يُحرز المسلمون الأميركيون، تدريجاً، مكانة بارزة في الحكم، ويظهرون المهارة في مزاولة السياسة، بعدما كانوا، لسنوات طويلة، في موقع "المتفرّج"، وباتوا يُنتخبون لتولي المناصب الرسمية، ويساعدون مرشحين آخرين على الفوز في الانتخابات، ويمارسون دوراً قيادياً في أنشطة الأحزاب السياسية والأنشطة السياسية الحكومية، ويؤسسون حضوراً في السلطة القضائية للدولة. منذ أربع سنوات، سطع نجم لاري شو، وهو أفريقي أميركي من الحزب الديموقراطي، حقق نجاحاً في العمل التجاري، عندما تولى إدارة المطاعم في خمسين قاعدة عسكرية، وكان المسلم الأوّل الذي يُنتخب عضواً في المجلس التشريعي لإحدى الولايات. جرى انتخابه، في البداية، عضواً في مجلس نواب ولاية كارولينا الشمالية، وكان ذلك عام 1994. وبعد سنتين، فاز بمقعد في مجلس شيوخ الولاية. لم يكن الدين يوماً موضوع جدل في حياته السياسية، ونادراً ما أتى زملاؤه في المجلس على ذكره. يقول شو: "إنهم ينظرون إليّ كرجل أعمال ولا ينظرون إليّ من خلال انتمائي الديني". بدأ اهتمام شو بالدين الإسلامي في سن المراهقة، حينما كان يدرس حياة مالكولم اكس. وفي تشرين الثاني نوفمبر، لم يلق شو معارضة في حملة إعادة انتخابه1. في ذلك اليوم نفسه، انتخب اثنان من الديموقراطيين المسلمين لعضوية مجالس تشريعية. جرى انتخاب عائشة عبدالله أودياس لولاية ثانية عضواً في مجلس نواب ولاية رود أيلاند، فيما فاز صغير طاهر، وهو رئيس الاتحاد الإسلامي الأميركي، فرع نيو هامشاير، بمقعد في مجلس نواب الولاية. في 1998، أصبح قاضي وسكونسن، حامدي عز العرب، أول مسلم يُنتخب عضواً في هيئة إحدى المحاكم في الولاياتالمتحدة. إنه مؤسس فرع فتشبرغ وسكونسن للاتحاد الإسلامي - الأميركي. و بعد أن أعيد انتخابه للمرة الثانية في عام 2000، بات يتقاسم شرف الانتماء إلى سلك القضاء مع قاضيين مسلمين آخرين، هما داود شهيد من ولاية إنديانا، وعبدالمجيد من ولاية فلوريدا، وكلاهما انتُخِب في السابع من تشرين الثاني نوفمبر 2000. ومن بين السبّاقين أيضاً، المحامي عريق علي خان من لوس انجلس، وهو أول مسلم يصبح مساعداً لوزير العدل الأميركي، وهو منصب مهم في السلطة القضائية الفيديرالية. وعندما يخوض بعض المسلمين، المعترك الانتخابي، يشهدون، عن كثب، ذلك الوجه الصاخب والعنيف للنشاط الحزبي، ويختبرون التحيز العرقي والديني البشع الذي يسمم هذه العملية أحياناً. كما يبتهجون عندما يزيل المواطنون الصالحون هذه السموم. في تشرين الثاني نوفمبر 1997، كان للمسلمين دور حاسم، لكنه بلا تخطيط، أدّوه قبيل إقفال صناديق الاقتراع، أثناء الانتخابات البلدية في مدينة هامترامك الصغيرة في ولاية متشيغان. فقد أثبتوا أن عدداً قليلاً من الأصوات يمكن أن يصنع انتصاراً كبيراً. وبيان ذلك أن عدد سكان المدينة كان 20,000 نسمة، وكان البولنديون الكاثوليك يشكلون 40 في المئة منهم، والمسلمون 20 في المئة، ومعظم الباقين من المسيحيين الذين ينتمون إلى طوائف متعددة. وأدى تأخر الناخبين المسلمين عن التصويت إلى خسارة المحافظ روبرت كوزارين، المرشح للفوز بولاية سنتين للمرة الحادية عشرة، وكانت هذه الخسارة لمصلحة غاري ل. زيك، بفارق تسعة أصوات. وفي أحد قراراته الأولى التي اتّخذها بصفته محافظاً، عيّن شحاد أحمد مديراً للثقافات المتعددة، ونفروس نازاركو مديراً لمصلحة الضرائب، وهما أول مُسْلِمَيْن في تاريخ بلدية هامترامك يعيّنان في مناصب إدارية. وبعد عام، أسست مجموعة من مناصري كوزارين المتطرفين حركة أَطْلقت عليها اسم "مواطنون مهتمون بتحسين مدينة هامترامك". وقد جمعوا عدداً كافياً من التواقيع لفرض إجراء انتخابات خاصّة، على مستوى المدينة في حزيران يونيو 1999، للاقتراع على عزل زيك من منصبه. رفض الناخبون الاقتراح، لكن حركة المواطنين المهتمين لم تتراجع عن هجومها. فلما أعلن المحافظ أنه سيسعى من أجل ولاية أخرى في الانتخابات العادية بعد ستة أشهر، نالت المجموعة المعارِضة، من أمينة المجلس البلدي إثيل فيدلر، موافقتها على أن يَعْمل عدد من أعضائها، يوم الانتخاب، كمدققين رسميين في عملية الاقتراع. وكان هذا يعني أن في استطاعة هؤلاء الأعضاء البقاء داخل مراكز الاقتراع أثناء الانتخاب، والطعن بأهلية المواطنين الذين يرغبون بالتشكيك في شرعية تصويتهم. قبل أسبوع من التصويت، علم بهذه الخطوة المدير الإقليمي للجنة الأميركية العربية المناهضة للتمييز فرع ديترويت، عماد حمد، فتوجّه إلى من تتولّى منصب النائب العام في ولاية متشيغان، وهي جينفر غرانهولم، وقدم لها التماساً أبدى فيه قلقه من أن تُبنى الطعون في أهلية التصويت "على أساس الأصول القومية حصراً، وحضها على "التأكد من أن الناخبين المسجلين بحسب الأصول لن يواجهوا تمييزاً أو مضايقات أثناء عملية الاقتراع"2. وفي الوقت نفسه، أبلغ المحافظ زيك المكتب الانتخابي للولاية أن فيدلر، وهي صديقة مقربة من رئيس حركة المواطنين، روبرت زاليوسكي، قد لا تستطيع منع المدققين من إساءة استخدام القانون"3. فقانون متشيغان يجيز التدقيق فقط في حال كون أهلية الناخب موضع شك لسبب منطقي. في يوم الانتخاب، وعلى رغم التدابير الوقائية، جرى الطعن تعسُّفاً في حقوق اقتراع عدد من الأشخاص الذين بَدَوْا غرباء في مظهرهم. فقد طُلب من بعضهم إبراز جوازات سفرهم قبل التصويت، مع أنهم قد أبرزوا بطاقات تثبت أهليّتهم للاقتراع. ووافق آخرون، بعد احتجاج شديد في بعض الأحيان، على القَسَم رسميّاً بمواطنيتهم في مركز الاقتراع، في حين أن عدداً آخر من المواطنين، وقد ساءهم هذا الطلب الغريب، أصرّوا على الرفض، وسمح لهم أخيراً بالتصويت دون قسم. وهناك أيضاً من لم يقدموا على الاقتراع بعد أن شاهدوا المشاحنات الصاخبة في المراكز، أو سمعوا عنها من أصدقائهم. وأفاد عضو آخر في فريق زيك، يدعى دايفيد بولز، أن بعض النساء اللواتي تناول الشك أهليَّتهنّ كن يرتدين الزي الإسلامي التقليدي. وأضاف أنه، عندما سئل ممثلو حركة المواطنين عن أسباب طعونهم، كانت إجاباتهم نموذجية: "ليس هناك من سبب محدد". "انظروا إلى مظهرها أو مظهره". "أصغوا إلى طريقة تكلمها الإنكليزية أو تكلمه". أو "إنها لا تكاد تجيد الكتابة كي تملأ الاستمارة، وهو كذلك". بدورها، أفادت فيرجينيا وينارسكي "أن هذه الانتخابات جرت بشكل مخزٍ. فقد كانوا ينقضّون بوقاحة على الناخبين الذين بدوا كالأجانب. لقد مارست العمل الانتخابي طوال السنوات السبع والعشرين الماضية، ولم أشهد إطلاقاً أموراً على هذه الدرجة من التفاهة". أما ناجي صالح، وهو من مواليد اليمن، فقد جرى التشكيك في صوته، على رغم كونه مواطناً أميركيّاً منذ سنوات طويلة، وقد مارس، على الدوام، حقه بالاقتراع في هامترامك. ويقول بأسًى: "لم يسبق إطلاقاً أن تعرضت للاستجواب". بعد أسبوعين من الانتخابات، اتهمت صحيفة "هامترامك سيتيزن"، في افتتاحيتها، المدققين التابعين ل"حركة المواطنين المهتمين بتحسين هامترامك" بمحاولة تهديد مجموعة من الناخبين، المعروفين بتأييدهم لغاري زيك و"ازدراء القانون، والاستهداف المخزي للناخبين العرب والبنغاليين". استنكرت الافتتاحية هذه الأساليب باعتبارها أساليب "بشعة لا تمت بصلة إلى السلوك الأميركي"، وأضافت: "إن محاولة إخافة الناخبين، ومنعهم من ممارسة حقّ دستوري أساسي تصرف جبان. فلطالما رحّبت مدينة هامترامك بالمهاجرين وسهّلت عليهم الانطلاقة الأولى في هذه البلاد. وقد دنّست حركة المواطنين المهتمين هذا التراث"6. ويعتقد ناشر مجلة "أراب أميركان جورنال"، الصادرة في ديترويت، نهاد الحاج، أن للدور الإسلامي، في انتصار زيك بفارق تسعة أصوات عام 1997، أهمية خاصة، ويقول:"كان ذلك إثباتاً للمسلمين أنهم يستطيعون إحداث فرق في يوم الانتخابات، وتذكيراً لنا جميعاً بأن لكل صوت أهمية". كما أظهر ذلك الانتصار أهمية العمل المناضل في الحملات الانتخابية، ولو في الساعات الأخيرة من إقفال مراكز الاقتراع. إن الفشل الانتخابي لاقتراح عزل المحافظ زيك من منصبه، وانتصارُه اللاحق على التكتيكات العصبية التي اعتُمدت يوم الانتخاب، ينبغي أن يلهما الآخرين الذين يدخلون الساحة السياسية للدفاع بصلابة عن حقوقهم الشرعية. أما أولئك الذين يخضعون لأساليب التهديد، فإنهم، بكل بساطة، يشحذون همّة المستأسدين. إن لائحة الناشطين السياسيين المسلمين تكبر: في نيويورك، ثاني أكبر ولاية في البلاد، سطع نجما اثنين من المسلمين في المجال السياسي، أحدهما من الحزب الديموقراطي، والآخر من الحزب الجمهوري. في 1996، أصبح الديموقراطي مرشد عَلَم، العالم الكيميائي البالغ من العمر واحداً وأربعين عاما، وهو من مواليد بنغلاديش، أول مهاجر من جنوب آسيا يفوز، في الانتخابات، بمنصب عام في مدينة نيويورك. وكان هذا المنصب غير الحزبي، مَقْعداً في المجلس المدرسي، في المنطقة 29 من مدينة نيويورك. وبعد عامين، حَصَلَ على 41 في المئة من أصوات الناخبين، فأثبت وجوده كسياسي ينتظره مستقبل واعد، وكاد يُفْشل مسعى السيناتور الجمهوري القديم فرانك بادافان لإعادة انتخابه في بلدة كوينز، على الرغم من معارضة حزبه والقيادات النقابية. وتحدى السيناتور الأميركي باتريك موينيهان خط الحزب بموافقته على ترشيح عَلَم. وكانت هذه الموافقة بادرة وصفتها صحيفة "نيوزداي" الصادرة في كوينز بأنها نادرة. قال موينيهان في رسالة موجهة لعَلَم: "نادراً ما أعلن تأييدي لمرشحي المناصب المحلية. وها أنا، الآن، أقرر كسْر القاعدة بسبب سجلّك الحافل. إن هذه الإنجازات، علاوة على صوتك المعبر عن شجون الأميركيين الجدد من جنوب آسيا، تبشّر كلّها بنجاحك". وحاز عَلَم، أيضاً، على تأييد الصينيين الأميركيين، ومنهم جيمي ميند، وهو صيني أميركي بارز، اشتكى أمام مراسل صحفي يوماً، قائلاً: "لدينا عدد كبير من الآسيويين الأميركيين في كوينز، وليس لدينا أي نائب منتخب يمثّل جماعتنا". ويتحدث عَلَم، بحيوية وثقة وصدق، عن طريقة إدارته لحملته الانتخابية فيقول: "عملنا، أنا وزوجتي، ساعات طوالاً كل يوم لأكثر من عام دون توقف، حتى حلول يوم الانتخابات". كانت هي تتولى ناحية من الشارع، وكنت، أنا أتولى الناحية الأخرى. طرقنا آلاف الأبواب، الآلاف المؤلفة من الأبواب"8. ولمّا قطف ثمرة جهوده، قال: "تمكنت من اجتذاب تأييد معظم الاتجاهات السياسية، بالتشديد على اهتماماتي كأب، وكمكلّف دفع الضريبة. في حين أن إيماني بالمبادئ الأخلاقية التقليدية والقيم العائلية ساعدني على الفوز بدعم المحافظين، وساعدني نشاطي في دعم قضايا العمال والمهاجرين على الوصول إلى القوى الأكثر تحرّرا". كان من الصعب الحصول على تمويل للحملة الانتخابية، لكن نتائج الانتخابات فاقت توقعاته. كان يتصور قبل البدء بحملته أنه سيحتاج لمبلغ 200000 دولار لتحقيق هدفه، أي 15 في المئة من مجمل أصوات المقترعين التي كان يتوقعها، وبعد فرز الأصوات، تبين أنه حصل على ثلاثة أضعاف تلك النسبة، مع أن نفقات حملته بلغت 35000 دولار فقط، في حين أن بادافان، بحسب قوله هو، أنفق نحو 500000 دولار. وبعد بضعة أيام من إخفاقه بفارق ضئيل، في الفوز بمنصب سيناتور للولاية، باشر حملة جديدة، ولكن هذه المرة من أجل انتخابات المجلس البلدي لمدينة نيويورك للعام 20019. وهو يتوقع، هذه المرة، تأييد الحزب الديموقراطي والاتحادات العمالية، لأنه يؤمن أن قادة هذه المجموعات ينظرون إليه، الآن، كشخص قادر على الفوز. نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، صورة مكبَّرة لعَلَم، وهو يتحدث في اجتماع لمنظمة من تأسيسه تحمل اسم النادي الأميركي الديموقراطي الجديد. وصفت الصحيفة النادي بأنه صورة مصغرة عن المدينة، فقد كان من بين الحاضرين مهاجرون من كوريا وتايوان والهند والباكستان وكولومبيا وبنغلادش، إضافة إلى أفريقيين - أميركيين من بروكلين. واستشهدت الصحيفة، في زاوية "اقتباس اليوم"، بقول عَلَم "إن السياسة هي نفسها في كل مكان من العالم. ولا أحد مستعد للتخلي عن السلطة. لكن الزمن يتغير اليوم". في انتخابات عام 2000 الأولية، حقق بيل قريشي امتيازاً، بكونه واحداً من المسلمين الأوائل في كاليفورنيا الذين يرشّحهم حزب سياسي رئيسي في انتخابات مجلس النواب الأميركي، لقد فاز بيل بترشيح الحزب الجمهوري في منطقة كاليفورنيا الرابعة عشرة، ولكنه خسر في انتخابات تشرين الثاني نوفمبر. وفي عمليات تصويت أخرى جرت ذلك اليوم، وفي مقاطعة أورانج، فشل محام شاب وقائد ديموقراطي، هاجر من إيران في سن الرابعة عشرة، فشل في مسعاه للحصول على ترشيح الحزب الديموقراطي لمقعد في الكونغرس عن المقاطعة 47، كما فشل خالد جعفري في الحصول على ترشيح الجمهوريين لمقعد عن المقاطعة 43. أما المحامي إيريك فيكرز، وهو إفريقي أميركي، وصَوتٌ صاعد في العمل السياسي في سانت لويس، فقد خاضَ حملة فاشلة للفوز بترشيح الحزب الديموقراطي في منطقة ميسوري. وسعى المهاجر المسلم إلياس زنكيش، الجمهوري، المولود في البوسنة، الذي أصبح صاحب مصنع ناجح في إحدى مناطق شيكاغو، للترشّح في انتخابات مجلس النواب الأميركي مرتين: مرةً في العام 1992، ومرة في العام 1994، ففشل في الحلول محل الديموقراطي دان روستنكوسكي، الرئيس النافذ للجنة الطرائق والموارد المالية في مجلس النواب. وهو يقول: "يسرني أنني ترشّحت، وكنت في كلتا المرتين أقرب إلى الفوز مما كنت أتوقع. في هذه البلاد، يستطيع الجميع المشاركة في الحياة السياسية، ومن المهم اغتنام الفرص للعمل ضمن النظام. إنني أشارك في الحملة الانتخابية الرئاسية هذا العام، وأحاول أن أساعد الجماعات العرقية في شيكاغو". وفي نيسان إبريل سنة 2000، أصبح زنكيش أمين صندوق الفرع الإقليمي للحلف الأميركي الإسلامي الذي أُسس حديثاً في شيكاغو. وتكبر لائحة المسلمين الذين بدأوا يتعلّمون أساليب الحملات الانتخابية، ويسعون لانتخابهم لمناصب عامة محلية، أو على مستوى الولاية. ففي ولاية كارولينا الشمالية، خدم أحد المسلمين في الحقل العام لمدة ثمانية عشر عاماً. إنه ناصيف رشاد مجيد، الطيّار السابق في سلاح الجو الأميركي، ذو الخبرة القتالية في فيتنام، الذي فاز بمقعد في المجلس البلدي في شارلوت، واحتفظ به لأربع ولايات متتالية، مدة الواحدة سنتان. وكان قد شغل في السنوات العشر السابقة مناصب بلدية عدة، من بينها منصب عضو في مجلس الإسكان لمدة خمس سنوات. وهو يعمل حاليًّا في التجارة العالمية. وفي كاليفورنيا، فاز السيد محمود بترشيح الجمهوريين له في المنطقة الثامنة عشرة، ولكنه خسر في الانتخابات العامة. وشن آخرون حملات للحصول على الترشيح الحزبي، ولكن دون نتيجة. فخسر الجمهوري رفعت محمود في انتخابات المنطقة الثالثة عشرة في كاليفورنيا. أما في ولاية أطلنطا، فخسر مسّاح الأراضي المحترف ونائب رئيس لجنة المواطنين المناصرين للعدالة، كريم شهيد، ترشيح الحزب الديموقراطي لمقعد في مجلس الولاية. أما المحامية الديموقراطية لطيفة محمد، أول مسلمة تعمل كعضو في المجلس البلدي في توسكيجي، في ولاية ألاباما لمدة أربع سنوات، فقد فشلت في محاولتها الوصول إلى منصب محافظ في تشرين الثاني نوفمبر 2000. وفي مدينة بروسبكت بارك بولاية نيوجرسي، فاز رجل الأعمال المسلم الديموقراطي، حسن فهمي، الحائز ميدالية الجدارة عن الإنجازات المدنية من الرئيس رونالد ريغان، بمقعد في المجلس البلدي. في العام 1999، ولإثبات أن الترشيح تجربة تكسب الخبرة، خسر الجمهوري شيرالي خواجة في كاليفورنيا، عندما سعى للفوز بمنصب أمين صندوق مدينة مونتيبيلو بفارق مئتي صوت: "إنني ألوم نفسي على هذه الخسارة. لقد أغفلت السعي وراء أصوات المتغيبين التي كان من الممكن، باعتقادي، أن تحدث فرقاً. لكنني تعلمت الكثير أثناء الحملة الانتخابية، وأبليت بلاءً حسناً في المناظرات العامة مع شخصين آخرين كانا يسعيان للفوز بالمنصب". وينوي خواجة، وهو قائد في نادي الروتاري ونشاطات مَدَنيَّة أخرى، أن يشارك في انتخابات المجلس البلدي في مدينة مونتيبيلو للعام 2001. ويجري انتخاب أعداد لا بأس بها من المسلمين، كموفدين الى مؤتمرات سياسية على الصعيدين المحلي والوطني. شارك ثلاثون مسلماً كموفدين إلى المؤتمر الديموقراطي الوطني للترشيحات الرئاسية في آب أغسطس 2000. ويشارك بعض المسلمين في حملات انتخابية للوائح كاملة من المرشحين، في حين أن آخرين يركّزون طاقاتهم في دعم الأفراد، وآخرون يضعون القضايا فوق الانتماء الحزبي. فالطبيبة طلعت خان من لوس أنجلس عضو في الحزب الجمهوري والدائرة الداخلية لأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في مبنى الكابيتول، حيث ترمز العضوية لهبات سخيّة، ولكنها مؤيدة لحزبين في حملاتها الانتخابية. إنها تعمل بإخلاص للحزب الجمهوري وإلى حدّ معين، لكنها تتخطى الحدود لتدعم علناً، باندفاع وسخاء، مرشحي الحزب الديموقراطي الذين يدعمون قضايا تلتزمها هي شخصيًّا. وطلعت امرأة ناشطة. تبلغ من العمر التاسعة والأربعين، وهي من التابعية الهندية: متزوجة وأم لثلاثة أولاد يذهبون إلى المدرسة، حائزة رتبة نقيبة في احتياطي سلاح الجو الأميركي، تمارس، بنشاط، مهنتها كطبيبة أطفال وطبيبة نسائية في ألطا لوما، إلى جانب انخراطها النشيط في المنظمات المهنية والمدنية الخيرية الإسلامية. إنها مؤسسة العيادة الإسلامية المجّانية المفتوحة أمام جميع المواطنين مجّاناً. تشن الحملات ضد إساءة معاملة النساء، مع الانتباه إلى الطالبات اللواتي يصادفن تحدّيات استثنائية، إن كن مسلمات. تقول: "يجري استفرادهنّ لأنهنّ يرتدين غطاء الرأس، ولا يستطعن المشاركة ببعض النشاطات التربوية البدنية، كالسباحة، لأن هذه النشاطات تضطرهن لكشف أجسادهن، وبالتالي يخرقن قواعد الاحتشام الإسلامية"11. في تشرين الثاني نوفمبر 1999، بدأ سهيل أ. خان، ذو الخامسة والثلاثين، عمله كسكرتير صحفي وكناطق باسم حملة توماس كامبل، من بلدة كامبل كاليفورنيا، عندما أعلن خوض المعركة لنيل ترشيح الحزب الجمهوري، لمقعد في مجلس الشيوخ الأميركي. واستمر خان في عمله هذا، بعد اختيار الجمهوريين لكامبل كمنافس لإعادة انتخاب السيناتور الديموقراطي ديان فينستين. وكان خان، قبل توليه هذا العمل، قد عمل مساعداً لكامبل في الشؤون التشريعية بواشنطن. وقد استمعت إليه في 1997، وهو يتحدث إلى جمهور مسلم عريض في مدينة شيكاغو، حيث جذب اهتمام المستمعين، وهو يتكلم بثقة وجدية عن مسؤوليات طاقمه. قد لفتت تلك الحملة انتباه الأمة الأميركية إلى كامبل، وإلى هذا المسلم المتحدث باسمه. أصبح كامبل السناتور المفضّل في وسط المسلمين، عندما رعى مشروع قانون إبطال الأدلّة السّريّة، وهو قانون لمنع السريّة عن جلسات الاستماع إلى الشهود في قضايا الترحيل. وأعلن كامبل أن هذه السّريّة هي خرق للحقوق الدستورية المعمول بها. وحين قدّم كامبل مشروع القانون هذا، كان خمسة وعشرون مهاجراً، بينهم عشرون من المسلمين أو العرب، موقوفين بانتظار احتمال ترحيلهم، بناءً على شهادات سّريّة. وبنهاية العام، وصل مشروع القانون الى اللجنة القضائية، وكان قد حصل في هذا الوقت على أكثر من مئة مؤيد. أما المعارضة الوحيدة لمشروع القانون هذا، فقد جاءت من عصبة مناهضة الافتراء واللجنة الأميركية - اليهودية. وبمساعدة راي لحود الجمهوري من ولاية إيلينوي، وممثلَيْن من الكونغرس هما: دايفد بونيور، الديموقراطي عن ولاية متشيغان، ومارك سانفورد، الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، استطاع كامبل الفوز بمناوشة تشريعية لمصلحة المهاجرين في حزيران يونيو 2000، عندما حظي تعديله، القاضي بمنع تمويل قضايا الشهادات السرية، والذي طُرح في مجلس النواب، على أكثرية 239 صوتاً من الحزبين، مقابل 173 صوتا12. وكانت هذه واحدة من المرات القليلة في التاريخ الأميركي التي ترفض فيها الأكثرية في المجلس، توصية من منظمات يهودية رئيسية. وقد أعربت اللجنة الأميركية اليهودية عن "عميق خيبتها". واعتبر المسلمون هذا القرار نصراً لهم. وفي حزيران يونيو 2000، أظهر استفتاء شمل 750 مسلماً أن 87 في المئة منهم اعتبروا أن المجتمع الإسلامي يشكّل هدفاً رئيسيّاً لدائرة الهجرة والتجنيس، بسلطتها المثيرة للجدل التي تخوّلها استخدام الأدلة السّريّة في إجراءاتها ضد أشخاص متّهمين بالهجرة غير القانونية. وكانت شركة زغبني انترناشونال قد أجرت هذا الاستفتاء لمصلحة المجلس الإسلامي الأميركي، وهو من أوائل وأقوى المعترضين على قانون سرّية الدلائل. ووفقاّ لهذا القانون، تُكتم مثل هذه الأدلة عن المتّهمين، ولكنها يمكن أن تستخدم كأساس لإجراء الترحيل. وكان كامبل، أيضاً، معارضاً لاستمرار العقوبات الاقتصادية ضد العراق، بحجة أنها تتسبب بمصاعب جمة للناس الأبرياء13. وتمثّل المواطنة ريما نشاشيبي من كاليفورنيا نموذجاً للدور السياسي الذي يمكن أن تضطلع به المرأة المسلمة. إنها فلسطينية من مواليد القدس، تلقّت علومها في الجامعة الأميركية في بيروت، وتعيش في أورانج كاونتي. وطالما كانت من الشخصيات البارزة في الحزب الديموقراطي في كالفورنيا. تقول مبتسمة،" إنني أقوم بوظيفتين ذَوَاتَيْ دوام كامل: الأولى في شركة تأمين لأعيل نفسي، والثانية كمتطوّعة في النشاط السياسي للحزب الديموقراطي". إن التزامها وحماستها دفعاها للوصول إلى مناصب عليا في الحزب، ولكنها تؤدّي، أيضاً، دوراً قياديّاً في مشاريع تراثية لاحزبية. فقد أنشأت صندوقاً للمنح، يكافئ الأفراد الذين يسجلون أسماء العرب الأميركيين للانتخاب، وتنظّم المشاريع التي تهدف إلى الحفاظ على الفنون والأزياء الفلسطينية. كيف يمكن للمسلمين الانطلاق في العمل السياسي؟ تجيب نشاشيبي:"الطريقة نفسها التي ينطلق فيها المواطنون الآخرون: تَوجَّهْ إلى المركز الرئيسي للحزب السياسي الذي تختاره واعرضْ مساعدتك. أو، إن كانت الحملة قائمة، توجَّهْ إلى المركز الرئيسي للمرشح الذي تفضّله. أو اقصدْ مسؤولاً منتخباً، واعرضْ عليه أن تعمل كمتدرّب أو متطوّع. إن قادة الحزب المحلّيين يمكنهم توجيهك في الاتّجاه الصحيح". إذا ذكرت مسألة الدين، فما الذي ينبغي للمسلم أن يقوله؟ "قبل كل شيء، لا تكن دفاعيّاً. كن واقعيّاً في التحدّث عن ديانتك. عادة، يكفي أن تقول إن الإسلام يشبه المسيحية واليهودية بنواحٍ عديدة. إنها تفاصيل كافية بالنسبة للكثيرين. ولكن، إذا استمرّ النقاش، ستحظى بفرصة لتوضيح بعض الأفكار النمطية المغلوطة. كما يمكنك أن تذكر أن لديك الكثير من المعارف في المجتمع الإسلامي، وأنك قد تتمكن من حمل بعضهم على التصويت يوم الانتخابات، وربما التطوع في الحملة الانتخابية". هل مشاركة النساء المسلمات في العمل السياسي الحزبي تلقى ترحيباً؟ "ذلك أمر طبيعي، وكلما كان العدد أكثر كان ذلك أفضل. أنا امرأة مسلمة. وفي بعض البلدان الإسلامية، تميل النساء إلى البقاء في الساحة الخلفية، ولكن ليس في أميركا. إن جميع المسؤولين الرسميين المنتخبين في ولاية أريزونا هم من النساء. إن النساء يكتسبن الشهرة في جميع المهن، وليس فقط في العمل السياسي. سمعت، مؤخّراً، أن عدد النساء في كليات الحقوق الآن يفوق عدد الرجال، وأن أميركا لم تَعُد عالماً للرجال فحسب". هل سيرحّب بالنساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب التقليدي والملابس الطويلة الفضفاضة، وهل سيشعر هؤلاء النساء بالارتياح؟ "سيرحب بهنّ تماماً كالنساء المسلمات مثلي، اللواتي يرتدين الملابس الغربية. في البدء قد يُرمَقْن بنظرة عَجْلَى أو نظرتين، ولكن حالما يتعرَّف بعضهم إلى بعض، فلن يشكّل لباسهنّ أيّ فرق". إن العدد الكبير للمسلمين الأميركيين، الذين تولّوا المسؤوليات في الساحة السياسية للعام 2000، أمرٌ مشجع. ويعود أحد أسباب ذلك إلى خلوّ الساحة، تقريباً، من أسماء المسلمين قبل أربع سنوات. ويلقّب المسلمون أحيانا ب"العملاق النائم"، لأنّ معظمهم، تقريباً، يحتفظون بأرصدة ضخمة معطّلة، ماليّة وغير ماليّة، يمكن تحويلها إلى نفوذ سياسي. إن قانون الاستمرارية قوة هائلة معروفة جيّداً في العلوم الطبيعية، وهذه القوّة ذاتها موجودة في داخل من يطمحون لأن يصبحوا سياسيين. ذات يومٍ بعد الظهر، وخلال محادثة في حجرة إيداع المعاطف، خارج قاعة مجلس النواب الأميركي، استمعت إلى تيم لي كارتر، الطبيب الذي توقف عن ممارسة الطب في ولاية كينتاكي ليصبح عضواً في الكونغرس، استمعت إليه يتحدّث عن حكمة، أدركها بعد أربعين عاما من العمل السياسي، مفادها: "أن أصعب مراحل الانتخاب، للظفر بمقعد في الكونغرس، هي اتخاذ القرار بالترشّح". لم أفكّر في الأمر بهذه الطريقة إطلاقاً، لكنه كان محقًّا. فالخطوة الأولى تلك، هي الخطوة الأعظم. إن معظم الأميركيين وليس المسلمين وحدهم، يتجنبون العمل السياسي، والترشح، بسبب تلك الخطوة الأولى، بما تنطوي عليه من تحدٍّ. والواقع أنهم نادراً ما يقترعون. فزهاء نصف الناخبين المؤهلين يتخلّفون عن التوجه إلى مراكز الاقتراع، حتى في الانتخابات الرئاسية. ويبلغ الإقبال على الاقتراع، في بعض الانتخابات المحلّية، ما نسبته 5 في المئة أو أقل من عدد الناخبين المؤهلين. وغالباً ما تحسم الانتخابات حفنة من الأصوات. والذين يتخلّفون عن الاقتراع عليهم أن يخجلوا من أنفسهم. إنهم، بتخلّفهم عن القيام بواجب المواطنية الأساسي، يلحقون العار بإرث عظيم، ويبدّدون حقّاً ثميناً. إن مصدر السلطة كلها، ومصدر السياسة كلها، هو الناخب. ومن خلال السياسة، يمكن للمواطن أن يساعد على توجيه عمل الحكومة في المجالات كافّة. على مر السنين، كنت أسمع الكثيرين يقولون، "إنني أتجنب السياسة. إن الانخراط فيها لا يستحقّ الجهد". وبعضهم كان أكثر تحديداً: "إن الانخراط في العمل السياسي قد يؤذي مهنتي، ويَحُول دون حصولي على وظيفة أفضل". "إنها تسيء إلى الأعمال التجارية بالتأكيد". "أفضّل خدمة القضايا النبيلة الأقل جدلية". إن نهاد عوض، المدير الوطني لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، الذي لا يشارك، يلخص أعذاراً لعدم المشاركة غالبا ما يسمعها من المسلمين، بالقول: "ليس هناك جدوى من المحاولة". "إنها مضيعة للجهد". "إنّ شخصاً واحداً لا يستطيع إنجاز أي شيء". "إنّ النظام فاسد ولا أخلاقيّ. ويجدر بنا عدم تلطيخ أنفسنا بالمشاركة". "نخشى، في حال انخراطنا في العمل السياسي، أن تبدأ المباحث الفيدرالية بمضايقتنا. لهذا السبب، لن أوقّع حتى على عريضة". والمسلمون، كسائر المواطنين، غالباً ما يستخفّون بإمكانياتهم. فمعظم الناس يفترضون، خطأً، أن حساباً مصرفيّاً ضخماً، وأصدقاءَ نافذين سياسيّاً، أمران أساسيّان للنجاح في السياسة، في حين أن التاريخ يثبت غير ذلك. أُمثِّل على ذلك ببول سايمون. إنه من ولاية إيلينوي، رجل ديموقراطي أعرفه وأحترمه منذ خمسين عاماً. لقد دخل الساحة السياسية دون أية روابط حزبية. دخلها وفي جيبه حفنة من الدولارات. وتعتبر حياة هذا الرجل اللوثري إحدى قصص النجاح العظيم في السياسة الأميركية. وهو يتميز بنزاهته وبما حققه من إنجازات شخصية في السياسة العامة. وقد حاز تنويهاً من المجلس التشريعي في إيلينوي، ومن الكونغرس، وكان موضع ثناء شديد كمرشح للرئاسة، قبل أن يتولّى منصباً أكاديمياً في جامعة إيلينوي الجنوبية14. ويبدو أن السياسيين المماثلين لسايمون رجال قلائل. وذلك لأسباب عدة، منها: سمعة العمل السياسي المشبوهة، كون النشاط السياسي، مَثَلُه كَمَثَلِ سائر المساعي البشرية، أبعد ما يكون عن النقاء. إذ من الممكن أن ينطوي على الفحش والفساد والارتزاق والانتهازية وانعدام الفائدة. كما أن بعضهم يخرجون من العمل السياسي ملطّخي السمعة. حتى الرؤساء الأميركيون ينحرفون أحياناً عن جادَّة الصواب، ويسقطون من عليائهم سقوطاً مدويّاً. فالسفير الراحل أدلاي إي. ستيفنسون الثاني، الذي شغل في سبرينغفيلد، لولايتين اثنتين، منصب حاكم ولاية إيلينوي، لاحظ، ذات مرة، "أن الصدق بمستوى التقوى، وفي سبرينغفيلد هو بمستوى المستحيل". ولعلَّ ستيفنسون، الذي اختير مرتين كمرشح للحزب الديموقراطي لمنافسة الجمهوري دوايت د. آيزنهاور على الرئاسة، لعلّه لم يقصد المزاح حين أدلى بهذا القول. في ذلك الوقت، وبالرغم من مساعي سايمون، بقي الفساد متفشّياً في أروقة مجلس ولاية إيلينوي في سبرينغفيلد. وقد كشف أحد أعضاء مجلس الشيوخ في الولاية، ذات يوم، أنه خرج للتوّ من اجتماع خاصّ رأى فيه مبلغ 40000 دولار نقداً لشراء أصوات لمصلحة مشروع قانون قيد الدرس. والسلوك السياسي السيّئ يحصل من الجانبين السياسيين. فلمّا توفي الديموقراطي بول باول، وكان وزيراً للخارجية ذا شعبية عارمة، وجد المحقّقون، في خزانة بجناحه في الفندق، علب أحذية مليئة بالنقود. قال أصدقاؤه المقرّبون إن المال قد تراكم، لأن باول كان يتّبع عادة شخصية مربحة خلال سيرته السياسية الطويلة. فقد تعود أن يحتفظ، لاستخدامات شخصية، بنصف التبرّعات السياسية التي يتلقّاها. فلما توفي، سخر أحد معاصريه قائلاً: "لقد أصيب بنوبة قلبية حين فتح إحدى علب الأحذية، ووَجَد بداخلها حذاءً". إن بيع النفوذ عمل تجاري مربح في واشنطن، يؤمّن الوظيفة بدوام كامل، لأكثر من عشرة آلاف شخص. وتمارس جماعات الضغط هذه، مزوَّدةً بالأموال المخصّصة للحملات الانتخابية، نفوذاً على المشرّعين أكبر من نفوذ الناخبين في الدوائر الانتخابية. لكن هذه الحقائق الكئيبة عن الساحة السياسية لا ينبغي لها أن تحبط عزيمة مَنْ هم خارجها وتمنعهم من دخولها. إنها، على العكس، إنما تشكّل حافزاً قوياً للصالحين كي يشاركوا. فجماعات الضغط قادرة على دفع المصالح الخاصة إلى الأمام، بسبب إهمال المواطنين الأفراد لمسؤولياتهم. ولكن الأشخاص الذين يزاولون عملهم بشرف، ويلتزمون المبادئ، يجب ألا يخافوا من أن تؤدّي المشاركة السياسية إلى تلطيخ سمعتهم، أو التسبب بإحراج شخصي. لقد لاحظ نهاد عوض تحسّناً مطّرداً وأساسيّاً في موقف المسلمين من العمل السياسي، فقال: "إننا نشهد تحولاً رئيسيّاً. فالعديد من المسلمين يغيّرون مواقفهم، والذين كانوا يتبرّعون في السابق للمساجد، فقط، يقدّمون المساهمات الآن بسخاء إلى المرشحين للمناصب الرسمية. فحالات النجاح والنتائج الملموسة للجهود المحلّيّة التي يبذلها المسلمون، الذين يشقّون الطريق الى العمل السياسي، أصبحت حافزاً لهم. "إن الأشخاص الذين كانت لديهم مخاوف بدأوا يعيدون النظر. وبعض الذين كانوا بالأمس على ارتياب، هم الآن ناشطون في العمل السياسي ويستمتعون بالتجربة. إنهم يدركون مدى الانفتاح الفعلي للنظام السياسي الأميركي، وباتوا يدركون، أيضاً، أنهم إذا لم يرفعوا الصوت عالياً، ويحاولوا أن يكونوا مؤثّرين، فعليهم ألا يتوقّعوا من الآخرين رفع الصوت نيابةً عنهم". إن 96 في المئة، من السبعمئة وخمسة وخمسين مسلماً، الذين جرى استفتاؤهم في شهر حزيران يونيو من العام 2000، يعتقدون أن على المسلمين الانخراط في العمل السياسي المحلي والوطني15. وتنصح ريما نشاشيبي المواطنين بتجنب الظهور بمظهر المدافع عن ديانتهم، عندما ينخرطون في أيّ نشاط سياسي. فالمسلم، عندما يتحدث بواقعية عن الإسلام، وعن النقاط المشتركة التي تربط بينه وبين المسيحية واليهودية، سيزيل إرباك معارفه الجدد، ويعزّز الثقة المتبادلة والصداقة. ولكنْ هناك أوقات يكون فيها الهجوم المباشر على الصور النمطية الدينية موقفاً يمليه الحزم، مثلما كانت الحال في العام 1960. فقد شهد ذلك العام انتصاراً تاريخيّاً حققته شخصية سياسية، على ظاهرة قولبة الصور النمطية الدينية. وهناك لوحة في منزلنا تحيي ذكرى ذلك الانتصار، رسمها جارنا الفنان أولي نول. إنها تُظهر الصفحة الأولى من صحيفة "ذي بايك كاونتي ريبابليكان" الأسبوعية التي كنت أملكها آنذاك في عددها الصادر في 6 تشرين الثاني نوفمبر 1960. كان العنوان الرئيسي فيها يعلن أن أصوات المقترعين في اليوم السابق انتخبت جون ف. كينيدي للرئاسة، وانتخبتني عضواً في مجلس النواب الأميركي. لقد عبّر ذلك الحدث، أيضاً، عن تقدّم مهم بوجه التعصّب الأعمى. ففي حملة العام 1960، سخّر كينيدي العمل السياسي والفطنة ليمحو صورة دينية بشعة متشبثة بالأذهان، ابتليت بها الأمة برمّتها. فقد شكل انتماؤه لطائفة الروم الكاثوليك، في بداية حملته الانتخابية، نقطة خلافية رئيسيّة ومربكة. وراحت تظهر، تكراراً، التكهنات القاتمة بأن كينيدي، كرئيس، سيكون خاضعاً لسطوة الفاتيكان، بإشارة إلى أن البابا يوحنا سوف يمارس نفوذه على كينيدي من أجل محاباة الكاثوليك، في تعييناته لمناصب السياسة العامة. كانت تلك الشائعات صدًى لتلك الشائعات التي انتشرت قبل اثنين وثلاثين عاماً، حين أصبحت هذه الذهنية ذاتها العامل الرئيسي في فشل محاولة الكاثوليكي آل سميث، الوصول الى البيت الأبيض في العام 1928. وكان كينيدي، في أوائل حياته السياسية، قد استخدم الدعابة البشوشة للتخفيف من التحيّز الديني. وقد روى لي زميل سابق، يدعى جون كايل من آيوا، تفاصيل مناسبة من هذا النوع، نقلاً عن كينيدي قبل أن يغادر مجلس الشيوخ إلى البيت الأبيض. قال كينيدي إن السناتور جيمس إيستلاند، من ولاية ميسيسيبي، قَبِلَ، يوماً، دعوته لإلقاء كلمة في بوسطن، في عشاء يقيمه الحزب الديموقراطي. كان كينيدي يدرك أن السكان الكاثوليك في ميسيسيبي عددهم صغير، إذا قورن بعددهم الكبير في ماساشوسيتس، فأخذ إيستلاند جانباً، قبل الدخول إلى قاعة الطعام، وأخبره أن الكاثوليك الإيرلنديين والبولنديين سيكونون بارزين في جمهور المدعوّين وأنذره ألا يقول شيئاً قد يغضبهم. أجابه إيستلاند بلكنته الجنوبية قائلاً: "لا عليك، يا بنيّ، أنا أعرف كيف أتعامل مع هذا الحشد". وبدأ كلمته بإعلان حبه للكاثوليك الإيرلنديين والبولنديين، ثم أضاف". إن الذين لا أطيقهم هم أولئك الروم الكاثوليك الملعونون". فما كان من المدعوين، ومعظمهم من الروم الكاثوليك، إلا أن ضجّوا بالضحك على زلة لسان إيستلاند. في حملته الانتخابية، تخلى كينيدي عن أسلوبه اللطيف، وراح يتعامل بشكل جدّيّ ومباشر، مع موضوع الدين، ونجح في استمالة المعادين للكاثوليك، إلى صفّه. وظلّ خلال جولاته الانتخابية يذكّر الجماهير، وكان محقّاً، بأن الدستور الأميركي لا يقول بإجراء اختبار دينيّ لمن يتولّى منصب الرئاسة، كما ظلّ يؤكّد أن الدين يجب ألا يصبح نقطة خلاف في الحملة. ولكنّ كينيدي، بتشديده المتكرّر هذا، جعل من الدين نقطة خلاف رئيسية متواصلة خلال الحملة، ولكنّ معالجته البارعة لها أكسبته استحسان الناخبين، من أوساط الأديان المختلفة، وأصواتهم. وسرعان ما اختفت الصور النمطية المناهضة للكاثوليك، عندما أصبح كينيدي رئيساً، وأعتقد أنها اختفت إلى غير رجعة. وهذا التقدم الذي تحقق على صعيد التسامح الديني يعتبر الإنجاز الأهم لجون كينيدي. ويمكن أن يكون استخدامه العمل السياسي، لاجتثاث ظاهرة قولبة الكاثوليك في صور نمطية، مصدر إلهام لأولئك الذين يريدون تصحيح الأفكار الخاطئة عن الإسلام. هناك رئيس ديموقراطي آخر، هو بيل كلينتون، رفع مقام المسلمين إلى مستويات جديدة في المجال السياسي. فخلال ولايته الثانية، عين م. عثمان صدّيق، وهو رجل أعمال من العاصمة واشنطن، سفيراً في فيجي، فكان أول مسلم يتولّى منصب سفير للولايات المتحدة. كما عين الدكتور إسلام أ. صدّيقي وكيلاً لوزير الزراعة، فكان أول مسلم يشغل المنصب الثاني، مباشرة بعد منصب الوزير، في مجلس الوزراء. وارتقى صدّيقي في وزارة الزراعة الأميركية، بعد أن عمل، لفترة طويلة، كعالم في دائرة الزراعة بولاية كاليفورنيا. هوامش الفصل الحادي عشر 1 Interview, 12-17-2000. 2 Letter by Hamad of ADC, 10-29-1999. 3 The Hamtramck Citizen, 3-30-2000. 6 The Hamtramck Citizen, 11-18-1999. 8 Interview, 5-23-1999. 9 AMA message, 8-21-2000. 10 Interview, 2-18-2000. 11 Interview, 10-24-1999. 12 CAIR Alert, 256. 13 AMC news release, 8-28-2000. 14 See Appendix B, ``The Committee-of-One''. 15 CAIR poll, 7-7-2000.