شكت الحكومة الافغانية الموقتة من افتقادها الى الاموال لاقامة حد ادنى من البنى التحتية محذرة من شلل شبه تام في البلاد في انتظار انعقاد مؤتمر دولي للمانحين في طوكيو في 21 و22 الشهر الجاري. ودار جدل بين الجهات الدولية المانحة والحكومة الافغانية حول كلفة اعادة الاعمار، في حين حذر عضو في مجلس الشيوخ الاميركي من انعكاس نقص الاموال على السلام في افغانستان. كابول، باريس، واشنطن - أ ف ب، رويترز - باتت كابول على شفير الاختناق لان الاموال الموعودة لاعادة البناء لم تصل بعد مما يشكل عقبة امام اي مبادرة للحكومة الموقتة. فمقار وزارات الحكومة الانتقالية ليست سوى مبان مهجورة محطمة الزجاج في الاجمال، فيما الثلج ينبئ بشتاء افغاني قارص. وليس في متناول الوزراء سوى القليل من الاثاث البدائي فضلاً عن ان الموظفين لم يتقاضوا اي راتب منذ ستة اشهر. وحدا ذلك بوزير العدل عبدالرحيم كريمي الى التساؤل بلهجة تنم عن الاستياء: "كيف تريدون ان تعمل وزارة عندما تكون خزانتها فارغة تماماً ولم تدفع رواتب موظفيها منذ اشهر، ناهيك عن ان الطالبان دمروا الاثاث قبل فرارهم؟". وجاء كلام وزير الداخلية يونس قانوني اكثر مرارة، اذ اعتبر انه اذا كانت وزارته غير قادرة على توفير الامن بفاعلية في العاصمة، فهذا يعود في شكل خاص الى ان الاممالمتحدة لم تف بتعهداتها دفع رواتب عناصر الشرطة في كابول. وذكر بأن الاممالمتحدة وعدت اثناء مؤتمر الفصائل الافغانية في بون ب"دفع رواتب الشهر الاول والثاني لقوة شرطتنا بعد اقامة الادارة الانتقالية". وفي الوقت نفسه، رأى حاكم المصرف المركزي الذي عين الاحد الماضي، ان التحدي الذي ينتظره "يتعذر مواجهته"، لأن "طالبان" حولت المصرف المركزي والمصرفين التجاريين الكبيرين الى مراكز للصلاة، اضافة الى ان "طالبان" حرصت قبل انسحابها على "سرقة كل المال المتبقي في خزائن البلاد" وبات النظام المصرفي برمته منكوباً. وهذا الوضع المأسوي، عبرت عنه ايضاً وزيرة الصحة الافغانية سهيلة صديقي التي تحدثت عن وعود قطعتها الدول والمنظمات غير الحكومية. وعلقت هي الأخرى الآمال على مؤتمر طوكيو الذي تنتظر منه مساهمة حاسمة. وندد وزير اعادة الاعمار الافغاني محمد امين فرهانغ ببطء المساعدات الدولية من اجل افغانستان وذلك في برنامج بثته مساء اول من امس اذاعة "فرنسا-ثقافة". وقال الوزير الافغاني الذي سيشارك في مؤتمر المانحين في طوكيو، ان "المساعدات الدولية تتأخر. يجب ان تسرع الاسرة الدولية لأن الشعب الافغاني عانى الكثير وهو ينتظر". واضاف: "ان اعادة الاعمار هي قضية الافغان، ولدينا الكثير من الايدي العاملة من اجل تحقيق ذلك". وقال ان "الخبراء الاجانب والذين يريدون مساعدتنا هم موضع ترحيب ... نريد من الاسرة الدولية ان تساعدنا ولكننا لا نريد ان نكون رهن هذه المساعدة". وسيرأس الوفد الافغاني الى مؤتمر طوكيو رئيس الحكومة الموقتة حميد كارزاي وسيضم خصوصاً وزير الخارجية والتخطيط عبدالله عبدالله ووزير المال هدايات ارسالا، اضافة الى فرهانغ. ويذكر ان العديد من المستشفيات دمر بفعل عمليات القصف، فيما اصبحت اخرى مهجورة او مهملة. وورثت الوزيرة صديقي نظاماً منهاراً للصحة العامة، ما يدق ناقوس الخطر لتدخل عاجل من قبل المجتمع الدولي اذا اراد تفادي كوارث انسانية جديدة. كذلك فان المنظمات غير الحكومية قلقة بدورها لأن تمويل مؤسسات الاممالمتحدة مجمد حتى الآن ويهدد نقص الاموال في مستقبل قريب العديد من البرامج الانسانية بالتوقف، على غرار منظمة "العمل ضد الجوع" التي واصلت نشاطها مع سبعمئة افغاني خلال السنوات الخمس لحكم "طالبان". وفي هذا الصدد قال جاك سيربا نائب رئيس هذه المنظمة ان "تمويل الجهات المانحة لم يصل حتى الآن، ويبدو كل شيء مجمداً في انتظار مؤتمر طوكيو"، مضيفاً ان "عدداً من مشاريعنا مهدد على المدى القصير، ومئات الاطفال يواجهون خطر الموت. وفي منطقة بنجشير شمال شرقي وحدها، يعاني اكثر من خمسة آلاف شخص من سوء التغذية". وأعرب عن اسفه لأن "الفرنسيين لم يعطوا من اجل افغانستان". كلفة الاعمار اعتبرت وزارة التخطيط الافغانية ان اعادة اعمار البلاد وتنفيذ مشروعات التنمية المتأخرة يتطلبان 45 بليون دولار على مدى عشر سنوات، ينبغي تخصيص 50 في المئة منها للقطاع الاجتماعي. وفي المقابل، اعلن المسؤولون الماليون الذين يحضرون لمؤتمر طوكيو ان عملية اعادة الاعمار ستكلف نحو 15 بليون دولار على الاقل على مدى عشر سنوات. وهم يرون ان الجهود المبذولة في هذا المجال قد تكلف بين بليون وبليونين سنوياً، اي 40 الى 80 دولاراً سنوياً لكل فرد في افغانستان التي يقدر عدد سكانها بحوالى 25 مليون نسمة. كذلك قال السناتور جوزيف بيدن ان افغانستان ستحتاج الى ما بين 10 و 15 بليون دولار من المساعدات الدولية خلال فترة تراوح بين خمسة وعشرة اعوام مقبلة، لمساعدتها على التعافي بعد اكثر من عقدين من الحرب. وشدد على ضرورة تقديم مساعدة خارجية مهمة الى افغانستان حتى يضمن فيها السلام والاستقرار. وقال بيدن لشبكة "ان بي سي" التلفزيونية الاميركية ان من المرجح ان تسهم الولاياتالمتحدة بما يراوح بين بليون وثلاثة بلايين دولار من هذا المبلغ. وسيكون ذلك اضافة الى بلايين الدولارات التى انفقها الجيش الاميركي لالحاق الهزيمة بحركة "طالبان" واقتلاع جذور تنظيم "القاعدة" بزعامة اسامة بن لادن. ويقوم بيدن حالياً بمهمة تقصي حقائق في كابول حيث اجتمع مع كارزاي. وقال ان الحكومة الافغانية الجديدة ستكون في حاجة الى ما يراوح بين 30 و40 مليون دولار هذا العام وحده لشراء مكاتب وهواتف ودفع مرتبات موظفي الحكومة. وقال: "هل يمكن تخيل اي حكومة عاملة في اي مكان في العالم لا يمكنها دفع اي مرتبات لأي من الموظفين؟". ورأى بيدن انه اضافة الى المال، فان افغانستان بحاجة لقوة امنية دولية يتعين ان يشارك فيها الجيش الاميركي حتى يتسنى للاطراف المتحاربة السابقة ان تثق في الحكومة الجديدة. وقال بيدن: "هذه الحكومة تحتاج الى عامين على الاقل حتى تكون قادرة على تشكيل جيش افغاني". وأضاف بيدن وهو ديموقراطي من ولاية ديلاوير: "اعتقد ان الشعب الاميركي يتفهم اننا جففنا هذا المستنقع، ليس بالكامل ولكن تقريباً، واذا لم نرم بثقلنا سنضطر الى العودة بعد وقت لتجفيفه من جديد وسيكلفنا ذلك اكثر".