بعد عرض الفيلم الأوروبي "معركة ستالينغراد" أو "المبارزة - العدو أمام الأبواب" الاسم الرسمي للفيلم" في مهرجان برلين الدولي للأفلام السينمائية الذي عقد أخيراً، اشتعل النقاش من جديد على الفيلم الأوروبي، والألماني خصوصاً، وموقعه في السينما الدولية ومدى قدرته على مواجهة انتاجات سينما هوليوود، ضخامة وكلفة أو نجوم تمثيل. وقلة من الناس تعرف الحجم المالي الأوروبي الضخم، والالماني بالتحديد، الذي يشارك أو يعمل على انتاج قسم مهم من أفلام هوليوود. وفي رأي مدير مهرجان برلين موريتس دو هادلن الذي انتهت الآن رئاسته له بعد 23 سنة، تشهد السينما الأوروبية الآن مرحلة انتعاش وازدهار، لكنها لا تزال في حاجة الى دعم مالي أكبر كي تتمكن من الوقوف بثبات على رجليها. ومنذ سنوات، يستثمر منتجون سينمائيون المان كثر في الصناعة السينمائية في هوليوود، انما في أفلام الدرجة الثانية عوضاً من استثمارها في الأفلام الأوروبية الجديدة والواعدة. وقدّرت "مؤسسة دعم الفيلم" الالمانية في احصاء نشرته أخيراً مجموع استثمارات الشركات السينمائية الالمانية في صناعة الأفلام الأميركية ب5،3 بلايين مارك نحو 7،1 مليار دولار بين 1999 و2000 تضاف اليها استثمارات تقدر ببليوني مارك بليون دولار تقريباً لانتاج أفلام مشتركة مع شركات انتاج هوليوودية. وتصل نسبة الاستثمارات الالمانية فقط في الصناعة السينمائية الأميركية الى 20 في المئة. وكشف دو هادلن ان أوساط السينما في الولاياتالمتحدة تتحدث عن الأمر، في سخرية، واصفة الاستثمارات الالمانية ب"المال الالماني السخيف"، خصوصاً انه يوظف في افلام لا مستوى لها، مشيراً الى ان مثل هذا الحكم يضر بقطاع السينما الالمانية الذي اثبت جدارته في المدة الأخيرة بمجموعة من الأفلام الناجحة. ومن خبرته الدولية التي اكتسبها خلال أكثر من عقدين من الزمن، يلحظ دو هادلن تطورات عدة ايجابية في قطاع السينما الأوروبية. فالتنمية السينمائية موجودة وكذلك الموهبة والقدرة على انتاج الأفلام الناجحة باستثناء المال طبعاً الذي يتوجب ابقاؤه في أوروبا. وعلى رغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت الى "العدو أمام الأبواب"، قبل فيلم معركة ستالينغراد الذي صوِّر في الدرجة الأولى في استوديوات بابلسببيرغ الضخمة في بوتسدام القريبة من برلين، في اعتقاد خبراء سينمائيين نوعاً من النموذج أو المثال المطلوب اتباعه في المستقبل لاعلاء شأن الفيلم الأوروبي. فالفيلم الذي كلف 180 مليون مارك نحو 90 مليون دولار، والأغلى الذي انتج حتى اليوم في أوروبا، حظي بتغطية 80 في المئة من تكاليفه من شركات سينمائية المانية واستقطب مجموعة من الممثلين الدوليين. ولكن دو هادلن الذي سيؤسس الآن شركة استشارات في قطاع السينما ولن يتوقف عن العمل على رغم بلوغه الستين من العمر، يعتقد ان على الأوروبيين تعلم الكثير من هوليوود في مجال تسويق الفيلم لا في مجال صناعته. ومع انتهاء ولاية دو هادلن غير الطوعية على مهرجان برلين السينمائي الدولي وزير الثقافة الالماني وجد ضرورة لاحداث تغيير في المنصب بعد 23 سنة انتهت مرحلة طويلة فيها كثير من الايجابيات، انطبعت بطابع هذا الشخص الانكليزي الأصل الحامل جوازاً سويسرياً، والذي لم يتعلم النطق باللغة الالمانية كما يجب على رغم وجوده معظم هذه المدة في المانيا. وبدأت الآن مرحلة جديدة تماماً مع المدير الجديد ديتر كوسليك، المدير السابق لمؤسسة السينما في ولاية شمال رينانيا ووستفاليا الذي عمل نائباً لدو هادلن العام الفائت. وكان منتقدو دو هادلن ركزوا أخيراً على واقع انه لم يعط مهرجان برلين العظمة المطلوبة ولا الفيلم الالماني حقه، خصوصاً في المهرجان ال51 الأخير، إذ لم يشارك أي فيلم الماني ضمن أفلام المسابقة على رغم وجود أفلام جديرة بذلك، ما اعتبره البعض نوعاً من الانتقام الشخصي بسبب ابعاده عن ادارة المهرجان. ومن هنا يمكن فهم تصريح المدير الجديد، انه سيعمل على اعطاء "البرليناله" طابع العظمة وسيحول المهرجان السينمائي نوعاً من "الحدث" مضيفاً ان احد أهدافه الأساسية جعله "كبيراً وقوياً وعظيماً وشفافاً مثل ساحة بوتسدام الزجاجية البناء ومثل وسط برلين وميناء هامبورغ وسوق ميونيخ وكنيسة توماس في لايبزغ وحلويات شتوتغارت وكارنفال كولونيا". وأكد ان لا عقدة لديه أبداً حيال هوليوود لكنه سيعمل مستقبلاً على عرض أفلام منها ومن غيرها على قدم المساواة وسيلتزم أكثر النظام الداخلي للمهرجان الذي يدعو الى التركيز على الأفلام الأوروبية والالمانية. يبقى ان ننتظر مهرجان برلين السينمائي الدولي المقبل للمقارنة، واصدار الحكم على أهلية المدير الجديد.