منذ أسبوع لا حديث في "مجالس" القطريين إلا الأفكار والرؤى المثيرة للجدل التي طرحها عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة قطر الدكتور عبدالحميد الأنصاري، حول قضايا أفرزتها أحداث 11 أيلول سبتمبر في أميركا. وهو ضمّن هذه الأفكار في حديث نشرته صحيفة "الراية" بعناوين لافتة: "أؤيد الدعوة الأميركية إلى إعادة النظر في مناهجنا التعليمية" و"مناهج كلية الشريعة متطورة ومنفتحة لذا لم تجد طالباً في قطر خرج مؤيداً لأسامة بن لادن" و"يجب وقف الخطباء الذين يزرعون الكراهية" و"ليس من العدالة وصف ما قامت به أميركا ضد أفغانستان بالإرهاب". وفيما فتحت الصحيفة، التي نشرت المقابلة على صفحتين كاملتين، باب الحوار، فتراوحت ردود الفعل بين مؤيدين ومعارضين، كانت لافتة "العاصفة" التي أثارها عميد كلية الشريعة - وهو كاتب صحافي أيضاً - وانتقلت إلى شبكة الانترنت، إذ اهتم موقع "إسلام اون لاين"www.islamonline بهذه القضية، ونشر مقتطفات من الحوار وفتح باب الردود والجدل، الذي انتقل إلى اذاعة قطر. ولوحظ ان كُتاباً وشخصيات معروفة في الخليج دخلت على الخط، بينهم الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري، عضو الهيئة الاستشارية وزير الإعلام القطري السابق. وهو كتب تحت عنوان "الاستفزاز الذي قد يكون مطلوباً": "طالبنا بإعادة النظر في المناهج التعليمية قبل أحداث 11 أيلول، ونطالب بها الآن". لكنه انتقد بعض ما جاء على لسان الأنصاري في شأن طلب عدم طباعة أو نشر كتاب "احياء علوم الدين" للشيخ الغزالي وكتاب للإمام الذهبي وانتقادات الأنصاري للكاتب محمد حسنين هيكل. كما رفض الكواري دعماً لرؤى الأنصاري "الإساءة إلى النصارى والدعاء عليهم في المساجد"، وتحدث عن "غياب المشاركة الشعبية والفجوة بين الحكومات والرأي العام". ورأى الكاتب عبدالله العمادي، وهو بين شخصيات خليجية وعربية ردت على آراء الأنصاري، ان عميد كلية الشريعة "تمادى في تأييد كل ما هو أميركي"، وأيد "تغيير مناهجنا في العالم العربي، خصوصاً الدينية". وانتقدت الأنصاري شخصيات إسلامية قطرية وخليجية ومصرية، لكن أبرز تأييد جاء على لسان الدكتور محمد الرميحي الذي رأى "اننا نحتاج إلى الدكتور الأنصاري في هذا الوقت العصيب وليس إلى السائرين في الزفة"، ووصفه بأنه "صاحب منهج علمي"، وأيد دعوته إلى التسامح، وقال إن "القراءة المتعسفة للنصوص أو المبتسرة من دون معرفة حقيقية لمقاصدها هي مداد الجهلاء لا العلماء". وهكذا أثار عميد كلية الشريعة جدلاً ساخناً تجاوز قطر إلى الخليج وشبكة الانترنت، وكان أثار جدلاً قبل عشرين سنة عندما دعا إلى "توسيع مشاركة المرأة في الحياة المجتمعية" في محاضرة قدمها في جامعة قطر آنذاك، شدد فيها على ضرورة مشاركة المرأة في الحياة السياسية وسوق العمل، مؤكداً أن "الإسلام أعطى المرأة حقوقها كاملة، لكن هناك تقاليد مجتمعية تحول دون ذلك". وكان حصل على الدكتوراه من الأزهر عام 1980 عن موضوع "الشورى وأثرها في الديموقراطية". وسألت "الحياة" الأنصاري عن فحوى مقاصده من الحديث، فقال: "دعوت إلى مراجعة مجتمعية، تشمل الإعلام والتعليم والخطاب الديني ونوع التثقيف واسلوب التربية، وأرى ان ظاهرة الإرهاب والتطرف وليد خلل مجتمعي". وزاد: "لا أدعو إلى وقف كتاب الغزالي، احياء علوم الدين، أو كتاب الإمام الذهبي كتاب الكبائر، ولو قلت هذا الكلام لديّ القدرة على التراجع، لأن المطالبة بعدم طبع الكتب ونشرها تتناقض مع موقفي الداعي إلى الحرية". وأوضح أنه انتقد كتاب الغزالي "لموقفه غير السليم من المرأة والذي لا يعبر عن موقف الإسلام". وشدد على أنه "كاتب مهموم بقضايا مجتمعة" لم يكن يتمنى أن يجد نفسه محور الجدل الساخن، لكنه قال: "أنا سعيد بما يدور واعتبره تفاعلاً صحياً". وركز على ثلاث نقاط قائلاً: "النقاش الحالي ما كان ليحدث لولا أجواء الحرية التي أرسى دعائمها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني". ورأى أن الصحيفة التي نشرت الحوار تمكنت من جعله يثير "التجاوب الواسع الذي شمل الصغير والكبير والمتعلم وغير المتعلم". أما النقطة الثالثة فهي "تطور المجتمع القطري نحو مزيد من النضج السياسي والاجتماعي، إذ استطاع أن يستوعب هذا الطرح". وأضاف: "معظم الاتصالات التي تلقيتها كان ايجابياً وقلة استنكرت وهاجمتني، ودعاني أحد الناس إلى أن اتقي الله، فقلت له يسعدني سماع هذه الدعوة". وخلص عميد كلية الشريعة إلى أن ما طرحه يتمحور حول كيفية إعادة ترتيب البيت من الداخل. وأشار إلى أن ذلك يكون "من خلال إعادة النظر في المنظومة المجتمعية برمتها في المنطقة تعليماً وإعلاماً وتثقيفاً وخطاباً دينياً في المساجد".