أول الكلام: لشاعر الرومانسية الحزين/ فاروق جويدة: - قد عشتُ أخشى كل ضيف قادم وأخاف مِنْ سفَه الزمان العاتي وأخاف أيام الخريف إذا غدَتْ طيفاً يطاردني على المرآة ما زلت رغم العمر أشعر أنني كالطفل حين تزورني هفواتي عندي يقين أنَّ رحمة خالقي ستكون أكبر من ذنوب حياتي!!
شتاء "جدة"/ عروس البحر الأحمر: هو روح وعطاء الربيع في المناطق الأكثر برودة. انه شتاء يتغالى على سكان "جدة"، وأيامه قصيرة كلحظات السعادة... كموعد أخضر بين حبيبين، ربما حين يلتقيان: يضيع الكلام كما صوّر الشاعر/ أحمد رامي في احدى اغنياته الكلثومية! انه شتاء حنون غير قارس... نسمته عاشقة مدلَّهة، تطوف ولا تجرح الأنوف! وبَرْده... يجعل للدفء أبعاضاً... ولهذه الأبعاض: خصوصية العناق!!
يذكرنا شتاء "جدة" بصيف لندن، عندما تسطع الشمس... ويقال: ان المتجولين في شوارعها: يتنقلون من رصيف الظل الى الرصيف الذي تغمره الشمس، بحثاً عن الدفء، والمشي أحد عومل الدفء! ونحن هنا في "جدة"... عندما يهلُّ هذا الشتاء القصير/ الترانزيستور: نتذكر ان علينا واجب التدثر بثياب أكثر ثقلاً... أو لعلنا نتزين بلبس الجاكيت دون "غلاظة" من الشتاء، لكنه التجمل والإفراج عن الملابس الثقيلة التي تُسهم في التشكيل! ولعله التغيير اجتماعياً في الملابس، طالما عجزنا ان نغير ما بأنفسنا!! والتغيير حتى في "الشراب"... فهنا في الحجاز: قهوة اللوز بالحليب وذرات من الزنجبيل على وجه الكوب، وقيل: ان الزنجبيل مفيد للقلب أو شرايينه، وأكثر القلوب موجوعة حتى وان لم تُفصح عن أنينها، وأخفُّه: حنينها! ونُفتش عن "الكستنا" المشوية، ولها اسم آخر عندنا هو: أبو فروة... بينما نجلس لقضم "الكستنا" أمام التلفاز هذه الأيام: نصرح مستجيرين يا لطيف من مشاهد اكتساح الثلج للمدن حتى تجميد الأنهار... لكنَّ الشتاء الأكثر قسوة هو هذا الذي يعصف بأُسَرٍ أمر السفاح/ شارون بهدم منازلها في فلسطينالمحتلة، فتلقفهم الثلج والبرد القارس والعراء، لا تستطيع الخيام ان تقيهم البرد، مطرودين وهُمْ في وطنهم... وهو الشتاء الذي يقتل المئات من الشعب الأفغاني في تشردهم على حدود بلادهم، وقصف الطائرات الأميركية من فوقهم!!
اننا نحاول ان "نتناسى" الخوف والقلق، وهؤلاء الذين تخصصوا في صناعة الخريف والرعب أو الموت للإنسان غير القادر على مواجهة قوَّتهم العسكرية والمالية! إن أحلام الناس: تستشهد مع أرواحهم فوق ثراهم... فالمستقبل صار يتحكم فيه هؤلاء الأقوياء الذين لا يرحمون الشعوب التي عليها مواجهة الشتاء في واقع فقرهم وقلة حيلتهم!!
و... أقفل جهاز التلفاز كبحاً لارتفاع ضغط الدم كلما تعاظم القهر والباطل من أقوياء العالم... وأُلملم قشور "الكستنا" التي ازدرتها في انفعالي أمام مشاهد الأخبار، وأهرع الى وسادتي/ مستودع اسراري وكأنها تسألني عن: الحلم الأجمل، فتسقط دمعة مع إغماضة عينيّ هروباً الى النوم ودفء الغطاء!!