لم يكن الفنان رفيق سبيعي الذي اشتهر باسمه الفني ابو صياح يفكر يوماً في كتابة مذكراته ونشرها، ويعزو ذلك الى سببين: - أولهما: رضوخه الى رغبة وإلحاح الكثير من الأصدقاء والمعارف الذين عاصروا تجربته وعايشوها. - ثانيهما: رغبته في إطلاع الأجيال الجديدة من الفنانين الشباب على حقيقة معاناة جيل الفنانين المخضرم الذي يقابلهم اليوم، كما يقول رفيق سبيعي، جيل الشباب بالجحود والنكران. فما حكاية هذه المذكرات التي أصدرها رفيق سبيعي باسم "ثمن الحب" والتي أعدها الصحافي وفيق يوسف ونشرتها وزارة الإعلام، بعد ان أثارت في الصحف أخيراً اتهامات وردوداً متبادلة بينه وبين الفنان دريد لحام؟ سيرة حافلة يقول محرر الكتاب عنه انه يقدم سيرة رفيق سبيعي حكاية مدهشة عن رحلة شاقة وطويلة قضاها فنان خرج من القاع الاجتماعي، واتخذ قراره بأن يكون فناناً وحسب في زمن لم يكن المجتمع قد اتخذ قراره بعد بالاعتراف بالفنان وبأهمية الفن. وهكذا، كان على فناننا، ان يشق طريقه في اقسى ظرف ممكن، وأن يواجه حرباً قاسية على مختلف الجبهات، ابتداء من العائلة التي لفظت الولد العاق خارجاً، وانتهاء بالمجتمع الذي كان يصم اذنيه عن نداء الجمال، وتلك هي الغاية الأساس من هذه المذكرات، ان تروي الحكاية كلها، بحلوها ومرّها، وتعيد ترتيب تلك التجربة الفنية الحافلة التي تمتد على مدى نصف قرن، وتتوزع ما بين خشبات المسرح، ومايكروفون الإذاعة، وكاميرات السينما والتلفزيون. على ألحان الأسطوانات من سيرة طفولته يتذكر رفيق سبيعي اشياء كثيرة تفصيلية نذكر منها: - كان يكتب وظائفه المدرسية على صوت الأغاني القديمة التي كانت تنبعث من الفونوغراف. - كان يقف امام مقهى النوفرة في دمشق القديمة ليتابع قصص حكواتي المقهى. - كان ينفق خرجيته على حضور المسرحيات أو الأفلام السينمائية، وكانت دور العرض في بداياتها. - كان يتابع الأعراس والأفراح ليستمع الى المطربين، ويحفظ أغانيهم ثم اصبح ينشد في الحضرات مع المنشدين. - ترك المدرسة باكراً ليسهم في إعالة الأسرة الكبيرة والفقيرة. النقلة الأولى في أول الشباب، انخرط في النوادي الكشفية ليمارس هوايته في الغناء والعزف، وراح ينتقل بين سهرات البيوت الشامية ويلقي مونولوجات حفظها من أفلام شكوكو، واسماعيل ياسين، ثم دخل عالم الفن مع مجموعة من الهواة انتجوا أول فيلم سينمائي، وراح يتابع نشاط الفرق الفنية السورية واللبنانية في سينما النصر وكان من نجومها آنذاك عبداللطيف فتحي وأحمد ايوب ونجاح سلام وفايزة احمد ومحمد سلمان وشكوكو. وطالت مرحلة التشرد حتى عام 1948 حيث بدأ يعمل على المسرح لقاء ليرة سورية في اليوم. في عام 1951 تعرف الى عبداللطيف فتحي اشهر فناني تلك المرحلة، وعمل معه ملقناً في الفرقة، ثم انتقل الى التمثيل والتجوال مع الفرق الخاصة التي تتجول بين المدن ويعاني افرادها معاناة قاسية، يأكلون يوماً ويجوعون اياماً... ولهذا عاد الى دمشق يعمل في وظيفة مراقب صحي، وظل الى جانب ذلك يعمل على المسرح، ودخل الإذاعة للمرة الأولى عام 1954، بمعاونة الفنان حكمت محسن، وعمل مع المخرج تيسير السعدي الى جانب عمله في الفرق المسرحية الخاصة. انتقل بعد زواجه الى لبنان وأبدل اسمه من رفيق سليمان الى رفيق سبيعي، وقدم برامج في إذاعة الشرق الأدنى برعاية الفنان الإذاعي الشهير آنذاك عبدالمجيد أبو لبن. ولما كان الفن لا يطعم خبزاً، قبل بوظيفة في المصرف المركزي ليعيل اسرته، وكان يعمل ليلاً في مسرح غازي، وعندما أسس عبداللطيف فتحي فرقة المسرح الحر، اصبح من اعضاء الفرقة. في المسرح القومي في بداية الستينات التحق رفيق سبيعي بالمسرح القومي الذي اسس بعد قيام الوحدة بين سورية ومصر، وكانت نقلة جديدة في حياته الفنية، من التشرد في فرق القطاع الخاص الى استقراره في المسرح القومي حيث شارك في مسرحيات مميزة وأكثرها من نصوص المسرح العالمي... وخلال تلك الفترة اتيحت له فرصة الذهاب الى مصر في بعثة دراسية للفن، ولكن من دون بدل سفر، ما عرضه وزملاءه للفاقة في القاهرة، حتى أنقذهم عبدالقادر حاتم من الورطة وصرف لهم التعويض، وشارك رفيق سبيعي في القاهرة بأعمال فنية عدة. وفي عام 1961 عيّن مطرباً في إذاعة دمشق، وبدأ يقدم الأغاني الضاحكة الموجهة بشخصية المطرب الشعبي ابو صياح، كما بدأ في تلك المرحلة يعمل في التلفزيون السوري الوليد. ويقول رفيق سبيعي ان الدكتور صباح قباني، أول مدير للتلفزيون السوري، هو الذي قدم اكثر الفنانين على الشاشة، فكان المكتشف الحقيقي لأكثر الفنانين السوريين شهرة الآن. تقارير المخبرين في النصف الثاني من الستينات تعرض رفيق سبيعي الى تحقيقات رسمية من المسؤولين في وزارة الداخلية لأنه متهم بأنه "مخرب" وأنه يتحدث عن السلطة بأسلوب هجومي. وفي لقاء مع وزير الداخلية آنذاك عرض عليه الوزير خمسة تقارير تتهمه اتهامات مختلفة، ثم تبين ان الذين كتبوا تلك التقارير ضده كانوا من زملائه الفنانين الذين كانوا يغارون من نجاحه... واعتقل، ولكنه كان معتقلاً مدللاً كما يقول في مذكراته، أي انه لم يتعرض للضرب أو الإهانة. وقد وجه إليه اتهام آخر بأنه اطلق نكتة سياسية، وأحس بالحرج لأنه كان يعرف ان الذي أطلق النكتة هو زميله ياسين بقوش ولم يرغب ان يعرضه للمساءلة... وبعد مداخلات ووساطات اطلق الوزير سراحه. عانى رفيق سبيعي الكثير من زملائه الفنانين كما يقول، وذلك لما يروجون حوله من اقاويل وشائعات، وكذلك فعل اهله الذين كانوا ضد زواجه. أزمة... مع دريد لحام ونهاد قلعي ويخصص رفيق سبيعي في مذكراته فصلاً خاصاً عن علاقته بالفنانين دريد لحام ونهاد قلعي، حيث كان يشكل معهما ثلاثياً فنياً في عدد من الأعمال والمسلسلات والأفلام السينمائية. وقال إن دريد ونهاد وزعا مسلسل "حمام الهنا" عام 1968، في البلاد العربية بمبالغ كبيرة من دون ان يحسبا حصته من المشاركة وحقه في التوزيع، إذ لم يقبض سوى اجره من التلفزيون. وأورد امثلة كثيرة قال إنها كانت نوعاً من اللعب وراء الظهر يقوم به دريد ونهاد من دون ان يتعاملا معي بروح الفنان... حتى عندما شاركنا في اعمال مشتركة لمصلحة القنال 11 اللبنانية كانا يقبضان بالليرة اللبنانية ويحاسبانني بالليرة السورية، وكان الفارق بين الليرتين كبيراً ومجزياً. ويتابع رفيق سبيعي: "كنت أتألم كثيراً من هذا التعامل وذلك هو السبب وراء اعتذاري عن المشاركة في مسلسل "صح النوم" في اوائل السبعينات على رغم ان نهاد قلعي اتصل بي اكثر من مرة وأصر على مشاركتي في العمل، ولكني رفضت بحزم". ويقول رفيق سبيعي ان نهاد ودريد لم يعطياه حقه من توزيع مسلسل "مقالب غوار" ايضاً، والشاهد على ذلك موزع قناة 11 اللبنانية جورج سلامة. وعندما تدخل الوسطاء امثال المنتج تحسين القوادري والملحن سهيل عرفة في الموضوع، رد عليهم نهاد قلعي بقوله: لسنا شركاء... ولسنا ثلاثة... نحن اثنان فقط... أنا ودريد لحام. ودخل على الخط المخرج محمد سلمان بتهم سياسية وجهها ضد رفيق سبيعي. ويستدرك رفيق سبيعي انه كان بحاجة الى المال فذهب الى دريد لحام، الذي كان رئيس دائرة الإخراج في التلفزيون، يطلب اجره عن وضاح اليمن الذي لعب بطولته لمصلحة التلفزيون فإذا بدريد يناوله شيكاً ب500 ليرة سورية وهو يقول له: "هذا جزء من حقوقك في مسلسل "حمام الهنا"". "عندها تأكدت ان دريد لحام يأكل تعبي". ويضيف: "كنت لا أزال أؤمن بأن نهاد قلعي طيب القلب ولكن دريد مارس عليه الكثير من الضغوط حتى تمكن من جره الى صفه". خطورة التقولب وحول شخصية ابو صياح يقول رفيق سبيعي: "منذ البداية، كنت أحذر من خطورة التقولب في شخصية محددة، فكنت اتوجه نهاراً الى التلفزيون لتصوير تمثيلية معاصرة، ومساء في المسرح القومي لتقديم عرض من المسرح العالمي، وليلاً أغني في الحفلات بشخصية ابي صياح التي حققت نجاحاً كبيراً وأحبها الناس في الأوساط الشعبية في حين رفضها المثقفون". ويستدرك رفيق ان دريد لحام حرمه من دور في فيلم من انتاج مأمون سري حيث شطب اسمه منه. وكان مسلسل "وادي المسك" تجربة اخيرة وحاسمة مع دريد لحام، على رغم ان دريد لحام كان يريد اسناد الدور الى شاكر بريخان بدلاً من رفيق سبيعي. ويعدد رفيق سبيعي في مذكراته حوادث كثيرة مع عدد من زملائه الفنانين الذين حاربوه، ومنهم، كما يقول، هالة شوكت التي تآمرت عليه لمصلحة هاني الروماني. ويقول: "من عادتي ان أترك الحكم الأخير للزمن، ولا أذكر أنني رددت الإساءة بمثلها على رغم تعرضي لإساءات كثيرة وكبيرة... أنا لا أحقد أبداً... ربما أزعل... أو أغضب وربما افش خلقي، وأحياناً أواجه من أغضب منه، ولكن من دون تشنج كما أفعل في هذه المذكرات".