عند منتصف ليل الثلثاء - الاربعاء بتوقيت "غرينيتش"، إستيقظ فيروس انترنت "كود ريد"، كما في أفلام مصاص الدماء "دراكولا"، ووجه ضربة موجعة إلى الشبكة العنكبوتية، مما تسبب في ابطائها ونشر البلبلة بين جمهور مستخدميها في العالم. ومعلوم ان "كود ريد"، الاسم الذي ترتعد منه فرائص جميع المتطوعين الجُدُد في قوات مشاة البحرية الأميركية مارينز، يشير إلى عقوبات جسدية ونفسية قاسية وغير إنسانية، هدفها الإخضاع بالقهر والترويع. وأحياناً تصل القسوة إلى حد الموت، لذا يُمنع "كود ريد" رسمياً، لكنه يُطبق عبر طرق غير شرعية، وفي ظل إنكارٍ متواصل. وللدلالة، اتّخذ فيروس الكومبيوتر الأحدث، "كود ريد" اسماً له، وشرع في غزو مواقع انترنت، واستهدف الأميركية منها، خصوصاً التابعة لأهم الأجهزة الفيديرالية. وحيث أصاب، ترك توقيعاً خاصاً على شاشة الجهاز المصاب بعبارات: "الموقع إخترقه الصينيون". وتوقع مسؤولون اميركيون مساء امس، ان يكون الفيروس المجهول المصدر، ضرب قرابة 1.5 مليون كومبيوتر في اميركا، اضافة الى ستة ملايين جهاز في سائر انحاء العالم. ومنذ بدء إنتشاره في اواسط الشهر الماضي، أظهر "كود ريد" قسوة لا ترحم، وأصاب ربع مليون كومبيوتر في تسع ساعات، قبل ان يتوجه إلى البيت الأبيض ثم البنتاغون. ويدخل "كود ريد" الجهاز، ولكنه لا يحاول الوصول إلى الملفات الرقمية وضربها، ولا يروم سرقة المعلومات والبيانات الخاصة، كما غيره من فيروسات المعلوماتية، لكن ما يفعله أبسط وأعمق: أنه يتمترس في الكومبيوتر ويتكاثر، كما الأرنب في الجحر، ويرسل نسخاً عما في الجهاز من معلومات إلى الموقع الذي يريد ضربه. ويهتم الفيروس في الوصول إلى الأجهزة التي تتضمن جبالاً من المعلومات، مثل مواقع الجامعات الكبرى والموسوعات الضخمة والمؤسسات العلمية وارشيفات الوثائق وغيرها. ويُنتج الفيروس النسخة تلو النسخة من تلك الفيوض الرقمية ويرسلها، في براءة مفتعلة وعبر البريد الالكتروني، إلى عناوين المواقع التي يستهدفها، وكأنه يحرّك جبالاً من رمال على الطرقات العامة، فتكون النتيجة بطءاً في الحركة على وصعوبة شديدة في التنقل بين المواقع، ما يصيب خدمات الشبكة بالتوقف. ويسمي الخبراء هذا النوع من الضربات باسم "هجمات دوس" DOS attacks، اختصار، Denial Of Service attacks. وعرفت الشبكة هذا النوع من الهجمات في شباط فبراير من العام 2000، وتسبّب في تباطؤ حركة التجارة الالكترونية العالمية. والمفارقة أن تلك الضربة سبقت السقوط التاريخي المشهود لسوق "نازداك" للتقنية الرقمية، والذي لم يتعاف منه السوق حتى الآن! فأي حدث جلل يسبقه "كود ريد" أو يمهد له؟ في العشرين من الشهر الماضي، تفادى البيت الأبيض الغرق في أمواج الوثائق التي قذفها إليه "كود ريد"، بفضل تغيير شيفرة عنوانه الإلكتروني. وأثر البنتاغون، الذي جاء الاسم من إحدى مؤسساته، إغلاق موقعه كي لا يصاب. والمعلوم أن إغلاق الجهاز حين ينشط هذا الفيروس يحمي من الضربة، لكنه لا يعطي مناعة من الاصابة في ضربة مقبلة. ويصيب "كود ريد" الأجهزة التي تستعمل نظام التشغيل "ويندوز - 2000" و"ويندوز إن تي"، وكلاهما من مايكروسوفت. وتنجو الأجهزة التي تستخدم نظم تشغيل "عتيقة"، مثل "ويندوز - 95" و"ويندوز - 98"، أو غير ما تنتجه مايكروسوفت من نُظم. ويبدو أن صنّاع "كود ريد" لهم رأي في مقدار هيمنة تلك الشركة على نظم تشغيل الكومبيوتر في العالم. ومن غير المؤكد أبداً أنه صنع في الصين، على رغم توقيعه "الصيني" وميل بعض إلى الربط بين "كود ريد" وأزمة طائرة التجسس الأميركية والهجمات التي تبادلها بعض الشبيبة من البلدين، قبل نحو ثلاثة أشهر.