أكد مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي أن جانبا كبيرا من أمان إمدادات الطاقة الدولية يعتمد على رغبة السعودية وقدرتها على زيادة إنتاجها النفطي وطاقات الإنتاج الإحتياط في المستقبل. وقال "ان بمقدور السعودية إحداث زيادات كبيرة في كل من إنتاجها الفعلي وطاقاتها الإحتياط" مشيراً إلى أن الكثير من الثروة النفطية السعودية لا يزال غير مكتشف وأن وتيرة عمليات التنقيب إتسمت بالمحدودية طوال الجزء الأكبر من التسعينات. وقال كبير الباحثين أنطوني كوردسمان في مسودة دراسة بعنوان "تخطيط مستقبل قطاع النفط والغاز السعودي" إن الغرب "ينظر إلى السعودية كمصدر رئيسي للطاقات الإنتاجية الجديدة التي ستلبي النمو المتزايد في الطلب الدولي على النفط، أقله حتى سنة 2020. ويبدو من المستبعد بشكل متعاظم أن تتمكن إيران والعراق من تحقيق الزيادة المتوقعة في انتاجهما النفطي وهناك غموض متعاظم إزاء مستقبل الانتاج في روسيا وآسيا الوسطى بحر قزوين وإزاء معدل نمو الطلب الآسيوي". وأورد الباحث تقديرات لإدارة معلومات الطاقة الأميركية ووكالة الطاقة الدولية تشير إلى احتمال حدوث زيادات كبيرة في الطاقات الانتاجية السعودية في الفترة حتى سنة 2020. وحسب هذه التقديرات سترتفع قدرات الانتاج السعودي من 10.6 مليون برميل يومياً عام 1995 إلى 12.6 مليون برميل يومياً سنة 2005 ثم الى 18.4 مليون ب/ي سنة 2015 ثم 23.1 مليون ب/ي بحلول سنة 2020، ما يعني أن الانتاج السعودي سيرتفع بنسبة 103 في المئة في العقدين المقبلين. ولوضع الأرقام المشار إليها في إطارها العام ذكر كوردسمان أن تقديرات إدارة معلومات الطاقة تشير إلى أن الطاقات الإنتاجية السعودية شكلت 50 في المئة من إجمالي الطاقات الإنتاجية لمنطقة الخليج عام 1997 و15 في المئة من الطاقات الإنتاجية العالمية، وستشكل 48 في المئة من الإنتاج الخليجي و15 في المئة من الإنتاج الدولي سنة 2010 ثم ترتفع إلى 52 في المئة من الإنتاج الخليجي و19 في المئة من الإنتاج الدولي سنة 2020 . الصادرات الخليجية ووفق توقعات إدارة معلومات الطاقة لفت الباحث الأميركي إلى أن صادرات الدول الخليجية سترتفع من 16.2 مليون برميل يوميا عام 1996 إلى 35 مليون ب/ي سنة 2020 مسجلة زيادة بنسبة 116 في المئة. وفي حين ستنخفض هذه الصادرات من 33.2 في المئة من إجمالي واردات الدول الصناعية عام 1998 إلى 30.2 في المئة سنة 2020، إلا أنها سترتفع فعلياً بمقدار 2.9 مليون برميل كما سترتفع في الفترة نفسها من 30.6 إلى 50.9 في المئة من واردات الدول النامية لتصل إلى 15.9 مليون برميل يومياً. وذكر كوردسمان أن التقديرات الغربية في شأن مستقبل الطاقات الإنتاجية لا تتفق مع التصورات التي أعلنها مسؤولون سعوديون في ما يتعلق بالمديين القصير والمتوسط، وأن الخطط السعودية البعيدة المدى تركز على تحقيق زيادة تدرجية إرتقائية في الطاقات الإنتاجية أكثر من التركيز على تحقيق مستويات معينة من الطاقات الإنتاجية والصادرات، مشيرا إلى أن السعودية تعيد النظر في استراتيجيتها النفطية باستمرار. وقال الباحث في دراسته إن السعودية أعلنت عام 1997 خططاً للحفاظ على انتاجها عند مستوى يراوح بين 10 و11 مليون برميل يوميا حتى سنة 2005، علاوة على "وسادة" من الطاقات الاحتياط بمقدار لا يقل عن مليوني برميل يومياً، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن المسؤولين السعوديين ناقشوا خططا لزيادة انتاج الزيت الخفيف وحصته في الإنتاج الإجمالي علاوة على تعزيز عمليات الإندماج الأفقي لشركات النفط السعودية وتكرير 50 في المئة من النفط ونقل 50 في المئة من صادراته على متن الناقلات السعودية. ولفت كوردسمان إلى أن تقديرات وزارة النفط والمعادن السعودية أشارت في منتصف عام 2000 إلى أن إنتاج الحقول الواقعة في الأراضي السعودية لن يزيد على مستواه الراهن المقدر بنحو 10.2 مليون برميل يوميا قبل سنة 2005. ونسب إلى مسؤولين في الوزارة قولهم "ان لا هدف مؤكداً للسعودية في زيادة إنتاجها في المستقبل باستثناء هدف عام يتمثل في الاحتفاظ بطاقات احتياط انتاجية تزيد بمقدار مليوني برميل يوميا على متوسط الانتاج الفعلي". ولاحظ الباحث أن المسؤولين السعوديين نفوا السعي للاحتفاظ بدور "المنتج المرن" الذي شعروا أنه يعني وضع استثمارات باهظة في طاقات انتاج احتياط ستعمل دول منظمة "أوبك" الأخرى للضغط على السعودية من أجل ألا يصار إلى استخدامها. ونقل كوردسمان عن مسؤولين سعوديين قولهم ان السعودية "ليس لديها اعتراض" على تقديرات "اوبك" تتوقع ارتفاع انتاج دولها الأعضاء إلى مستوى مقارب للمستوى الذي توقعته كل من إدارة معلومات الطاقة ووكالة الطاقة الدولية، مشيرا إلى أن "أوبك" توقعت أن يرتفع إنتاج أعضائها من 29 مليون برميل يومياً عام 1998 إلى 54.6 مليون برميل يوميا سنة 2020، لكنه أوضح أن الزيادة المتوقعة ستحدث إبتداء من سنة 2005 .ونسب الباحث إلى مسؤولين سعوديين إشارتهم إلى احتمال أن تستمر السعودية في توفير ثلث إنتاج "أوبك" وأن يتعاظم دور المنتجين الخليجيين في الإنتاج الإجمالي، إذ من المتوقع أن يشكل إنتاج السعودية والكويت والعراق والإمارات نحو 85 في المئة من إجمالي إنتاج "أوبك" بحلول سنة 2020. ورأى كوردسمان أن المسؤولين السعوديين كانوا أكثر تحديداً السنة الجارية. ونقل عن إدارة معلومات الطاقة أن السعودية أعلنت نيتها زيادة طاقاتها الإنتاجية، لا سيما النفوط الخفيفة نسبيا، إلى 12.5 مليون برميل يوميا في السنوات المقبلة، وأن "أرامكو السعودية" قررت استعجال خطوات التنفيذ في مشروعين يضيفان 1.5 مليون برميل يومياً من الطاقات الإنتاجية الجديدة ما من شأنه أن يرفع الإنتاج السعودي تدريجاً من 10.5 إلى 11.5 مليون برميل يومياً وتخفيف العبء عن بعض الحقول القديمة. وذكر الباحث الأميركي ان هناك قناعة لدى إدارة معلومات الطاقة ووكالة الطاقة الدولية وكذلك خبراء الشركات النفطية أن السعودية قادرة على زيادة طاقاتها الإنتاجية إذا هي رغبت في ذلك وقادرة أيضا على إيجاد رؤوس الاموال المطلوبة، مؤكداً أن السعودية دأبت منذ وقت طويل على تطوير احتياطها النفطي بفاعلية وأنها الدولة الخليجية الوحيدة التي تستثمر أموالها بكفاءة في عمليات التنقيب الحديثة والطاقات الانتاجية وتحقق أكبر فائدة ممكنة من التقنيات الغربية المتقدمة في عمليات الانتاج. ويعتقد كوردسمان أن تطوير الطاقات الانتاجية السعودية يمكن أن يأتي من خلال أي من استراتيجيات ثلاث: 1- الاستجابة لعوامل السوق بزيادة الانتاج إلى مستويات تتيح أسعاراً معتدلة وأعلى قدر ممكن من العوائد النفطية علاوة على الاحتفاظ بطاقات انتاج احتياط لضمان استقرار الأسعار ودعم الطلب على النفط السعودي في المدى البعيد. وتتطلب هذه الاستراتيجية إحداث زيادات كبيرة في انتاج النفط لغرض التصدير وزيادة انتاج الغاز لتلبية احتياجات الطلب المحلي الخاص والصناعي، كما تتطلب استثمارات سعودية وأجنبية متعاظمة في عمليات التكرير والتسويق لدعم القيمة المضافة للنفط. 2- تقييد الانتاج لرفع الأسعار والعوائد النفطية الى حدها الأقصى. وترتكز هذه الاستراتيجية إلى قدرة السعودية على إقناع عدد كاف من المنتجين المنافسين لخفض الإنتاج إلى مستويات تؤدي في المدى البعيد إلى أسعار أعلى مما تنتجه قوى السوق، كما تعتمد على قدرة السعودية والمنتجين الآخرين على إقامة توازن جديد في العرض والطلب بحيث تتحقق للسعودية عوائد نفطية صافية أعلى مما لو رفعت انتاجها إلى الحد الأقصى. 3 - رفع الانتاج إلى الحد الأقصى لاستعادة الحصة السوقية وتهميش المنتجين من ذوي الكلفة العالية. وتمثل هذه الاستراتيجية أكثر الخيارات راديكالية وهي نظرية إلى حد بعيد، وتتطلب من السعودية القبول بانخفاض عوائدها النفطية في المدى القصير لكنها قادرة على تغيير الشكل التقليدي لصناعة النفط العالمية بإخراج المنتجين ذوي الكلفة المرتفعة من السوق، ما سيؤدي إلى زيادة حصة السعودية وكذلك عوائدها النفطية في المديين المتوسط والبعيد. لكن كوردسمان اعترف أن لكل من الاستراتيجيات الثلاث المشار إليها فوائدها ومحاذيرها علاوة على اتسام عناصرها الرئيسية بالغموض، مشيراً على سبيل المثال إلى أن استراتيجية الحصة السوقية القصوى تتيح للسعودية ميزة مهمة ومن شأنها تعريض منتجي الكلفة العالية في مناطق مثل بحر قزوين وأميركا الشمالية لضغوط حادة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل صناعة النفط العالمية، إلا أن احتمالات نجاحها غير مضمونة وقد تجدها السعودية مكلفة حتى لمجرد المحاولة. وأشار الباحث الى أن السياسات النفطية السعودية تركزت حتى الآن في الاستراتيجية الأولى واتسمت خياراتها بطابعها العملي والتجاوب مع متغيرات السوق. ورجح احتمال استمرار هذا النهج في المستقبل، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الميزات التي تملكها السعودية وتتمثل في احتياطها النفطي الضخم وطاقاتها الانتاجية وكلفة الانتاج المنخفضة تؤكد جميعها دورها المركزي الذي تزداد أهميته عند حدوث أي مشكلة في تدفق امدادات الطاقة العالمية، بغض النظر عن الاستراتيجية التي تنتهجها. وأكد كوردسمان أن السعودية دأبت على تفضيل السياسات العملية عن الايديولوجية والموازنة بين المخاطر بدل اختيار المواقف المتطرفة، وأن مخططي السياسة وخبراء النفط السعوديين يناقشون مستقبل الطاقات الانتاجية بكثير من الدراية والخبرة. لكنه أعرب عن اعتقاده بأن الدعوة السعودية لحوار بناء بين المنتجين والمستهلكين ستتيح لبلد مثل السعودية "بناء تصور واقعي بقدر الإمكان عن الطلب المستقبلي والعمل على أساسه، وسيشكل أفضل استراتيجية من وجهة نظر السعودية وغالبية المنتجين الآخرين وكذلك المستهلكين".