"لسان الحال" من الصحف اللبنانية القديمة العهد، يرجع تاريخ صدورها الأول الى الخميس - الجمعة في 6 - 18 تشرين الأول أكتوبر 1877 الموافق 1 - 11 شوال سنة 1294ه. أسسها خليل سركيس منذ العام 1877 الى العام 1911، وكانت صحيفة سياسية تجارية أدبية علمية صناعية. ابتدأت صغيرة الحجم فصدرت مساء الاثنين والخميس من كل أسبوع، ثم ثلاث مرات أسبوعياً، ثم أربع مرات في الأسبوع، الى ان اصبحت تصدر يومياً في 23 أيلول سبتمبر 1895. ثم أخذت تصدر ملحقاً أسبوعياً متضمناً خلاصة أحداث الأسبوع وأخباره المهمة التي تردُ من كل المناطق. ثم تعطلت بأمر من الحكومة العثمانية أربعة أشهر نيسان - ابريل، تموز - يوليو سنة 1878، فأنشأ خليل سركيس بدلاً منها مجلة "المشكاة" وظهر منها أربعة أعداد فقط، وكانت مجلة شهرية صناعية تاريخية فكاهية، كل جزء منها مؤلف من 16 صفحة. وعندما عادت "لسان الحال" الى الصدور توقفت "المشكاة". نهجت "لسان الحال" منذ نشأتها طريق الاعتدال وعدم التشيّع لفريق دون الآخر، فاكتسبت رضى القراء. واقترحت الصحيفة على الأدباء واللغويين ان يضعوا ألفاظاً ترادف بعض التعابير الأجنبية فاستحسن اقتراح "لسان الحال" المشتغلون باللغة. وهكذا درجت الفاظ كثيرة أقرّها الأدباء في كتاباتهم. عرف مؤسسها بشيخ الصحافيين وانتدب مراراً للفصل في الخلافات بين رجال الصحافة في بيروت. ويقول احد معاصريها شكري داغر: "دعيت "لسان الحال" لتكون لساناً لأحوال الأيام وترجماناً لأفكار العموم". أشرف على "لسان الحال" مع خليل سركيس عدد من كبار العلماء والأدباء هم: المعلم جرجس زوين والشيخ يوسف الأسير وأمين افرام البستاني ويوسف قيقانو وسليم سركيس ونجيب مشعلاني والدكتور رزق الحداد والمعلم الياس بهنا والمعلم عبدالله البستاني والمعلم رشيد عطية وسليم بن عباس الشلفون والشهيد سعيد عقل. في 17 أيلول سبتمبر سنة 1895 احترقت بنايتها فالتهمت النار مطابع الصحيفة ولم يسلم منها سوى مكتب الادارة ودائرة مسبك الحروف والتجليد. ولم تتوقف "لسان الحال" عن الصدور إلا يوماً واحداً. خليل سركيس من هو خليل سركيس صاحب اللسان في تلك الفترة؟ هو خليل بن خطار سركيس 1842 - 1915. ولد في "عبية" في 22 كانون الثاني يناير 1842، وذهب مع أسرته عندما انتقلت الى بيروت سنة 1850، ودخل المدرسة الأميركية وكان يديرها القس طمسن، وصادف ان المدرسة كانت في جوار المطبعة الأميركية فكان كثير التردد عليها، فتعلّم الطباعة ودخل في عداد العاملين فيها سنة 1860. وبعد ثماني سنوات أسس بالشراكة مع سليم البستاني مطبعة المعارف. وفي سنة 1875 انفصل عن شريكه وأسس مطبعة خاصة به سمّاها "المطبعة الأدبية". كان الحرف الطباعي يقتصر آنذاك على الحرف الأميركاني، فأوجد بالاشتراك مع الشيخ ابراهيم اليازجي الحرفين الأول والثاني الاسلامبولي، ثم استصنع تباعاً سائر أشكال الحروف التي اشتهرت عنه كالثلث الأكبر والثلث الأوسط والثاني السميك والرقعي، وهو أول من أوجد أصغر حرف عربيّ رصاصيّ يبلغ طوله ميليمتراً واحداً، وأكبر حرف خشبي يبلغ طوله 25 سنتيمتراً، والحرف الفارسي في الطباعة على ثلاثة أنواع. وفي 22 نيسان سنة 1904 استكملت "لسان الحال" سنتها الخامسة والعشرين فأقيمت لصاحبها حفلة تكريمية جمعت نخبة من الأباء والشعراء والعلماء. وجمعت كلمات الأدباء وأقوال الصحف في كتاب خاص مؤلف من 115 صفحة. اشتهر خليل سركيس برباطة الجأش، والحزم والعزم والرأي الحرّ، وظل مؤسس "لسان الحال" متابعاً رسالته الصحافية الى يوم وفاته في 19 أيار مايو سنة 1915. العدد الأول اشتمل العدد الأول على مقالة افتتاحية سياسية أو عمرانية. وأربع صفحات: في الصفحة الأولى، الافتتاحية، مؤرخة في 18 تشرين الأول، جاء فيها الآتي: "الحمدلله الذي يسبح بحمده في الغدوّ والآصال، وينطق مفصحاً بتعداد آلائه لسان الحال. حمداً يدوم آناء الليل وأطراف النهار. ما غرّد قمري وترنم هزار. ونسأله تعالى جلّ شأنه أن يؤيد بالعز والإقبال. ويؤيد بالنصر والإجلال حضرة مولانا السلطان الغازي الأعظم عبدالحميد خان، ويشيد أركان سلطته مدى الأزمان، ويحفظ رجال دولته العلية الكرام ويلقي بين العالمين الوفاق والسلام. وبعد، فإن بلادنا لمّا قويت فيها أسباب العلوم والآداب، وصار حب مطالعة كتبها ملكةً في كثيرين من الأدباء والأذكياء، وكانت الجرائد من أقرب الوسائل وأجداها للحصول على ثمرة العلوم وأسهلها لنيل الفوائد المختلفة في كل فنّ، بادرنا اجابة لكثيرين من أحبائنا بعد الاتكال عليه تعالى بنشر جريدة سياسية وتجارية وأدبية ذات أربع صفحات تنشر مرتين في الأسبوع يومي الاثنين والخميس تحت اسم "لسان الحال" نضمنها أجلّ الأخبار السياسية الداخلية والخارجية مع ما يرغب فيه كل تاجر من بيان الأسعار وغيرها وسنصحبها قريباً ان شاء الله بجريدة أخرى سياسية وعلمية وصناعية وتاريخية على هيئة كراسة ذات ست عشرة صفحة تطبع مرة في الأسبوع تحت اسم "المشكاة" نضمنها أهم ما يرد في أخبار السياسة مما هو جدير بأن يذكر ويلتمس في جميع الأعصار وندرج فيها فصولاً في العلوم والصنائع والاختراعات ومباحث الزراعة وما ينضاف اليها من الكلام على المعادن وخواصها واستخراجها الى ما شاء الله ممّا يجري هذا المجرى ونفرد فيها محلاً لتاريخ من تواريخ الأمم الخالية مما نعلم ايثار الجمهور له. وقد جلعنا قيمة الاشتراك بالجريدتين معاً في بيروت ولبنان ليرة عثمانية في السنة، وبكل على حدتها أربعة عشر فرنكاً، وأمّا في سائر الجهات فقيمة اشتراكهما معاً اثنان وثلاثون فرنكاً واشتراك "لسان الحال" على حدته ثمانية عشر فرنكاً و"المشكاة" تسعة عشر فرنكاً خالصة أجرة البريد. وعند وجود محل في الجريدة سننشر ان شاء الله اسماء حضرات الوكلاء في الجهات. هذا والمأمول ان ما يراه حضرة الجمهور من اتقان الجريدة وتحريها نقل الأخبار عن أصدق الرواة يجعلهم ان يبادروا للاشتراك تنشيطاً للعمل فإن هكذا مشروعات عمومية لا تقوم إلاّ بالمعاونة. وسنزيد اعمالنا تحسيناً واتقاناً، ونسأل الله ان يعضد المشروعات الأدبية وينهي الحالة الحاضرة بما به خير لدولتنا العلية وهو خير مسؤول". في الصفحة الأولى، تلغرافات روتر وهافاس بالاسكندرية نختار منها: - قره جال في 29 الماضي: في 27 منه هاجم اسماعيل باشا الجنرال ترغو كاسوف فرجع بعساكره الى الوراء. وقد جرح بهذه الواقعة القائد الروسي درفال. - بكرش في الأول منه: قد أخرج الجنرال ترغو كاسوف جيش اسماعيل باشا من الأراضي الروسية. - بكرش في 2 منه: من الأخبار الرسمية الروسية. ان احدى الطلائع الروسية ضربت في 26 الماضي 500 من الجركس وفي 27 منه، 700 وارجعت المشاة من العثمانيين الذين كانوا أتوا من الجبل. وفي 28 منه، حاربت 300 من الجركس وعادت راجعة الى مراكزها. ومن تلغرافات باب حديقة الأخبار نختار منها: - الاستانة في 15 منه: أعيد السلك البرقي بين الاستانة وبلافنا. أعلن شوكت باشا تلغرافياً أن الآياً من الخيالة العثمانيين هزم الآياً من القوزاق وخمسة طوابير من المشاة الروسيين بقرب لتليش وكسب منهم 20000 رأس غنم و3000 رأس بقر. - بكرش: جسر نيكو بولي هدمته العواصف. في الصفحة الثانية: الأبناء البرقية، الأخبار المحلية، مراسلات الجهات. في الصفحة الثالثة: الحالة الحربية في البلغار. مستر كلادستون وفرنسا. في الصفحة الرابعة: اعلانات، أخبار سياسية، أخبار الليفانت هرالد الأخيرة، اختراع جديد، المالية والتجارة، قوات الدول البحرية، حوادث شتى. ومن حوادث شتى نختار منها: - نشر في التان، ان حضرة مدحت باشا متوجه الى بروسيل ليمكث فيها خمسة عشر يوماً وان جلالة الملكة فيكتوريا قد أحسنت بمئتين وخمسين ليرة انكليزية الى جمعية الصليب الأحمر لمساعدة المرضى والجرحى من العثمانيين والروسيين. - ان صحة حضرة البابا متحسنة وقد قابل جملة كاردينالية، وسيقابل عدة أشخاص أيضاً. - قال مكاتب المورنن بوست في برلين. قد بلغ عدد المرضى من العساكر الروسية ثلاثين في المئة. وقال مكاتبه في بطرسبرج ان وزير مالية روسيا قد سعى بقرض يبلغ 50 مليوناً من الروبل، وتخشى روسيا من شتاء شديد، فإن الثلوج قد سقطت في موسكو وبطرسبرج. صدر العدد الثاني من الصحيفة، بتاريخ 10 و22 تشرين الأول 1877م الموافق 15 شوال سنة 1294ه، والعدد الثالث، بتاريخ 13 و15 تشرين الأول 1877م، الموافق 18 شوال 1294ه. والرابع، بتاريخ الاثنين 17 و29 تشرين الأول 1877م الموافق 22 شوال 1294ه. وتنتهي السنة الأولى بالعدد 68 بتاريخ الخميس 5 و17 تشرين الأول 1878م. الموافق 21 شوال 1295ه. وتبدأ السنة الثانية بالعدد 69 بتاريخ الاثنين في 9 تشرين الأول سنة 1878م الموافق 25 شوال 1295ه وتبدأ الثالثة بالعدد 203 بتاريخ 8 و20 تشرين الأول 1879 الموافق 5 ذي القعدة 1296ه. وتبدأ الرابعة بالعدد 308 بتاريخ الخميس في 21 تشرين الأول 1880م. الموافق 18 ذي القعدة 1297ه. وتبدأ الخامسة بالعدد 409 بتاريخ الخميس 20 و8 تشرين الأول 1881م. الموافق 2 ذي القعدة 1298ه. وتبدأ السادسة بالعدد 516، بتاريخ الخميس 21 تشرين الأول و2 تشرين الثاني نوفمبر 1882م. الموافق 21 ذي الحجة 1299ه. وتبدأ السابعة بالعدد 617، بتاريخ نهار الخميس 25 و13 تشرين الأول 1883م الموافق 24 ذي الحجة سنة 1300ه. رامز خليل سركيس تولّى رامز خليل سركيس في سنة 1911، ادارة الصحيفة وشؤون المطبعة بإدارته الحكيمة. وفي بدء عام 1914 كلفت الحكومة رامز خليل سركيس ان يتولى الترجمة الشرقية في قنصليتها العامة في بيروت. ولم يمض على هذا التعيين أسابيع قليلة حتى استعرت الحرب العالمية الأولى، فرأى ان يقدّم استقالته محذراً: "أن يكون واللسان آلة تديرها أيدي سواه". وبقيت محتجبة أربعة أعوام فأعاد اصدارها فلقيت اقبالاً واحتراماً من الناس. وتعطلت في عهد الانتداب الفرنسي. وفي 17 كانون الأول 1927 احتفي ب"اليوبيل الذهبي" يقول رامز سركيس بمناسبة يوبيل الصحيفة: "... خمسون عاماً مضت عليه، فكان كتاباً ضخماً ما بين دفتيه تاريخ جليل. التفت فأجدني محاطاً بمجلداته وهي خلاصة نصف قرن كامل ونتاج الأدمغة الحكيمة في هذه الحقبة. مجلدات من يشاهدها يشعر بعظم المهمة التي اختارها وليَّ اللسان يوم أنشأه ومن دواعي اغتباطي ان بين هذه المجلدات تسعة كان من حظي أن أكون قائد دفتها في مطلع الشباب...". ولد رامز خليل سركيس في بيروت سنة 1889 ودرس في الكلية البطريركية والأميركية. وعمل سبع سنوات مع والده في الصحيفة والمطبعة والمسبك. وانتخب مرات عدة نقيباً للصحافة اللبنانية وشغل وزارة التربية 1941، وانتخب نائباً عن بيروت 1951. وفي عام 1952 احتفل بيوبيلها الماسي بعهده. وتوفي في 12 تشرين الأول 1955. بعد وفاة رامزر خليل سركيس ساعد في ادارة الصحيفة ابنه خليل رامز خليل سركيس في العام 1942. وعمل في "لسان الحال" في صورة غير منتظمة من 1942 الى سنة 1959 وذلك باتفاق مع والده لأن خليل رامز سركيس كان لا يزال منصرفاً الى تأليف كتب أدبية وفكرية. وصدرت اللسان في أثناء هذه الفترة ثلاث أو أربع مرات أسبوعياً. وتألفت هيئة التحرير من أحمد دمشقية وعبدالله صالح ونجيب جابر ونبيه سلامه. واحتفظ خليل لنفسه بالإدارة طوال هذه المدة. ولد خليل رامز سركيس في بيروت 1921، وتلقى دروسه في جامعة القديس يوسف والكلية البطريركية وفي الجامعة الأميركية في بيرون. فنشأ في بيت علم وثقافة وأدب. وكان المستشار الأدبي "للندوة اللبنانية" ومفكراً وصحافياً وكاتباً وأديياً. وكان يقول حياة الأديب في مؤلفاته لا في سيرته. جبران حايك وفي سنة 1960 انتقل امتياز الصحيفة الى جبران طانيوس الحايك. وتولى جبران الصحيفة في مطلع كانون الثاني 1960. وأصدر العدد الأول منها بتاريخ 13 نيسان ابريل ورقمه 18508 وكانت تصدر ظهر كل يوم في ثماني صفحات، ما عدا الأحد. وتألفت هيئة التحرير من كيوان نصار وعدلي الحاج سكرتيري التحرير. رفيق حبيب مديراً للصحيفة. ظافر تميمي مديراً مسؤولاً. وبيار أديب مديراً تجارياً. وكانت "لسان الحال" في عهده من الصحف المميزة، فحافظ على خط اعتدالها واستقلاليتها كما كانت في عهدة آل سركيس. وفي أثناء الحرب الأهلية 1975 سرقت مكاتبها ومحتوياتها فكانت صدمة نفسية ومادية، فعاد من جديد وقصرها على عدد من الصفحات تحفزاً لاطلاقها بحلة جديدة. ولكن الأماني تبخرت فاعتصم بالصبر والحكمة. ولد جبران حايك في بيروت عام 1927. وتلقى علومه الابتدائية في كلية "الثلاثة أقمار" والثانوية في انترناسيونال كولدج القسم الفرنسي، ثم في معهد الحقوق في جامعة القديس يوسف في بيروت. وظلت "لسان الحال" تصدر بانتظام في عهدة صاحبها ورئيس تحريرها جبران من سنة 1960 الى سنة 1975. وكان يعاونه في اصدارها المدير العام: رفيق حبيب، ومدير الانماء: جان شامي. ومن أشهر كتّاب الصحيفة سنة توقفها الموقت عن الصدور في العام 1975 جبران حايك وعصام فؤاد الخوري وسعيد عقل ويواكيم مبارك وناجي نصر وميشال الحايك ورياض طه وعبدالحميد الأحدب وعدلي الحاج وسليم غلام وسبيريدون خوري وحسين قطيش وفيكتور صنونو واسمى طوبي وحسن صعب وجان عبيد وغيرهم. توقفت "لسان الحال" مع نهاية العام 1975، لتصدر في مطلع العام 1976 الى نهاية العام 1984. في بداية العام 1985 و1986 صدرت ب4 صفحات صغيرة الحجم عبارة عن نشرة تضمُّ افتتاحية لجبران حايك مع أخبار لبنانية، وأخبار دولية، تصدرها المؤسسة الوطنية للإعلام. بعدها توقفت فلم نعد نراها في السوق، وتوفي صاحبها جبران حايك صباح يوم الاثنين 12 تشرين الأول 1992. هذا هو تاريخ صحيفة "لسان الحال" في عهدة أصحابها آل سركيس ومن ثم جبران حايك مستمرة في الصدور أكثر من مئة عام حافظت خلالها على اعتدالها واستقلاليتها ولبنانيتها. وما زالت هذه الصحيفة العريق متوقفة حتى الآن عن الصدور.