في حلقة جديدة من السلسلة الطويلة لمحاولات صنع لقاح ضد وباء الملاريا، أعلن فريق علمي مشترك من كولومبيا وسويسرا التوصل إلى لقاح أظهر فاعليته في القردة. ويبدو اللقاح فاعلاً ضد نوعٍ واحدٍ على الأقل من الملاريا، يعرف باسم "بلازموديوم فالسيباروم" Plasmodium Falciparum، وهو شديد الانتشار. وأتت أخباره في وقت ظهرت تقارير عن تسبب مادة "دي دي تي" في ولادات مبكرة، حين استخدم في الولاياتالمتحدة في الستينات، من القرن الماضي. وكفت الدول الغنية عن استخدام "دي دي تي" في إبادة البعوض الناقل للوباء، في حين أجبر هذا المرض العالم الفقير على الاستمرار في استخدام تلك المادة ومعاناة مضارها. وتفتك الملاريا بما بين ملوني شخص وثلاثة ملايين في السنة، معظمهم من الأطفال في العالم الثالث، خصوصاً في الدول المدارية في آسيا وأفريقيا. إذاً، تضيف الملاريا بعداً آخر إلى التفاوت بين الأطفال في العالم، ليس فقط في معدل الاصابة بها، بل حتى في طرق تحاشي هذه الاصابة. والمعروف أنها تنتقل عبر أنواع خاصة من البعوض، مثل "أيديس إيجيبتس". ولا يزال العالم الأفقر يعمد إلى استخدام مبيد "دي دي تي" لوضع حد لتكاثر البعوض، إضافة إلى استخدامه في الزراعة، وهذا ما كف عن فعله العالم المتطور منذ أمد بعيد. واكتشف العالم الكيماوي بول مولر، مادة "دي دي تي" كمبيد حشري قوي ذي قدرة على تخليص المزروعات من الحشرات الضارة، ما يؤدي إلى زيادة المحاصيل ورفع المستوى الصحة العامة. ثم تواترت التقارير عن الآثار الضارة لهذه المادة في المزروعات والإنسان، فضلاً عن إضرارها بالتوازن الحيوي في البيئة. ماذا عن اللقاح؟ ولم تفلح الجهود المتعددة في لجم انتشار الملاريا التي تترافق مع الفقر وضعف البنى الاقتصادية والصحية. وزادت الفجوة بين دول الشمال الغني والدول الفقيرة في مفاقمة الأمر، إذ لم تجد مؤسسات العلم أبداً الأموال الكافية لأبحاث الملاريا، بفعل غياب الاهتمام المناسب. واستخدم الإختصاصيّ مانوئيل باتبرويو، من جامعة بوغوتا في كولومبيا، تقنيات الهندسة الوراثية والمعلومات الجينية في توليف بروتين يتلاءم شكل تركيبته مع "المنفذ" الذي يعبر منه بلازموديوم الملاريا إلى كريات الدم الحمر في الإنسان ويؤذيها. ويلتصق بروتين اللقاح مع هذا المنفذ، فيسده ويمنع حشرة الوباء من دخول كرية الدم. وسبق لبعض العلماء، قبل سنوات قليلة، صنع لقاح عرُف باسم Spf66، فأظهر فاعلية في التجارب الأولية، لكنه فشل عندما أُعطي للبشر. ومن المبكرالحكم على مدى فاعليته. وأظهرت دراسة قادها اختصاصي الأمراض الوبائية ماثيو لوغنيركير، من جامعة ماريلاند الأميركية، أن "دي دي تي" تسبب فعلاً في أعداد كبيرة من الولادات المبكرة في الولاياتالمتحدة، بين العامين 1959 و1966، علماً أن هذا النوع من الولادة هو أحد عوامل الخطورة على صحة الأطفال. وقدر لوغنيركير أن 15 في المئة من وفيات الأطفال في تلك المرحلة نجمت عن ذلك المبيد الحشري. وفي هذا المعنى، فإن الاستمرار في استعمال "دي دي تي" في العالم الثالث يسرّع في مجيء أطفاله إلى مأساة عالمهم المريع.