مع بدء اسرائيل تنفيذ خطة لاغتيال عدد كبير من الفلسطينيين النشطاء في مقاومة الاحتلال والاستيطان غير القانونيين، واستعداد قواتها العسكرية لتوجيه ضربة قوية للسلطة الفلسطينية وضرب "40 هدفاً استراتيجياً" فلسطينياً، حسب قول مصادر اسرائيلية، اختار رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، بعناية، زيارة بلدين كبيرين عضوين في الاتحاد الاوروبي هما المانياوفرنسا ووافق زعماء البلدين على استقباله على رغم ان يديه ملطختان بدماء مئات من الضحايا الفلسطينيين المدنيين الابرياء العزل منذ خمسينات القرن الماضي وصولاً الى يومنا هذا. ولا بد ان شارون رأى في فرنساوالمانيا هدفين سهلين وأنه يمكنه فيهما مواصلة حملته المضادة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والتي ما فتيء يردد فيها ان عرفات لا يريد السلام وانما مواصلة "العنف". وعلى رغم اتفاق كل الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي على ضرورة تنفيذ توصيات لجنة ميتشل، الا ان شارون يدرك اهمية اصوات اليهود الفرنسيين ونفوذهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يتواجه فيها الرئيس جاك شيراك مع رئيس وزرائه ليونيل جوسبان، اللذان لا يرغب اي منهما في اثارة نفور اللوبي اليهودي المؤيد لاسرائيل. ويأتي موقف شيراك وجوسبان اللذين استقبلا شارون مساء امس على تباين مع موقف غالبية الاحزاب السياسية والجمعيات والنقابات التي استهجنت مجيء شارون الذي بدأ القضاء البلجيكي قبل ايام النظر في القضية المرفوعة ضده بشأن دوره في تسهيل ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها مئات من المدنيين الفلسطينيين في العام 1982. ووضع بيان لشخصيات نقابية وقانونية فرنسية اول من امس اصبعه على المحك بقوله ان اسرائيل تخوض، مستغلة تفوقها العسكري، "حرباً كولونيالية ضد شعب اعزل وتستولي على ارض الفلسطينيين ومياههم وبحرهم وسمائهم" وانها تستفيد لذلك "من تواطؤ غالبية الدول بما فيها دول الاتحاد الاوروبي". وهذا فعلاً هو واقع الحال. اما المانيا فمن المعروف ان عقدة الذنب الناجمة من الجرائم النازية ضد اليهود ما زالت تلازمها وتلون نظرها، بل تعميها عن الجرائم الاسرائيلية السافرة ضد الفلسطينيين وحقوقهم. ويبدو واضحاً ان الزعماء الالمان يخشون من ان يتهموا بمعاداة السامية اذا ما اتخذوا مجرد موقف متوازن مؤيد لقرارات الشرعية الدولية المتصلة بالصراع العربي - الاسرائيلي. ومن هنا نرى ان وزير الخارجية يوشكا فيشر يعلن معارضته تدخل قوة مراقبين دولية في الاراضي الفلسطينية التي تتعرض وسكانها لعدوان اسرائيلي همجي متواصل. وقد سبق لوزير الخارجية الاميركي كولن باول ان تحدث خلال زيارته الاخيرة لفلسطيني واسرائيل عن ضرورة وجود مراقبين لكنه سرعان ما لحس كلامه وصمت، متفّهاً بذلك اكثر الموقف الاميركي الضبابي المائع. ومن الغريب ان يغيب عن باول وفيشران حكومة شارون تعارض وجود مراقبين لوقف النار مع الفلسطينيين معارضة شرسة بالدرجة الاولى لانها تعتبر الضفة الغربية جزءا من "ارض اسرائيل". وإلا، فلماذا تواصل بناء المستوطنات غير القانونية هناك وفي قطاع غزة؟ ان اي مسايرة المانية او فرنسية او غربية لمواقف شارون وسياساته ستكون وبالاً على مستقبل السلام والاستقرار في الشرق الاوسط ومشاركة في حربه على الحقوق العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً.