برلين - "الحياة" - قبل الوحدة الألمانية عام 1990 كانت ميونيخ تعتبر عاصمة السينما في الغرب الألماني، بينما كانت بابلسبيرغ التي تقع في بوتسدام القريبة من برلين تشكل عاصمة السينما في الشرق الألماني. ومع ذلك فإن تاريخ صناعة الأفلام في بابلسبيرغ يسبق بكثير تاريخ صناعة السينما في العاصمة البافارية، كما يسبق فترة تقسيم ألمانيا عام 1949 بزمن طويل، ولو ان ميونيخ اشتهرت في العقود الماضية في أوروبا والعالم اكثر من بابلسبيرغ، وهو امر مفهوم في ظل الحرب الباردة التي كانت سائدة. وبعد الوحدة الألمانية اكتشف الغرب الأوروبي، خصوصاً الفرنسي منه، من جديد اهمية بابلسبيرغ السينمائية بفضل كبر الاستوديوهات فيها من جهة، والحجم الكبير للأكسسوارات والديكورات والألبسة المختلفة التي تملكها، حيث يجد كل مخرج ومنتج ما يطلبه تقريباً. والواقع انه منذ مطلع القرن الماضي، وبالتحديد منذ عام 1912، واسم بابلسبيرغ مرادف لأفلام حصلت على شهرة دولية مثل "الملاك الأزرق" للممثلة الأسطورية مارلين ديتريش، والممثلة سارة لياندر، وأرمين مولر شتال الذي اصبح نجماً هوليوودياً، وفيلم "يعقوب الكذاب" للمخرج فرانك باير. إضافة الى هؤلاء لا بد من ذكر فريتس لانغ الذي أخرج أول أفلامه عام 1925 تحت اسم "متروبوليس" الذي كان أول فيلم علمي - خرافي يصور ولا يزال حتى اليوم يعتبر مثالاً للخيال المجنح. وما لبثت شهرة لانغ ان وصلت الى هوليوود التي استقدمته إليها وأعطته الشهرة العالمية وأعطاها بعض افضل الأفلام مثل "الحديد الحامي" و"أبعد من كل الشكوك". وعرفت بابلسبيرغ ايضاً كاتب السيناريو اليافع النمسوي الأصل بيلي فيلدر الذي بدأ حياته السينمائية في برلين عام 1929 وتركها عام 1933 بعد وصول النازيين الى الحكم وحقق لاحقاً في هوليوود شهرة كبيرة كمخرج أخرج رائعة "البعض يحبونه حاراً" مع مارلين مونرو وجاك ليمون وفيلمه الشهير الآخر "الشقة". وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية كان استوديو بابلسبيرغ يعرف باسم "أوفا" لكنه حصل في النظام الاشتراكي الذي استتب في ألمانيا الديموقراطية على اسم "ديفا" وأخرج عدداً من افلام الواقعية الاشتراكية. وأهم فيلم اخرج ضد النازية قد يكون "الذئاب يعيشون معنا". انبعاث وفي عام 1992، اي بعد مضي عام على الوحدة الألمانية، اشترت الشركة الفرنسية "فيفيندي" اكثرية اسهم الأستوديو الذي خُصخص واستثمرت مبلغاً كبيراً لتوسيعه وتحديثه وجعله قادراً على المنافسة في أوروبا وخارجها. وهو يضم الآن حوالى 130 مؤسسة تعمل في مجالات التصوير السينمائي والتلفزيوني والاتصالات ومختلف الخدمات المرتبطة بهما. وجرى في السنوات الأخيرة تصوير أفلام اجنبية وألمانية وأوروبية عدة أو مشتركة مثل "وان كاوتش ان نيويورك" للمخرجة شانتال آكرمان وتمثيل الممثلة المعروفة جولييت بينوش، وفيلم "الشيطان" للمخرج جون مالكوفيتش و"السكون بعد الطلقة" للمخرج الألماني فولكر شلوندورف الحائز جائزة اوسكار فازت الممثلة الرئيسة في هذا الفيلم بيبيانا بيغلو بجائزة "الدب الفضة" في مهرجان "البرليناله" ال51 لهذه السنة في برلين، وفيلم "تيكينغ سايدس" للمخرج اسطفان زابو الحائز اوسكار ايضاً. وكان فيلم "العدو على الأبواب - المبارزة" معركة ستالينغراد لمخرجه الفرنسي المعروف جان - جاك آنّو صوِّر بالقرب من بابلسبيرغ في ولاية براندنبورغ وأنتجه في استوديوهاتها بكلفة وصلت الى 90 مليون دولار تقريباً. كما ان المخرج الأميركي البولندي الأصل والذائع الصيت رومان بولنسكي انهى قبل شهرين في استوديوهات بابلسبيرغ اخراج فيلمه الجديد "لاعب البيانو" بكلفة بلغت 22 مليون دولار تقريباً حيث تم بناء حي يشبه "الغيتو" اليهودي في وارسو. كما انتهى العمل تقريباً من توسيع فيلم "ابوكاليبسو ناو" المناوئ للحرب الذي مثله الممثل - الأسطورة مارلون براندو عام 1979 وإعادة دبلجته حيث سيعرض في صالات السينما ابتداء من شهر تشرين الأول اكتوبر المقبل بعد ضم ساعة إضافية الى الفيلم اختيرت من الأشرطة الطويلة التي كانت صوِّرت في حينه. من ستالين الى الباطون ويرى الكثير من المتتبعين للعمل السينمائي في المانيا وأوروبا ان بابلسبيرغ بدأت تحقق تقدماً ملحوظاً ليس فقط على ميونيخ، بل وعلى استوديوهات اوروبية اخرى وأنها قد تصبح "هوليوود" اوروبا في المستقبل بسبب تركز البنى التحتية السينمائية والتلفزيونية الجاري فيها والاستثمارات التي تتدفق الى مختلف اقسامها. ومع ذلك يرى البعض ان العاصمة الألمانية برلين بدأت بدورها تزاحم ميونيخ على مرتبة عاصمة السينما في البلاد. وفي العام الماضي تم احصاء 35 عملية تصوير فيها في اليوم في مقابل 38 عملية تصوير في ميونيخ بحسب ما نشرته مجلة "ماركيتينغ ماغازين" المتخصصة. ويقول مخرجون ومنتجون ان التنوع الكبير في هندسة برلين المعمارية من قديم الى جديد ومن أحياء فقيرة الى فيلات غنية ومن عمارة ستالينية ضخمة الى عمارة الباطون البارد، إضافة الى الأجواء المختلفة التي تقدمها هي التي تجعلهم يوجهون انظارهم اكثر فأكثر إليها. ولكن هذا الأمر لن يكون على حساب بابلسبيرغ، بل العكس من ذلك هو الصحيح، إذ ان برلين لا تؤمن لصانعي الأفلام البنى التحتية المطلوبة للإنتاج. ومن هنا ستكون بابلسبيرغ القريبة جداً من العاصمة 30 كلم تقريباً المستفيدة الأولى من ازدهار التصوير في العاصمة.