لم يكن الألم الذي بدأت تشكو منه الطفلة سارة ابنة الاحدى عشرة سنة بعد ممارستها حصة الرياضة في المدرسة، لينذر بمأساة تنتظرها. إذ اكتشف الأطباء اصابتها بسرطان العظم في ساقها اليسرى، لكن الساق التي كانت مهددة بالبتر، كما هي العادة في مثل هذه الحال، أنقذت بفضل جهاز تم زرعه خلال عملية جراحية أجريت للطفلة في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، وهي العملية الأولى من نوعها في الشرق الأوسط. قالت والدة سارة ل"الحياة" ان الألم الذي كان يصيب طفلتها في البداية كان خفيفاً، "وكنت أعطيها مسكناً، لكن الوجع استمر. وحين عرضتها على الطبيب شخّص التهاباً بسيطاً في الساق وأعطاها أدوية، لكن الألم لم يتوقف، وبدأت الساق بالانتفاخ قليلاً ولم يكن مرّ على الحال أكثر من أسابيع قليلة، فطلب الطبيب صور أشعة، ونصحني بعرض سارة على أطباء مختصين في العظم في بيروت، فنحن من سكان الجبل". كانت النتيجة ان سارة مصابة بسرطان العظم Ostreo Sarcoma وهي واحدة من بين 20 الى 21 طفلاً في لبنان يصابون بهذا المرض سنوياً، وتقدر حالات اصابة الأطفال بمرض السرطان عموماً ما بين 250 و300 اصابة في السنة، على ان نصف هذه الاصابات هي بسرطان الدم. الطفلة سارة التي نقلت الى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت خضعت الى علاج كيميائي لمدة عشرة أسابيع، تقرر بعدها اخضاعها لعملية جراحية لاستئصال عظم الساق المصابة. وكان مرّ على اصابة سارة بالسرطان ستة أشهر. وللجامعة الأميركية برنامج تعاون مع "مركز سانت جود الطبي" في الولاياتالمتحدة الأميركية، وهو يعنى بمعالجة سرطانات الأطفال، وإذا كان افتتاح الجناح الخاص بهذا البرنامج في مستشفى الجامعة لن يتم قبل نيسان ابريل المقبل، فإن العملية الجراحية للطفلة سارة شكلت باكورة ترجمة هذا البرنامج على ما قاله نائب رئيس الجامعة للشؤون الطبية عميد كلية الطب رئيس المستشفى الدكتور نديم قرطاس في مؤتمر صحافي عقد غداة اجراء عملية سارة، في حضور الطاقم الطبي الذي أشرف عليها، وبين أفراده الدكتور باسكال راو والدكتور باسم رزوق من مركز سانت جود الطبي، اللذان حضرا خصيصاً لنقل الجهاز الذي زرع في ساق "سارة" بديلاً للعظم الذي استؤصل وأشرفا على اجراء العملية، الى جانب طبيب سارة المختص بأمراض السرطان والدم لدى الأطفال الدكتور ابواهيم دبوس والمختص بجراحة العظم الدكتور رشيد حيدر والدكتور فؤاد فريحة رئيس قسم الجراحة في المستشفى ونقيب الأطباء محمد شقير. وقضت العملية ببتر 15 سنتيمتراً من عظم الساق واستبدالها بجهاز Phenix Prosthesis الذي، كما شرح الدكتوران راو وحيدر، يمكن ان يتمدد من دون جراحة وبواسطة حقل مغناطيسي لتبقى ساقا الطفلة متساويتين في الطول، على ان التمدد يتم بمعدل سنتيمتر واحد كل فترة حفاظاً على الأعصاب من التمدد والتقطع. وأشارا الى ان قدرة الجهاز على التمدد تصل الى 20 سنتيمتراً. وأوضح الدكتور راو ان هذا الجهاز معتمد في العالم منذ سبع سنوات، ومنذ سنتين في مركز سانت جود، وللمرة الأولى يعتمد في الشرق الأوسط، وان حالات رفض الجسم له لم تتعدَ اثنين في المئة من أصل 14 عملية أجراها حتى الآن، وان قدرة الجهاز على احتمال الوزن والصدمات عالية، الا ان كلفته تصل الى 25 ألف دولار. وأوضح الدكتور حيدر "ان نسبة الشفاء من هذا المرض بعد العلاج الكيميائي والجراحة هي في حدود سبعين في المئة في الحالات المحصورة بالعظم وغير المنتشرة في أنحاء أخرى من الجسم. وثلاثون في المئة تقريباً من هؤلاء الأطفال هم بين سن الخامسة والحادية عشرة ونمو عظمهم لم يكتمل بعد". تكاليف عملية سارة غطتها وزارة الصحة اللبنانية فيما تحمل مركز سانت جود كلفة الجهاز. وينتظر ان تخضع طفلة أخرى في الثامنة من عمرها لعملية مماثلة بعد ثلاثة أشهر. وإذا كانت عملية سارة اتاحت الفرصة أمام الطبيب راو لنقل خبرته في هذا المجال الى زميله اللبناني حيدر لإجراء مثل هذه العملية في لبنان، والتي يتوقع ان يخضع لها نحو عشرة أطفال مصابين بسرطان العظم سنوياً بدعم من مركز سانت جود، فإن التعتيم الذي حاولت ادارة مستشفى الجامعة فرضه على اسم عائلة سارة حرصاً على خصوصية المريض، لم ينجح ذلك ان ادارة المستشفى استدعت والدي الطفلة الى المؤتمر، وفي حضور كاميرات التلفزة. كل ذلك وسارة لا تعلم حتى الآن بمرضها! وقد لا تحبذ ان تتحول مادة اعلامية للإعلان عن انجاز لا نقلل من أهميته، لكن حبذا لو تم التعاطي معه بطريقة أخرى .... عنوان مستشفى سانت جود على الانترنت: http://www z.St jude.org