يتحول وجه الصديق القديم في لقاء الصدفة. الى مرآة يرى فيها المرء فرشاة الايام بصفاء بشرته وسواد شعره، ويسمع في صوت محدثه هذا اصداء بعيدة لنبرته الشابة المتفجرة بالثقة والايمان المطلق بديمومة الحاضر. تسيطر هذه الخواطر على خيال المرء عند مشاهدة وارن بيتي وديان كيتون في الفيلم الجديد "المدينة والريف" الذي يجمع بطلي "الحُمُر" بعد عشرين عاماً من الاحداث والتجارب التي نقلتهما من مرحلة الرجولة والانوثة الناضجة الى ابواب الشيخوخة. تبدو هذه الخواطر غير بعيدة من بال شخصيات الفيلم الذي يبدأ في احتفال بورتر بيتي بعيد زواجه الخامس والعشرين مع زوجته ايلي كيتون برفقة الزوجين غريفين غاري شاندلينغ ومونا غولدي هون في مناخ رومانسي في باريس، قبل ان يستقلوا طائرة خاصة لتعود بهم الى حياتهم الفارهة في نيويورك. وبدلاً من ان تكون هذه المناسبة عاملاً مساعداً على تقوية العلاقة بين كل من الزوجين، فإنها تسلط الضوء على تقدم العمر بكل من بورتر وغريفين، ما يدفعهما الى الدخول في مغامرات عاطفية لتجنب الاعتراف بزوال فترة الشباب وبدفء اشعة خريف العمر المسترسلة على حياتهم اليومية. فبورتر يلهث وراء عازفة كمان ناستازيا كينسكي، بينما يغرم صاحبه غريفين بمن تبدو للوهلة الاولى، شابة تصغره بعشرين عاماً. اكتشاف وكما هو متوقع، فإن رفيقتي العمر تكتشفان امر هذه المغامرات وتقوم كل منهما بمكاشفة رجلها بالحقائق. وبعد الاعتراف، المتوقع ايضاً، فيطرد الاثنان من منزلي الزوجية وينفيان الى كوخ صغير في منتجع للتزلج. وفي هذه القرية الباردة يجد الاثنان لدى الحسناوات الباحثات عن الدفء مهرباً من التعامل مع ما هو في الحقيقة انهيار لبنيان حياتهما الزوجية والعائلية. وتبدو هذه الاستراتيجية ناجحة الى ان يقع بورتر في شباك فتاة ثرية أندي ماكداول تشاركه البحث عن تسلية قريباً من بيت عائلتها الكبير الذي تقطنه امها السكيرة وأبوها شارلتون هستون المولع بتجربة بندقيته على كل من يقترب من ابنته الوحيدة. ويزداد الموقف فكاهة عندما يتذكر المشاهد علاقة الممثل هستون بالجمعية الاميركية المدافعة عن حق المواطن في حمل السلاح. ويحظى هستون في النهاية بفرصة تجربة بندقيته على هدف متحرك: بورتر المهرول بعيداً عما يبدو اجتماعاً في دورة المياه لكل النساء اللواتي تعرف عليهن خلال احداث الشريط، وتكمن في هذه اللقطة الاخيرة ازمة "المدينة والريف"، فعلى رغم ان وارن بيتي كان سحر قلوب العذارى في الستينات في فيلم "بوني وكلايد"، وذهب ليحصد اوسكاراً على اخراجه ل"الحُمر"، الى جانب ترشحه الى الكثير من الجوائز على ادائه في شامبو" و"السماء" و"باغسي" فإنه يبدو في "المدينة والريف" اكبر بعشرة او ربما عشرين عاماً من شخصية "بورتر" الذي يجد نفسه حيثما يذهب محاطاً بصغار المعجبات. وفي النهاية، ان "الريف والمدينة" كان يمكن ان يكون اكثر متعة وسلاسة لو لم يحمّل هذا الشريط اكثر من طاقته من التوقعات التي تسببتها الموازنة الضخمة نسبياً، ووجود اسماء كبيرة مثل غولدي هون وأندي ماكداول وشارلتون هستون، إضافة الى بيتي وديان كيتون. ف"المدينة والريف" ببساطة عبارة عن عمل يعالج بطريقة كلاسيكية ازمة عائلية يسببها مرور البطل بما يسمى فترة المراهقة الثانية.