الأزمة التي نشأت بين صحيفة "الشرق الأوسط" والمديرية العامة للأمن العام في لبنان بسبب نشر خبر عن تعرض رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود لمحاولة اغتيال خلال إجازته في أوروبا، شكلت للوهلة الأولى انتهاكاً لحرية الإعلام والصحافة، وإساءة إلى صورة لبنان واستقلال قضائه، لكنها انتهت في شكل خدم القضاء وعزز حرية الصحافة اللبنانية. موقف وزير الإعلام اللبناني غازي العريضي من الأزمة هو المثال الأبرز على رفض لبنان الأساليب الأمنية والمخابراتية في التعامل مع الصحافة والصحافيين والتي سادت خلال الحرب ولاتزال تعبر عن نفسها في بعض الظروف والمناسبات. فهو كرر منذ بداية المشكلة مطالبته برفع الرقابة عن "الشرق الأوسط" فوراً لأن لا مبرر لإبقائها، واستمرارها يشكل مخالفة للقانون، كون الصحيفة تحمل امتيازاً لبنانياً وتخضع لقانون المطبوعات، ودعا الجميع إلى "ممارسة مسؤولياتهم بالكامل على قاعدة احترام القانون". موقف الوزير العريضي شكل سابقة حميدة على مستوى دور وزارات الإعلام في العالم العربي، التي اعتدنا منها تبرير التصرفات الرسمية، وممارسة الدعاية السياسية، والتعتيم على الأحداث. لكن وزير الإعلام اللبناني وقف في خندق الحرية بحزم وجرأة، ولعب دوراً معارضاً لقرار الأمن العام، وانتصر لصورة لبنان الأصيلة، ومارس دوراً أقل ما يوصف به أنه حضاري وشريف وراقٍ يستحق التقدير. الوزير غازي العريضي سن بموقفه الكبير سنّة حسنة، وأعاد رسم صورة وزارات الإعلام العربية التي يفترض أنها وجدت في الأساس للدفاع عن الحرية ورعاية مصالح الناس من خلال حماية حرية التعبير. ولعب دوره بحكمة كبيرة، والتزم أصول الحوار والمصلحة الوطنية اللبنانية العليا، وخدم النظام العام وجنب بلاده أزمة لا تليق بها، من دون مزايدات وشعارات أو استعداء، وساهم بقوة في تغيير مجرى الأزمة لمصلحة الحرية، وحارب الوصاية على الصحف بأسلوب حر. لا شك في أن موقف غازي العريضي سيجعل المثقف العربي يعاود النظر في موقفه من وزارات الإعلام وفكرة إلغائها، التي بدأت تطبق في غير بلد عربي. فوجودها بهذه الروح يستحق البقاء والدعم.