إذا كان الراحل عبدالملك نوري اول من أدخل تيار الوعي الى القصة العراقية في اربعينات القرن الفائت وخمسيناته، فإن الكتاب الصادر حديثاً عن "دار الشؤون الثقافية العامة" في بغداد وضم "الأعمال القصصية الكاملة" يكتسب اهميته من خلال الملمح الفني. فصاحب "نشيد الأرض" كان اخرج القصة العراقية من بنيتها التعليمية والاجتماعية ليظل دؤوباً على تحديث اسلوبيتها ولغتها وانفتاحها على الأشكال الغربية في القص الى حين توقفه عن الكتابة منذ 1980 حتى رحيله في 1998. وفي حين يرى الروائي العراقي فؤاد التكرلي ان "نوري في تاريخ القصة العراقية، هو الوعي الحاد بفنية العمل الأدبي، وهو التطلع الملتهب لإبداع جديد وأنه ضمير القصة العراقية المعذب، وهو ضرورة لازمة لهذه القصة "فإن الكتاب الذي جمع فيه الكاتب والصحافي هاتف الثلج خمساً وأربعين قصة يشكل توثيقاً نصياً لريادة عبدالملك نوري وحرصه على "فنية العمل الأدبي". ومع كتابه هذا "المجموعة القصصية الكاملة"، يكون الصحافي هاتف الثلج وضع الكتاب الثالث عن عبدالملك نوري بعد "عبدالملك نوري... رحلة الإبداع" و"عبدالملك نوري... خشب ومخمل ومسرحيات" وهو ضم عدداً من نصوص مسرحية كتبها الراحل. وكان نوري الذي وقعت عليه اخبار حروب بلاده وكوارثها، وقع الصدمة، غاب عن المشهد الثقافي العراقي منذ مجموعته الأخيرة "ذيول الخريف" 1980 حتى رحيله قبل أربعة اعوام. وجاء اعتكافه بعد ان وجد نفسه غير قادر على مواصلة نهجه في تجديد الكتابة وهو يقول "التجديد ليس اختلافاً أو مفارقة. التجديد تطور والكاتب المجدد دائماً في حال استنفار قصوى لعمل شيء ما، عمل جديد، والتجديد أولاً وأخيراً رغبة في تجاوز الذات". ويرى كتّاب عراقيون ان اعتكاف نوري وتوقفه "المعلن" عن الكتابة "لهما ما يسوغهما من الناحية النفسية، فاجتهاده في مرحلة مبكرة من عمره القصصي. بل من عمر القصة العراقية، شكّل صدمة له"! وفي هذا الشأن يكتب ا لقاص وارد بدر السلام لافتاً الى أن "أساليب تيار الوعي ومدارس علم النفس لم تعد من وجهة نظر عبدالملك نوري قادرة على استيعاب متغيرات الواقع، فغريزته القصصية دفعته لأن يرى الواقع من منظار آخر وهو يستشف، نتيجة لقراءاته وأسفاره واطلاعه وثقافته، ان الأساليب الفنية المتداولة لم تعد كافية لاحتواء حجم الواقع ومآسيه الاجتماعية. لذلك وبعد عبوره الى مرحلة السبعينات، آثر الاعتكاف زمناً طويلاً، نسي فيه هذا الرائد المبدع ولم تعد تذكره إلا الكتابات التي تهتم بتاريخ القصة العراقية".