الكتاب: "ثمن الحب". الكاتب: رفيق سبيعي . تحرير وإعداد: وفيق يوسف . الناشر: خاص - دمشق 1999 . تعرّف الجمهور العربي على رفيق سبيعي حين اشتهر عبر شاشة التلفزيون بشخصية "ابو صياح" التي قدمها خلال الستينات مع دريد لحام ونهاد قلعي، لكن السيرة الفنية لرفيق سبيعي سبقت هذه الفترة بعقدين من الزمن، فقصته مع الفن صورة واضحة لطبيعة المجتمع الدمشقي في النصف الاول من هذا القرن، فلم تكن الدراما تقدم للعاملين فيها اي امتياز حقيقي، وفي الوقت نفسه ظهرت عبر ارتباطها بمجموعة من الفنون والغناء والرقص، ولم تأخذ خصوصيتها إلا في اواسط الخمسينات من خلال الجهد الشاق للفنانين. وتعطي سيرة رفيق سبيعي صورة عن وضع هذا الفن فهي رحلة شاقة وطويلة، قضاها فنان خرج من القاع الاجتماعي واتخذ مبكراً قراراً بأن يكون فنانا، وفي زمن لم يكن المجتمع اتخذ قراراه بالاعتراف بالفنان واهمية الفن، وكان على رواد التمثيل شق طريقهم ضمن ظرف قاس ومواجهة حرب على مختلف الجهات، ابتداء من العائلة التي ترفض لابنائها الدخول في الحقل الفني، وانتهاء بالمجتمع الذي لم تتجذر الفنون الدرامية في عمق ثقافته. عبر هذا الشكل الاستثنائي للحياة تأتي مذكرات رفيق سبيعي لتتجاوز موضوع السيرة الذاتية، وتقدم لوحة بانورامية للحياة في سورية منذ الثلاثينات، فترصد احياناً البنى الاجتماعية والتحولات التي طرأت عليها، وتقدم صورة عن السياسة والاضطرابات التي عاشتها البلاد، اضافة الى الموضوع الفني بمختلف جوانبه سواء تعلّقت بالفنان او بالوسط الذي يعيش فيه. يتحدث في الفصل الاول عن طفولته، ويذكر ان اول صورة انطبعت في ذاكرته كانت للجنود السوريين يسيرون في الشوارع بشكل يشبه الاستعراض، وعلم في ما بعد انهم كانوا نواة للجيش الوطني الذي اسسه فخري البارودي باسم "الجيش الحديدي" وكان ذلك اثناء الاحتلال الفرنسي وبعد توقيع معاهدة 1936 بين الحكومة الفرنسية والحركة الوطنية السورية. ورفيق سبيعي ولد قبل هذا الحدث بست سنوات 1930 في حي البزورية داخل سور مدينة دمشق، وكانت عائلته فقيرة جداً ويبلغ عددها 12 شخصاً تعتمد في معيشتها على الاب الذي يعمل اجيراً لدى ابناء عمه، وعبر هذه الحياة القاسية كان رفيق سبيعي يتعرف على فئات من المجتمع مثل الحمّالين عندما يرافق والده، ويصف طبيعة الحياة في دمشق خلال هذه المرحلة حين تم ايصال مياه الشرب للمدينة للمرة الاولى، وذلك بفضل مشروع اشرف عليه الزعيم السياسي لطفي الحفار، وتم بموجبه نقل مياه نبع الفيجة الى الاحياء عبر صنابير وضعت في الازقة، ويصف الفنان ولعه المبكر بالموسيقى حين كان يكتب وظائفه المدرسية على صوت الفونوغراف، كما انه اعجب بالحكواتي ابو احمد المنعش في مقهى النوفرة الذي يمثل السير الشعبية، وتلقى رفيق سبيعي ايضاً جزءاً من تعليمه في مدرسة دينية لكنه بعد المرحلة الابتدائية ترك المدرسة مضطرا ليساعد والده في نفقات الحياة. انخرط الفنان خلال سنوات شبابه الاولى في النوادي الكشفية، وأتيح له ممارسة هوايته الفنية، وساعد هذا الامر على اتخاذ قراره بأن يحترف التمثيل وكان ايضاً بداية معاناته مع عائلته، فطرد من المنزل نتيجة سلوكه وطبيعة صداقاته التي تكوّنت من محبي الفن. ويسرد رفيق سبيعي اسماء كثيرة ممن كانوا يعملون في هذه الفترة في التمثيل، كما يقدم صورة عن الحركة المسرحية في نهاية الاربعينات، وكان اول عمل له مع فرقة مؤلفة من ممثلين كوميديين يؤديان ادواراً ارتجالية ويقدمان عروضهما في دمشق والارياف، كما يروي بداية تعرّفه الى الفنان سعد الدين بقدونس والمرحوم عبداللطيف فتحي، ومن خلال ذكرياته معهم نشهد صورة لمحاولات تأسيس المسرح في سورية، لكن هذه الفرق المبكرة، كانت تنحل سريعاً نتيجة مآزقها المادية، وقادت هذه التجربة رفيق سبيعي في جولات في المحافظات عاش خلالها تجارب قاسية، كانت تنتهي في معظمها الى الافلاس والعودة مجدداً الى دمشق ثم تكرار المحاولة. ولكن في عام 1954 بدأت الامور تستقر قليلاً بعدما اصبح اسم رفيق سبيعي يتردد في الاوساط الفنية، كما دخل الاذاعة في العام نفسه بمؤازرة من حكمت محسن لكن موضوع المسرح بقي على حاله، الا ان التجارب المسرحية اعطت رفيق سبيعي خبرة كبيرة في المجال الفني والحياة بوجه عام، وعمل رفيق سبيعي في اذاعة "الشرق الادنى" وادى ادواراً تمثيلية فيها تبلورت عبرها شخصية "ابو صياح" الذي اشتهر فيها لاحقاً، وبعد اندلاع حرب السويس سنة 1956 ترك العمل نتيجة الموقف السياسي من بريطانيا. يتناول الفصل الثاني من الكتاب مرحلة ما بعد تأسيس المسرح القومي سنة 1959، لكن انضمام رفيق سبيعي اليه تأخر حتى 1960 وقدم اول عرض له ضمن مسرحية "ابطال بلدنا"، وفي تلك المرحلة بدأت فكرة غنية بالنسبة الى الفنان خصوصاً لدى سفره الى القاهرة، وعمله في الاذاعة السورية مخرجاً اضافة الى ادواره في المسرح القومي، ومع تأسيس التلفزيون باشر عمله مع المخرج سليم قطايا في برنامجه "ساعي البريد" وهذا المخرج توفى في 18 تموز يوليو 1963 اثناء محاولة احتلال مبنى التلفزيون حين اصيب بنوبة قلبية، ويسرد الفنان هنا مجموعة من الاحداث والوقائع السياسية التي شارك فيها بوصفه فناناً وينقل عبرها اضطراب الوضع السياسي في البلاد خلال منتصف الستينات ومسألة المخبرين في الوسط الفني، ويشرح علاقته بأمين الحافظ الذي اعجبته شخصية "ابو صياح" وتطور علاقاته مع اقطاب الحكم في تلك المرحلة. الكتاب مليء بالقصص والاحداث التي تعطي لمحات عن الوسط الفني وعلاقاته بالحياة العامة، وفي النهاية فان عنوان الكتاب "ثمن الحب" نوع من الكشف للحياة الخاصة التي تعطي فكرة عن التضحية التي يقدمها الفنان ثمناً نتيجة العلاقة التي تربطه مع فنه.