أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    الأسهم اليابانية تتراجع    أمانة تبوك تكثف جهود صيانة الطرق والحدائق وشبكات التصرف خلال النصف الأول ل 2025    سمو أمير منطقة القصيم بحضور سمو نائبة يدشن منصه جائزة السياحة الريفية ويؤكد السياحة الريفية ميزة تنافسية للمنطقة    أمير تبوك يدشن مبادرة جادة 30 ويرعى توقيع اتفاقيات تعاون بين عدد من الجهات والهيئات    أمين القصيم يوقع عقد تأمين مضخات كهربائية لمحطات ومعالجة السيول بمدينة بريدة بأكثر من 3 ملايين ريال    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    وزارة الداخلية تنهي كافة عمليات إجراءات مغادرة ضيوف الرحمن من الجمهورية الإسلامية الإيرانية    العيادات الطبية المتنقلة لمركز الملك سلمان للإغاثة في حرض تقدم خدماتها ل (197) مستفيدًا    استعرض التعاون البرلماني مع كمبوديا.. آل الشيخ: السعودية تعيش تحولاً كبيراً بمختلف المجالات    أكد أن أبواب الدبلوماسية مفتوحة.. عراقجي: لا مفاوضات نووية قريبة    ضمن السلسلة العالمية لصندوق الاستثمارات العامة.. نادي سينتوريون يحتضن بطولة PIF لجولف السيدات    مانشستر يونايتد مهتم بضم توني مهاجم الأهلي    نثق قي تأهل الأخضر للمونديال    تستضيف مؤتمر (يونيدو) في نوفمبر.. السعودية تعزز التنمية الصناعية عالمياً    حرصاً على استكمال الإجراءات النظامية.. ولي العهد يوجه بتمديد فترة دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر    134مليار ريال إنفاق المستهلكين    هيئة تقويم التعليم تعزز حضورها الدولي بمؤتمرات عالمية في 2025    اقتراب كويكب جديد من الأرض.. السبت المقبل    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء: المملكة سخرت إمكاناتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام    برنية: رفع العقوبات يمهد لفك الحصار.. واشنطن تدعم سوريا لإنهاء «العزلة»    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    الفيشاوي والنهار يتقاسمان بطولة «حين يكتب الحب»    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    وفاة كل ساعة بسبب الوحدة حول العالم    الأمهات مصابيح من دونها قلوبنا تنطفئ    غونزالو غارسيا يقود ريال مدريد إلى ربع نهائي «مونديال الأندية»    المملكة توزّع (900) سلة غذائية في محلية الخرطوم بالسودان    المملكة تدعو إلى إيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام    القيادة تهنئ حاكم كندا ورؤساء الصومال ورواندا وبوروندي بذكرى بلادهم    فيصل بن مشعل يحتفي ب24 فارساً حققوا 72 إنجازاً محلياً ودولياً    "مسام" ينزع (1.493) لغمًا في الأراضي اليمنية خلال أسبوع    موقف متزن يعيد ضبط البوصلة الأخلاقية الدولية!    320 طالباً يشاركون في برنامج «موهبة الإثرائي» في الشرقية    «الاستثمارات العالمية» في النفط والغاز تتجه للشرق الأوسط    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    موافقة الملك على منح وسام الملك عبدالعزيز ل200 متبرع بالأعضاء    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    د. السفري: السمنة مرض مزمن يتطلب الوقاية والعلاج    متحف «تيم لاب بلا حدود» يحتفي بعامه الأول في جدة    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة العارضة    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير نادي منسوبي وزارة الداخلية بمناسبة تعيينه    رياضي / الهلال السعودي يتأهل إلى ربع نهائي كأس العالم للأندية بالفوز على مانشستر سيتي الإنجليزي (4 – 3)    أصداء    هنأت رئيس الكونغو الديمقراطية بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي أمير الكويت وولي عهده في وفاة فهد الصباح    القيادة تعزّي أمير الكويت في وفاة الشيخ فهد صباح الناصر    العثمان.. الرحيل المر..!!    إلزام المطاعم بالإفصاح عن المكونات الغذائية    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يطلع على استعدادات المنطقة خلال موسم الصيف    قائدٌ يرسم ملامح وطن    "الفيصل" يرأس الاجتماع الأول لمجلس إدارة الأولمبية والبارالمبية السعودية    تحفيز الإبداع الطلابي في معسكر ثقافي    "الدهمشي" يطّلع على جهود فرع الصحة بجازان ويشيد بدوره في متابعة كفاءة الخدمات الصحية    أكد أهمية مناهج التعليم الديني.. العيسى يشدد: تحصين الشباب المسلم من الأفكار الدخيلة على "الاعتدال"    «الشؤون النسائية بالمسجد النبوي» تُطلق فرصًا تطوعية    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    أقوى كاميرا تكتشف الكون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رداً على بكر مصباح تنيرة : الحوار السياسي والطابع المؤسساتي للشورى في تاريخنا
نشر في الحياة يوم 04 - 09 - 2001

يتجه بعض الباحثين في قضايا التراث العربي الاسلامي الى انتحال مرجعية تراثية لمختلف القضايا والمفاهيم المعاصرة، وعلى هذا النحو تصبح الشورى مصدراً من مصادر الديموقراطية المعاصرة، ويصبح الحوار السياسي المفترض في تراثنا دليلاً الى علم الأوائل بأسس الديموقراطية والنظم النيابية الحديثة.
انطلاقاً من سلفية كهذه يعرض بكر مصباح تنيرة "الحياة" 21 تموز/ يوليو 2001 نماذج من الحوار السياسي بين الحاكم والرعية في تاريخنا العربي الاسلامي، وعلى رغم إقراره بتباين الحكام في مدى "التزامهم بالمبادئ والمثل العليا التي أرسى الاسلام أصولها في الحكم كالعدالة والمساواة وحرية الرأي والشورى"، إلا انه يصل الى نتيجة عامة تقرر ان السابقين "كانوا على علم وخبرة ودراية بأصول الحكم الديموقراطي وغاياته التي تقوم عليها النظم النيابية الحديثة". يسوق تنيرة هذه النماذج لتكون عظة وعبرة للحكام في زماننا مطالباً إياهم بالتشبّه بالأوّلين. لا بد في البداية من الاشارة الى النقطة المهمة الآتية: وهي ان القرآن الكريم لم يحدد معالم واضحة للمجال السياسي الاسلامي، وإنما تكوّن هذا المجال عبر التراكم التاريخي، اي نتيجة لسنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم في إرسائه ووضع خطوطه العريضة ومن ثم اسهامات الخلفاء الراشدين في إرساء أسس الدولة الاسلامية وتوسيع حدودها وإدارة شؤونها الداخلية والخارجية، حتى ظهور نمط الدولة الاسلامية على غرار "الامبراطوريات المعاصرة" ابتداء بالعهد الأموي. اما بالنسبة الى مبدأ الشورى كأحد العناصر المهمة في هذا المجال السياسي، التي يذهب البعض الى اعتبارها مساوية للديموقراطية بالمفهوم المعاصر، فأشار النص القرآني الكريم إليها في مواضع عدة حاضاً عليها، وداعياً الحاكم الى العمل بها كما في قوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" الشورى-38، وكذلك قوله تعالى: "يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون" النمل-32، إلا ان هذه الشورى لم تكن ملزمة للحاكم بدليل قوله تعالى: "فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله" آل عمران-159. فالرسول صلّى الله عليه وسلّم هو في نهاية المطاف من يقرر وهو غير ملزم باتباع رأي المشاورين. وطبّق عليه الصلاة والسلام مبدأ الشورى في الكثير من المواقف، لا سيما في معركة الخندق حين عمل بمشورة سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة لصد هجوم قريش، وبعده طبّق مبدأ الشورى بدرجات متفاوتة في عهد الخلفاء الراشدين ومن تبعهم. لكن هذه الشورى لم تكن إجراء منظماً قائماً على المؤسسات، وبالتالي لم تشكل سلطة الى جانب سلطة الخليفة.
أيضاً لم تقترب الشورى من معنى ممارسة السلطة السياسية من جانب اهل "الحل والعقد" او اهل الشورى، ولم يتمتع هؤلاء بصفة تمثيلية بل بصفة تعيينية. فلما كان الفاروق عمر رضي الله عنه على فراش الموت عيّن رهطاً من الصحابة ليختاروا في ما بينهم خليفة للمسلمين.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم محصناً بصفته رسول الله الى الناس كافة مكّنته من جمع كلمة العرب وتوحيد صفوفهم تحت راية الدين الحنيف، ومثلت الخلافة الراشدة لا سيما خلافة ابو بكر وعمر رضي الله عنهما امتداداً للثورة الاجتماعية التي جاء بها الإسلام فحافظ الخلفاء الراشدون على تلك المبادئ التي نظمت علاقتهم بالجمهور والقائمة على العدل، وذلك قبل ان تظهر العصبية القبلية مجدداً في عهد عثمان مستمرة حتى استتباب الأمر لمعاوية بن ابي سفيان، إذ اتخذت الدولة الإسلامية طابعاً مختلفاً عما كانت عليه في عهد البعثة والخلفاء الراشدين حين اتصفت ببساطتها وغياب تراتبية السلطة، بل اقتربت البنية الإدارية فيها، كما أسسها الأمويون وطورها العباسيون، من البنية الإدارية لنموذج الدولة الامبراطورية الفرس والروم. هنا ابتعد عن مفهوم الثورة الاجتماعية للإسلام وعُمل بنظام الوراثة. فقام الحكم على اساس وراثة مدعومة بالعصبيات وعمل بعض الدوائر الفقهية على إسباغ صفة دينية على الحاكم. فانتقلت فكرة الواحدية من المجال الديني الى المجال السياسي. وحوفظ على البيعة كأمر شكلي هدف الى إضفاء الشرعية على الحكم. وفي هذا السياق قدّم عمر بن عبدالعزيز دلالات مهمة حين قال لعمّته التي أتت محتجة على مصادرته لأموال بني امية: "ان رسول الله مات وترك الناس على نهر مورود، فولّي ذلك النهر بعده رجلان لم يستخصا نفسيهما وأهلهما منه بشيء، ثم ولّيه ثالث فكرى منه ساقية، ثم لم يزل الناس يكرون منه السواقي حتى تركوه يابساً لا قطرة فيه. وإيم الله لئن أبقاني الله لأسكّرن تلك السواقي حتى أعيد النهر الى مجراه الأول" "الأغاني" 9/248 و"شرح نهج البلاغة" 4/141.
تنوعت صور قمع الحريات والمعارضة الدينية السياسية، فغابت أو غُيِّبت مفاهيم العدل والشورى من قاموس السلطة، وبقيت ضمن قاموس المعارضة. إلا ان هذه الشورى وهذا العدل لم يتخذا الطابع المؤسساتي الأمر الذي جعل قوى المعارضة تتجاهل تلك المفاهيم حين تسيطر على السلطة السياسية. ويشكل قمع المعتزلة وفكرهم وقبلهم اضطهاد الإمام احمد بن حنبل ومحنته ايام المأمون المعتزلي، احد الأمثلة على غياب المؤسسات الضامنة لسياسة العدل والتسامح مهما تبادلت قوى المعارضة وقوى السلطة المواقع. وعلى هذا، لم تقترب الشورى من المعنى السياسي لكلمة "ديموقراطية" بالمفهوم المعاصر، ولم ترق الى علاقة حاكم بمواطنين، ناهيك عن غياب مبدأ فصل السلطات عن المجال السياسي الإسلامي.
أدى غياب الطابع المؤسساتي للشورى الى تحولها لاحقاً الى مبدأ شكلي يُلتف عليه ويُستغل لإسباغ الشرعية على أنظمة الحكم. ولا تزال معظم شعوبنا العربية والإسلامية في عدد من اوطان المسلمين ترزح تحت نير هذا الموروث السياسي، الأمر الذي لا يكفي معه كما يحاول تنيرة تقديم تلك الصورة النادرة من الحوار السياسي في تاريخنا العربي الإسلامي لعرضها على الحكام حتى تحصل لهم العظة والعبرة، ذلك ان انتظار ان يدخل الإيمان الى قلوب بعض الحاكمين، هو ضرب من الطوباوية طالما ان "الشخصانية" تقوم بدور المؤسسات السياسية، ما يجعل القرار السياسي يصنع داخل أطر ضيقة تسلب المواطنين القدرة على المشاركة، فتصبح الكاريزمية هي مصدر الشرعية لأنظمة الحكم. ولتدعيم هذه الصفة الكاريزمية، يلجأ إعلام السلطة الى محاولات تنميق صور من التسامح السياسي الى غاية إعلامية لإظهار مدى تسامح هذا الحاكم أو ذاك، ومدى رأفته بشعبه. ويهدف هذا الترويج الإعلامي الى أن تصبح الحريات هبة فتكف عن ان تكون حقاً وأساساً يستمد منه الحكم شرعيته. ويندرج عدد من صور الحوار السياسي المختلفة التي تنقلها كتب التراث ضمن هذا السياق الإعلامي، بينما يجب ان ننظر الى الجانب السياسي في الإسلام كأمر زمني تشكل، كما أسلفنا، بالتراكم التاريخي، الأمر الذي يطرح مشروعية تناول هذا الجانب بالتمحيص وإمكان الاختلاف في وجهات النظر.
علينا أن نعتز بمبادئ الثورة الاجتماعية التي جاء بها الإسلام، لكن حتى تقترب الشورى من معنى الديموقراطية ولضمان الحوار السياسي الفاعل واستمراريته وتجذره في الحياة السياسية تبرز الحاجة الى عملية المأسسة، تلك التي غابت عن تاريخنا. هذه دعوة لأن يكف الباحثون عن التعامل مع قضايا التراث بشكل انتقائي واقتطاع المفاهيم التراثية من سياقها التاريخي، إذ إن هذه الانتقائية وهذا المنهج اللاتاريخي اشبه بوضع التراث في سرير بروقرسطس، الذي كان، كما تروي الحكاية، صاحب نزل وكانت أسرة النزل من مقاس واحد، فكان يعمد الى مط القصير وقص ساقي الطويل حتى يتناسب مقاس النزيل مع مقاس الأسرة.
* كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.