لم تنجح الذكرى الحادية عشرة للغزو العراقي التي حلت الخميس الماضي في انهاء الجدل في الكويت حول قانون "العقوبات الشرعية" المقترح والذي لا يزال مستمراً لأسبوعه الثالث. اذ يعارض الليبراليون بشدة هذا القانون الذي تقدم به نواب اسلاميون ليكون بديلاً لقانون الجزاء الحالي. وأقر النائب الدكتور وليد الطبطبائي أمس بوجود بعض الاخطاء في صياغة مواد القانون، لكنه قال ان تصحيحها ممكن وهي ليست مبرراً ل"العلمانيين" كي يجهضوا المشروع. وكان التلفزيون الكويتي بث عشية الذكرى ندوة على الهواء حول الموضوع ضمت أربعة ضيوف مثلوا الاتجاهات الأربعة في الشارع الكويتي حول هذه القضية. فالدكتور خالد المذكور قدم وجهه نظر الفقهاء الكويتيين داعياً من حيث المبدأ الى تطبيق الحدود الشرعية الاسلامية، مثل قطع يد السارق وجلد شارب الخمر، وان كان الفقهاء لا يتبنون بالضرورة صيغة القانون التي اقترحها النائبان الاسلاميان الطبطبائي ومخلد العازمي، اذ كانت "اللجنة الاستشارية العليا لاستكمال تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية" التي يرأسها المذكور وتتبع الديوان الأميري أعدت صيغة أخرى ل"أسلمة قانون الجزاء" عام 1999 وقدمتها للحكومة، لكن الحكومة لا تزال تحتفظ بهذه الصيغة في أدراجها ولم تقدمها الى مجلس الأمة البرلمان. أما الزميل محمد الجاسم رئيس تحرير صحيفة "الوطن" فقدم خلال الندوة التلفزيونية وكذلك في سلسلة مقالات نشرها قبل ذلك ملاحظات قاسية على مشروع النواب وطالبهم بسحب المشروع والاعتذار معتبراً انه "مسيئ للشريعة الاسلامية ولمبادئ انسانية ودستورية". ويأخذ الجاسم - وهو محام - على القانون اعطاءه النيابة العامة حق معاقبة المتهمين في بعض الجرائم بالسجن من دون محاكمة. ويرى ان القانون المقترح والذي هو نسخة من قانون اقترح في مصر لتطبيق الحدود الشرعية هناك ولم يتم قبوله "محاولة من نواب التيار الاسلامي لتغيير هوية المجتمع الكويتي عن طريق فرض تشريعات من هذا النوع". وقدم الكاتب أحمد الديين، وهو قيادي سابق في "المنبر الديموقراطي" موقف الليبراليين المتشدد من القانون، اذ يرى في تطبيق الحدود الشرعية انتهاكاً للدستور الذي تحظر مذكرته التفسيرية - كما يرى الديين - العقوبات الجسدية مثل القطع والجلد والرجم، وقاده طرحه هذا الرأي الى مواجهة مع الضيف الرابع في الندوة الدكتور عبدالرزاق الشايجي العميد المساعد في كلية الشريعة والذي طالب الديين بتوضيح موقفه من الآيات القرآنية التي تأمر بقطع يد السارق وجلد الزاني. ورد عليه الديين بالقول: "لست في محكمة تفتيش حتى اجيب على مثل هذه الأسئلة". ويرى الشايجي، وهو قيادي في "الحركة السلفية"، ان هوية المجتمع الكويتي اسلامية وان أسلمة قانون الجزاء "تنهي التناقض بين هويتنا الاسلامية وبين القوانين الوضعية التي تحكمنا". وعلى رغم سخونة الجدل حول "العقوبات الشرعية" فإنه ليس منتظراً البدء في مناقشتها برلمانياً قبل الشتاء المقبل. وكانت الحكومة أعلنت على لسان النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد انها ستقف ضد القانون المقترح الذي تقدم به الطبطبائي والعازمي وانه لن يمر في البرلمان، ولكنه لم يوضح هل تعارض الحكومة اسلمة قانون الجزاء من حيث المبدأ أو انها تفضل صيغة اخرى للتعديل. وأقر النائب الطبطبائي أمس بوجود ملاحظات على بعض مواد القانون المقترح، لكنه قال ان تصحيحها ممكن و"نرحب بأي تحسين على القانون يتلافي العيوب فيه، لكننا لا نقبل ان تضخم بعض هذه الملاحظات اعلامياً لتكون مبرراً لإجهاض مشروع أسلمة قانون الجزاء". واعتبر ان "المجموعة العلمانية في الكويت تعمدت فتح النار على هذا المشروع اثناء بحثه ودرسه من قبل اللجنة التشريعية في مجلس الأمة وفتحت المعركة ضده قبل شهور من موعد تقديمه الى المجلس للمناقشة وذلك من أجل التشويش على الرأي العام الكويتي وتلطيخ سمعة المشروع واثارة الغبار في عيون الجمهور". لكنه تعهد العمل على نجاح المقترح "لأن أمره سيحسم في قاعة المجلس ومن قبل ممثلي الشعب لا في شارع الصحافة أو من كتاب الزوايا والمقالات". وأضاف: "صدورنا تتسع لأي ملاحظات قانونية فنية ممن يؤيد من حيث المبدأ تطبيق الشريعة، لكننا لا نقبل وقاحة من يقول بأن شرع الله عفا عليه الزمن وصار غير مناسب للعصر". وكان كتاب ليبراليون هاجموا القانون المقترح وانتقدوا بشدة لجنة الشؤون التشريعية في مجلس الأمة لشروعها في بحث مسودة القانون معتبرين ان "الاسلام السياسي يحاول مصادرة الحريات ونسف الدستور عبر البرلمان". ورد الاسلاميون بالقول: "من لم يقبل الشريعة عليه ان يقبل بنتائج الديموقراطية واختيار الشعب الكويتي عبر ممثليه في المجلس".