الكتاب: الإسلام في الألفية الثالثة، ديانة في صعود. الكاتب: مراد هوفمان. الناشر: مكتبة الشروق، 2001. في كانون الثاني يناير من عام 1998 أصدرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية ملحقاً خاصاً تحت عنوان "الإسلام اللغز" في سعي واضح من جانب القائمين على المجلة لتشويه صورة الإسلام الآخذ في الانتشار والصعود في أوروبا وأميركا ضمن خطة شاملة تهدف للإساءة الى المسلمين ودينهم. ولكن هل انحسر الإسلام من جراء هذا أم ان انتشاره اتسع ليكون حاضراً في أميركا وأوروبا على حد سواء؟ يرى مراد هوفمان في كتابه "الإسلام في الألفية الثالثة ديانة في صعود" ان الإسلام، على رغم السعي الدؤوب لتشويه صورته، استطاع ان يوجد لنفسه موضعاً رصيناً وعميقاً في أميركا وأوروبا الغربية. فمنذ سبعينات القرن الماضي أصبح الإسلام، حتى في المانيا ظاهرة دائمة، ومتمثلة كذلك في ال2578 مسجداً. ذلك ان الإسلام، المختلف كثيراً عن تصرفات أتباعه، يعترف بكل الحقوق التي ينادي بها الغربيون ولا يحسنون تطبيقها. ثم ان تحري العدل والصدق يتطلب من الغربيين التنويه بأن انتهاك حقوق الإنسان الذي تمارسه الدول الإسلامية، لا يقره الإسلام، ودوافعه غير إسلامية على الإطلاق. ومع ان العالم الإسلامي لم يعرف مثل أي من الانتهاكات التي شهدتها فترة الحكم الستاليني، والتفرقة العنصرية وحروب التطهير العرقي في البوسنة وكوسوفا، فإن الغرب صاحب التاريخ المتصل بانتهاك حقوق الإنسان، يلوح دائماً بعقوبة حجب المعونات الاقتصادية للتنمية في البلاد التي لا تمارس نظام حقوق الإنسان بالمفهوم الأوروبي - الأميركي. وأثبت العرب سواء في الاتحاد السوفياتي سابقاً أو الولاياتالمتحدة ان حقوق الإنسان ما هي إلا الورقة التي تضمنت هذه الحقوق. ويرى هوفمان "ان المرء ليس بحاجة الى ان يسأل أفراد جماعة الكولكوكس الآن المتطرفة عن ذلك، بل يكفيه النظر الى أحوال السود والهنود الحمر في أميركا". وبعد بحث طويل لقضية حقوق الإنسان في الغرب ونظيرتها عند المسلمين ينتقل هوفمان الى الحديث عن الحكم الإسلامي والديموقراطية عند المسلمين الذين لا ينقصهم فهم طبيعة السياسة ولا الرغبة في تقدم الدولة، الاقتصاد. كما ان القانون الإسلامي - أي الشريعة - لا يتطلب شكلاً محدداً للدولة المثالية. فعلى كل جيل من المسلمين أن يجتهد للتوصل الى تنظيم الدولة الذي يتماشى على أفضل سبيل مع موروثاته ودرجة تطوره. ان أهم الشروط التي يجب توافرها في كيان حكم اسلامي صحيح، هو ان يسود فيه الإجماع على من يحكم وما يحكم، أي أن يتم الحكم بموافقة الغالبية، حتى يكون هناك عقد بمفهوم روسو يحكم العلاقة بين الشعب والحكومة، ويسمى "العقد الاجتماعي"، متمثلاً في الإسلام بالبيعة. وعلى المسلمين ان يحققوا الديموقراطية في دولتهم، لأن أهم أهدافها ووظائفها تتمثل في تأمين وجود رقابة منظمة على الحكومات لمنع أي ظلم وتسلط وسوء استخدام للسلطة، ولا يمكن ان تتحقق الديموقراطية الإسلامية ما لم تتوافر لبناتها المتسع متمثلة بالقرآن الكريم الذي هو المصدر الأعلى للدستور. وأن توضع كل القوانين المستمدة من القرآن الكريم موضع اعتبار وقياس من جانب قانويين مسلمين. وبحسب هوفمان فإن قيام حياة نيابية إسلامية بناء على التوجيه القرآني بوجوب الشورى، وإذا كانت الشورى لا يمكن ان تتم في المجتمعات الحديثة ذات الكثافة العالية من خلال كل الأفراد، فإنه من الممكن جداً أن تتم من خلال مجلس منتخب يمثل ناخبيه اضافة الى الحاكم المسلم لأعضاء المجلس الشوري، ومن خلاله يقوم الحاكم بمراقبة نفسه بنفسه، ولذلك هناك تأييد متزايد للانتخابات العامة الحرة لممثلي الشعب، ويحظى هذا الاقتراح بموافقة غالبية المسلمين. ومع ان القرآن يذكر بإمكان حدوث اختلاف آراء ووجهات نظر عند المسلمين، إلا أنه يحثهم على تفادي الخلافات الداخلية ويحضهم على التآلف في ما بينهم. وهذا الاحتياج الى التآلف والوحدة قد يكون قوياً حتى انه يتسم ببعض السمات السلطوية، منعاً لحدوث قتال أو أي شكل آخر من أشكال العنف. ولما كانت السلطات الديموقراطية الإسلامية بحاجة الى تقسيم وتوزيع فإن هذا يطلب بطبيعة الحال وجود منفذين ومشرعين جنباً الى جنب. وبعد ان يتحدث هوفمان عن اللبنات الديموقراطية الإسلامية هذه يصل الى حقيقة ثابتة تتمثل في أن الإسلام في حد ذاته لا يعادي الديموقراطية، بل على النقيض يتضمن أساسيات لتوطيد أركان ديموقراطية إسلامية، ما على المسلمين إلا العمل على تحقيقها، وبناء عليه يبدو اتهام المسلمين والإسلام بالعداء للديموقراطية ضرباً من ضروب العنصرية. ولن تتشابه الديموقراطية الإسلامية بالضرورة مع تلك التي في "ويستمنستر" بريطانيا لأن العالم العربي الإسلامي يملك أشكالاً من التعددية والكونفديرالية والحضارة، وتوزيع السلطة ذات طبيعة خاصة به. وحتى في الغرب "فويستمنستر لا تشبه سوى ويستمنستر" ولا يصح أبداً تعريف الديموقراطية بالشكل الذي يؤدي الى وصف جماعة من الناس تؤمن بالله وتستمد من ايمانها هذا احكاماً وقيماً تحدد معاملاتها، كمواطنين بأنها غير مؤهلة لممارسة الديموقراطية. لأن في هذه الحال يصبح الأميركيون ديموقراطيين سيئين جداً، لأن القضاء على المسيحية ظاهرة أوروبية وليست أميركية. ويبقى التساؤل الذي يستحق التأمل هو: كيف يتم الترحيب بأحزاب مسيحية في كل من المانيا وايطاليا وفي الوقت نفسه توصف أحزاب اسلامية كالتي في تونس أو الجزائر بأنها غير اسلامية. ان تطور الديموقراطية في أوروبا استغرق عقوداً طويلة، وشهد انتكاسات مريرة، وبناء عليه يكون الصاق تهمة خروج العالم الإسلامي على التاريخ على حد وصف مارك هيلر من قبيل الأحكام المسبقة وانعدام المعرفة بالعلاقات والخلفيات. ولا يرى هوفمان فروقاً جوهرية بين الشريعة الإسلامية والقوانين الغربية التي تجيز المعاملات المختلفة للرجل والمرأة في الأمور المرتبطة باختلاف الجنس، مثل الخدمة العسكرية واجازة الحمل والوضع. أما الاختلافات الأخرى، مثل تعدد الزوجات، وحتى الطلاق وقوانين الإرث، فلا تعني الكثير للحياة اليومية التي يعيشها المسلم في الغرب، خصوصاً ان هؤلاء يتبعون القوانين الأوروبية وليس الإسلامية. ولا يمكن بأي حال ان نتهم القانون الإسلامي بأنه ظالم لأنه يقترب، بل يتطابق مع الطبيعة البشرية من دون تسطيح لمفهوم الطبيعة. وأخيراً يفند المؤلف المزاعم المعادية للإسلام ليصل الى قناعة تامة بمقولة منطقية هي: إذا كان مقدراً للإسلام ان يحقق في المستقبل المرئي نجاحاً في الغرب، فإنه سيحققه في الولاياتالمتحدة، وهناك أسباب كثيرة تؤيد هذا الرأي، بينما لا ينفيه إلا القليل جداً من المعطيات، ولعل من أهم الأسباب اتسام المسلمين في أميركا بصفات أميركية، مثل الديناميكية ودرجة تنظيمهم العالي، وفضائل المجتمع المدني، واحساسهم المهني العالي. والسؤال: هل ما زال هذا الأمر ممكناً بعد أن حدث ما حدث في أميركا أم أن المسلمين سيعانون هناك ما لم يعانوه في أكثر البلدان استبداداً وديكتاتورية؟