حذرت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" من عواقب اعتقال أمينها العام أحمد سعدات، وهددت بمراجعة علاقتها بالسلطة الوطنية ومنظمة التحرير، فيما قابلت اسرائيل عملية الاعتقال بالتشكيك، ووصفتها بأنها "كذب" و"اعتقال وهمي آخر". وتكتسب قضية اعتقال سعدات أهمية كبيرة، فهو يمثل الرمز الاول لتنظيم فلسطيني أساسي ومؤسس في منظمة التحرير، باعتبار "الشعبية" ثاني اكبر تنظيم في المنظمة. ومن جهة اخرى، فان اعتقاله يشكل استجابة للضغوط الاسرائيلية، علماً ان رئيس الوزراء آرييل شارون تمسك باعتقاله شرطاً لرفع الحصار عن الرئيس ياسر عرفات والسماح له بمغادرة رام الله. وهي مسألة لا تبدو وشيكة خصوصاً بعد تشكيك شارون في صدق نيات السلطة اعتقال سعدات، واعتباره الاعتقال جزءاً من "مملكة الكذب التي بناها" عرفات، وأيضاً بعد اعلان مسؤول في الحكومة ان اسرائيل تنتظر اعتقال أربعة من اعضاء "الشعبية" يشتبه في أنهم متورطون في مقتل زئيفي قبل رفع الحصار عن الزعيم الفلسطيني. وباعتقال سعدات يضع الرئيس الفلسطيني نفسه امام مأزق كبير، ويقف أمام ثلاثة خيارات: الخيار الاول اطلاق سعدات والبقاء محاصراً في رام الله والتعرض لضغوط شديدة اسرائيلية واميركية خصوصاً بعد قضية سفينة الاسلحة، مضافاً اليها تصاعد التوتر بعد وقوع هجمات فلسطينية اسفرت خلال اليومين الماضيين عن مقتل ثلاثة اسرائيليين. والخيار الثاني مواصلة اعتقال سعدات تمهيداً لمحاكمته في مسعى لتفادي تسليمه الى اسرائيل، وذلك تماشياً مع اتفاقات اوسلو التي تسمح للسلطة بعدم تسليم مطلوب إلى اسرائيل اذا حاكمه قضاؤها. وهذا الخيار ينذر باضعاف مكانة عرفات، وباحتمال وقوع صراع فلسطيني داخلي، كما انه يضيق هامش المناورة السياسية للسلطة، خصوصاً ان اعتقاله سيعتبر مكسباً للدولة العبرية التي تسعى الى تجريد الفلسطينيين من حقهم في مقاومة الاحتلال. اما الخيار الثالث فهو تسليم سعدات الى اسرائيل، الامر الذي سيؤدي الى تصعيد خطير وانفلات امني قد يؤدي الى سقوط السلطة وتدمير بنيتها التحتية، وهو ما يسعى اليه شارون. كما ان تهديد "الشعبية" بالانسحاب من منظمة التحرير في حال عدم اطلاق امينها العام يهدد بانهيار المنظمة. ويجمع المراقبون على ان اعتقال سعدات ينذر بتداعيات شديدة ومخاطر على اكثر من مستوى، فعلى صعيد العلاقة مع اسرائيل من شأنه فتح شهية شارون إلى مزيد من التطرف والمطالب الجديدة وتثبيت مزاعمه ان "مقاومة الاحتلال ارهاب". اما على الصعيد الداخلي، فإن من شأن الاعتقال زعزعة الوحدة الفلسطينية وتعميق الهوة بين القوى السياسية والرأي العام الفلسطيني من جهة والسلطة الوطنية من جهة ثانية، واعتبارها حامي الاحتلال وتحويل الصراع الى صراع فلسطيني - فلسطيني. وكانت هذه المخاطر محور الاجتماع الذي عقدته فصائل المعارضة الفلسطينية في دمشق أمس، وشددت في ختامه على ضرورة مواصلة المقاومة. وفي حين حذرت "الشعبية" السلطة من ان اعتقال سعدات "سيضعها في مواجهة سياسية شاملة" مع القوى الفلسطينية، تعهدت "حماس" و"الجهاد" باستمرار المقاومة بكل اشكالها بما فيها العمليات العسكرية الاستشهادية. ويُعد سعدات من انصار "الجناح المتشدد" في الجبهة، ويعتبر المساعي الاميركية لتحقيق تسوية سلمية "اكذوبة"، لكنه يتمسك بعدم الصدام مع السلطة.