استعرضنا في مقالنا السابق الأساليب الفنية التي تميزت بها الفنون الإسلامية، مما يجعلنا نميز أي قطعة فنية أنتجت في ظل الحضارة الإسلامية في أي بلد من بلدان العالم المختلفة، على أن هذا الترابط أو العلاقة الوحدوية التي تميزت بها الفنون الإسلامية لم تمنع من وجود طرز إسلامية تتميز بها الأقطار الإسلامية المختلفة في عصور تطورها. فيمكننا القول بأن العصر الأموي أو الخلافة الأموية وهي ثاني خلافة بعد الخلفاء الراشدين وأكبر دولة إسلامية وما أنجزته من فتوحات امتدت حدودها من أطراف الصين شرقاً حتى جنوبفرنسا غرباً، وتمكنت من فتح أفريقيا، والمغرب، والأندلس " أسبانيا حاليا" وجنوب الغال "فرنسا وبلجيكا وجزء من ألمانيا قريب من نهر الراين"، والسند " حاليا الهند وباكستان"، وما وراء النهر " هى جزء من آسيا الوسطى حاليا أوزبكستان وكازاخستان" .ان الطراز الفني الأموي بوجه عام قد ساد العالم الإسلامي. نقل الأمويون عاصمتهم إلى دمشق حيث نشطت الحياة الفنية متأثرة بالطراز المحلي الشامي، وانتشر هذا الطراز إلى البلاد الإسلامية في شمال أفريقيا والأندلس واستطاع هذا الطراز الذي تمثل في عناصره الزخرفية القريبة من الطبيعة نوعا ما، والمباني الإسلامية المشيدة بأعمدة بيزنطية يكسو جدرانها الرخام والفسيفساء أو تحلى بصور جداري، هذا الطراز الأموي الذي نما وترعرع وكون شخصية مستقلة قائمة بذاتها قد ترك لنا عددا من القصور والمساجد منها مسجد قرطبة عام 92ه، وقبة الصخرة 66/72ه، والجامع الأموي بدمشق 705 م، وقصر المشتى الذي بني في الأردن عام 744م، وقصير عمرا 705/715م وهو استراحة للصيد لأحد الخلفاء الأمويين بالأردن وغيرها من روائع العمارة الإسلامية التي استخدمت طبقة جصية لتكسو جدرانها ومن ثم رسم فوقها لوحات فنية بالألوان المائية، وفي القصور والاستراحات تكسو الجدران لوحات فنية أغلبها يعبر عن رحلات الصيد للنمور والغزلان والطيور وما شابه. وانتهى عصر الخلفاء الأمويين ليظهر لنا عهد العباسيين وهم ثالث خلافة إسلامية فنقل العباسيون مقر دولتهم إلى العراق لتصبح بذلك السيادة الإسلامية للعراق وفارس وشيدت على يد العباسيين مدينتان هما بغداد وسامراء والطراز العباسي يطلق على الأساليب الفنية التى ازدهرت ما بين القرنين التاسع والعاشر الميلادي ويمتاز بتغطية الجدران بالجص المزخرف بزخارف رائعة ومتعددة في الأشكال بعضها مستوحى من الطبيعة وغيرها يبتعد ابتعادا كليا عنها كما كانت نفس النقوش الزخرفية تستخدم في الحفر على الخشب ولا يفوتنا ان نذكر أن العباسيين هم من أنتجوا الخزف ذا البريق المعدني الذي انتشر فيما بعد بمصر وسائر بلاد العالم الإسلامي لما امتاز به من جمال يكاد يقارب بريق الذهب الخالص. كما ظهر طراز فني إسلامي آخر هو الطراز المغربي حيث انتقلت الزعامة الثقافية الإسلامية إلى مراكش في القرن الحادي عشر الميلادي وفي حقيقة الأمر هذا الطراز قد بدأ ظهوره في الأندلس والمغرب في عهد الدولة الأموية الغربية وفي عصر ملوك الطوائف ومن أروع إبداع هذا العصر هو قصر الحمراء بمدينة غرناطةبأسبانيا والذى يعود بناؤه إلى القرن الرابع عشر الميلادي ويعد تحفة معمارية نادرة بزخارفه المتميزة ورشاقة أعمدته المزخرفة بالمقرنصات، والحروفيات الرائعة، كما ازدهر في الطراز المغربي صناعة التحف الجلدية وأغلفة الكتب التى احتوت على زخارف هندسية وأشكال متعددة الأضلاع متجاورة بعضها ببعض كما ازدهرت به صناعة الخزف الذي احتوى على رسومات هندسية أو أشكال الطيور والحيوانات والمناطق المختلفة وقد يشبه الطراز المغربي الطراز المملوكي. ولعل أكثر الأقاليم العربية التي تشابهت إلى حد كبير بعضها البعض في الطراز الفني الإسلامي هما مصر وسورية ويعود ذلك إلى فتح الفاطميين مصر عام 969ميلادي إذ قبل هذا ساد مصر الطراز العباسي وعندما فتح الفاطميون مصر استولوا على جزء كبير من الشام فنتج عن هذا ظهور الطراز المصري السوري الذى امتاز بكثرة رسومات للإنسان ومختلف الكائنات الحية وبعض الفروع النباتية ونخص منها الورقة لكثرة ظهورها في منتجاتهم حتى أصبحت تسمى "بالورقة الفاطمية" كما يمتاز الطراز الفني الفاطمي بالتحف المصنوعة من البلور الصخري وبخاصة الأباريق على شكل فاكهة الكمثري. وقد نبغ الفاطميون في صناعة المنسوجات والحفر على الخشب وغيرها من التحف كالثريات المعدنية التي ازدهرت في العصر المملوكي وهذا الأخير يعد من أزهى العصور الفنية في مصر وسورية حيث أصبحت مصر متحفا ضخما للمساجد التى شيدت بالمآذن العالية وأعمدة مزينة بالمقرنصات وجدران شاهقة مصنوعة من الرخام والفسيفساء. كما ظهر أيضا الطراز التركي الإسلامي الذي امتاز بأنه خليط من عدة تيارات فنية فقد جمع بين الهندسة البيزنطية في فن العمارة والخزف والتحف الفنية الفارسية وتيار أوروبي منذ القرن السابع عشر الميلادي حيث زاد اتصالهم بالدول الغربية وقد امتاز الطراز التركي بصناعة السجاجيد والتي منها سجاجيد الصلاة المزخرفة بالمحارب التي يتدلى منها قناديل وكتابة المصاحف التي نالت شهرة واسعة كما تمتاز مساجد الطراز التركي بمآذنها الممشوقة والعديدة وتتكون من مربع كبير تعلوه قبة عظيمة تحيط بها أنصاف قباب صغيرة مثل مسجد السلطان أحمد باسطنبول وغيرها. كما تأثرت الهند بالطرز الفنية الإسلامية التي نجدها قريبة من الطراز العباسي ونلمسها في فن العمارة كالمآذن الأسطوانية والقباب البصلية الشكل والزخارف الدقيقة والرسومات التي تميل إلى هدوء الألوان في رسم الطبيعة. عند استعراضنا للموجز الذي سبق ذكره لروائع الفنون الإسلامية نجد قمة فتوحات العرب المسلمين في هذه العصور التاريخية وقد سادت ثقافتها وروائع إنجازاتها الفنية الشرق والغرب بمضمون روحاني وجداني تألق بالإسلام وتميز في المضمون فمهما تعددت فتوحات المسلمين وغزواتهم لنشر الإسلام إلا أنهم حرصوا على أن ترتبط فنونهم بعضها ببعض في نظام أو اتساق يكاد يحكمه شبه قانون أو نظام وعليه نجد القيم الجمالية التي تميزت بها الفنون الإسلامية الأصيلة مهما اختلفت العصور وتعددت البلدان فقد يتأثر الفنان المسلم المعاصر بجمال أو ابتكار يختلف عن واقعه أو أفكاره أو عقيدته ولكنه يستفيد بتفسيرها وتذوقها لتتفرع إلى تعبير إبداعي ذاتي فتلهمه روحا جديدة تمتلئ وتفيض بالحياة لينسج من خلالها عناصر تشكيلية مستلهمة من روحه وعقيدته وبيئته وحضارته لتشكل بذلك أمرا سحريا أو إلهاما فريدا يتمثل في أعماله الفنية الأصيلة والمستمدة من دينه الحنيف. نلاحظ أن الطرز الفنية الإسلامية قد ارتبطت ارتباطا وثيقا في تطورها مع الفتوحات الإسلامية وازدهارها وتنوعها. الأعمدة المقرنصة بقصر الحمراء جامع قوات الإسلام بالهند فى عصر العثمانيين سك نقدي للخليفة عبدالملك بن مروان طبق من العهد الفاطمي من فنون المماليك في بداية القرن الرابع عشر الميلادي