمبر والرد الفكري والعملي عليه. وهو يرى ان هناك "مرتزقة" من المثقفين على الجانبين، الغربي والاسلامي، ركبت الموجة العاطفية وتخلت عن المنطق وبدل أن تتحصن بالتحليل المسؤول انخرطت في السجال الثقافي الاستعدائي الساذج. وهو هنا يرى مسؤولية خاصة لأربعة أصناف من المثقفين هم الاعلاميين، والمؤرخين، والأدباء، ورجال الدين تفاوت أداؤهم من فئة لأخرى ومن بلد لآخر، لكن تظل مسؤوليتهم كبيرة في كل الأحوال.