بيروت - "الحياة" -العادات والتقاليد في الشرق لم تتطور مع الأيام وظلت حال الطلاق عند المرأة في مجتمعنا حالاً شاذة مع ان الطلاق ليس عيباً إلا عند ضعاف النفوس. المرأة المطلقة تعيش مأساة من جراء ظلم المجتمع لوضعها من دون معرفة أسباب طلاقها، إن كانت هي السبب أم الرجل. ويبقى وضعها على قاب قوسين أو أدنى إلا اذا تحدت وكافحت من أجل ذاتها كإنسان يحق له العيش بكرامة. فهل للمرأة المطلقة في مجتمعاتنا العربية الحق في العيش الكريم؟ "الحياة" حملت بعض الطروحات الى عدد من السيدات المطلقات وحاروتهن حول الأزمة التي واجهتهن في أول مراحل الطلاق؟ وكيف تعالجنها؟ وكيف واجهن ظلم المجتمع ومدى تأثرهن اقتصادياً: وفاء ج: - عانيت من ظلم المجتمع قبل اعلان طلاقي، فمنذ عدت الى منزل أهلي وأخبرتهم بنيتي الانفصال عن زوجي بسبب المشكلات الكثيرة التي بات قوتنا اليومي، لم يرحمني أحد بدءاً بوالدتي التي وضعت حولي طوقاً وقيوداً لا أعرف مبررها. فعندما كنت أرغب في الخروج من المنزل كانت تسارع الى مرافقتي وحجتها اسكات الناس لئلا يتساءلون عن سبب خروجي وحدي. واذا جلست على الشرفة لأسرح بأفكاري، ولو قليلاً تجلس بجواري لئلا يعتقد الجيران بأنني أجلس وأنظر الى أحدهم، والحجة دائماً... أنت مطلقة. وهذه المشكلة يسهل تخطيها بعد تدخل اخوتي، ولكن الأصعب كان بين الناس وخصوصاً في عملي. كنت أعمل مدرّسة في احدى المدارس الخاصة، وقبل طلاقي كان مديري والمسؤول عني يعاملانني كسيدة محترمة، ولكن بعد طلاقي اختلف الأمر كلياً، فأصبح المسؤول يضايقني إذا اختلطت بالطالبات أو جالست إحدى المعلمات، والمدير يحاول التودد إليّ لأني من دون رجل، وعندما اعترضت على هذا التصرف خيرني مدير المدرسة، إما أن أوافق على مصادقته أو أقدم استقالتي لأن المدرسة لا تتحمل امرأة مطلقة بسبب سمعتها، فقررت تقديم استقالتي من دون ندم. أصبت باحباط طويل الأمد لأني كنت أعاني كثيراً من نظرة الناس اليّ وكأنني سهلة المنال، فقط لأنني مطلقة. بحثت عن عمل في مدرسة أخرى ولحسن حظي، وجدت معاملة حضارية وتمكنت من استعادة ثقتي بنفسي، إذ عملت كمدرسة بدوامين قبل الظهر وبعده حتى أشغل نفسي عن الاختلاط بالناس. برأيي لا تستطيع المطلّقة ان تواجه ظلم الناس لها أبداً، حتى ولو كانت هي المحقة في طلب الطلاق ولأن كثيرين يعتبرون المطلقة فيروساً يجب ابعاده عن بناتهم وزوجاتهم وحتى عن أولادهم، من هذا المنطلق قطعت صلتي بكل من يشعرني بأنني مطلقة ولم أعد أشعر بأنني أحتاج الى الصداقات في حياتي. في بداية طلاقي تعرضت لأزمات مالية كثيرة، على رغم ذلك شعرت باستقلالية لأن زوجي السابق كان يأخذ راتبي ولا أشعر بقيمة انتاجي. أما اليوم فما انتجه من عملي اعتبره حصناً منيعاً لي في المستقبل ولأني امرأة عاملة تعرف قيمة الاستقلالية الاقتصادية، أحاول أن أحصن نفسي من ضربات المستقبل، على الأقل من الناحية المادية. باسمة ج: - عندما تزوجت كنت في الخامسة عشرة من عمري وزوجي في الثانية والثلاثين، لم أكن أعرف ما هو الزواج وما هي الحياة العائلية، فرحت بالثوب الأبيض، وبعد سنوات تغير كل شيء وتغيرت علاقتي بزوجي وأهله فتطلقت منه، وشعرت بأنني عدت تلك الطفلة التي فقدت مراهقتها. حاول أهلي إبعادي عن حزني الداخلي بفقداني حضانتي لطفلي ذي الثلاث سنوات وأمّنوا لي كل ما تحتاجه المرأة في هذه المرحلة من حب ورعاية، ولم يشعروني بأنني منبوذة، إلا أن الأمر لم ينته عند هذا الحد. فبعد فترة من طلاقي بدأت تصل الى مسمعي كلمات من الجيران تسيء إليّ، لأني اخترت الطلاق، كأن يقال بأنني كنت أريد أن أعيش كصبية وليس كزوجة مع رجل يعادل عمره أكثر من ضعف عمري، علماً انني لم أختره بل اعتبره أهلي زوجاً تقليدياً يصلح لفتاة مدللة مثلي، أو ان يقال بأنني تركته لأنني خنته وأكثر وأكثر... وكل ما قيل لم يكن صحيحاً، أصبحت أسمع الكثير من الكلام وتضايقت وأصبت بانهيار عصبي. فاتخذ أهلي قراراً بإبعادي عن المنطقة حتى لا تتأزم حالتي، واشتروا منزلاً في منطقة أخرى لنعيش فيه. وتدبّر لي والدي عملاً قريباً من منزلنا الجديد بدوام كامل وأصر عليّ بألا أخبر أحداً بأنني مطلقة منعاً لأي متاعب قد تأتي لاحقاً. بالنسبة إلى حالتي الاقتصادية، في البداية لم أشعر بأي تأثير لأني كنت محاطة بأهلي وكوني وحيدتهم لم يبخلوا عليّ، ولكن على مر الأيام وعندما بدأت بالعمل لم أرغب بمطالبة أهلي بأي مبلغ من المال وحاولت أن أقتصد من مصروفي وعرفت قيمة تعبهم معي. في بداية عملي تأثرت كثيراً لأني كنت معتادة على نمط معين من الحياة عند زوجي، تعذبت في البداية ولكن الآن أحاول أن أجد الأمان والاستقرار الذاتي، خصوصاً لأنني لم أخبر أحداً من معارفي الجدد بأنني مطلقة. حسناء ع: - تزوجت لمدة عام واحد وأنجبت خلالها طفلاً أصبح الآن في الحادية عشرة من عمره. بعد طلاقي تعرضت للكثير من الضغوطات النفسية لأنني لم أتخل عن طفلي كونه رضيعاً ويحتاج الى رعايتي، وأهلي لم يتمكنوا من تقديم كل متطلباتنا مما اضطرني الى العمل للمرة الأولى في حياتي، لم يقدّر أهلي مأساتي أبداً وكانوا دائماً يرددون على مسمعي أن المرأة المطلقة تعتبر امرأة سهلة خصوصاً اذا اختلطت بالناس، حتى ان اقاربي كانوا يتزاحمون لتأمين عريس لي من النوع المطلق أو الأرمل الذي يحتاج الى امرأة ترعاه أو ان ترعى أولاده او من يريد امرأة تخدمه، وكأن المرأة المطلقة أصبحت أقل قيمة من أي فتاة عادية. تحدّيت الجميع ورفضت كل العروض، وحاولت متابعة حياتي في شكل طبيعي إلا أن الرحمة لا تأتي إلا من عند الله جل جلاله، فبعد بلوغ ابني السن التي تسمح لوالده باسترداده بدأت مأساتي الحقيقية، فقد اتهمني بأسوأ الاتهامات ليسقط حضانتي عن ابني، ونجح الأمر لأن أحداً لم يصدق بأني مظلومة، فعدت الى حال التعاسة التي كنت أعيشها في بداية طلاقي، وبت أرى نظرات الشك والريبة تحيط بي كيفما سرت ولارتاح من هذا الوضع أقمت حاجزاً بيني وبين الناس واضطررت لتغيير عملي من ادارية في احدى المؤسسات الى مزينة نسائية أعمل 12 ساعة وأكثر يومياً وأصل الى بيتي منهكة لأنام وأعود في اليوم التالي الى وتيرة العمل نفسها. اعترف بأنني تأثرت اقتصادياً بعد طلاقي، فحين كنت لا أحتاج الى المال أصبحت أبحث عنه لأتمكن من العيش بكرامة في زمن يقيس قيمة الانسان بثمن "حذائه"، لم أشعر يوماً بالراحة الاقتصادية لأن متطلبات الحياة أكبر من قدرتي وحتى الآن لا أعتقد بأنني شفيت من ظلم المجتمع لي مع ان الجميع يعرف سبب طلاقي ولا يريدون الاعتراف بجريمة غيري عليّ. رنا ع أ: - حملت خطيئة أمي لأنها مطلقة منذ كنت طفلة، ورأيت معاناتها في عملها ومحيطها العائلي، وعندما كبرت تقدم للزواج مني أحد أقاربها، وتزوجت وسمعت الكثير من الإهانات منه لأنني ابنة امرأة مطلقة فلم أتحمل ما عانيت وتطلقت أيضاً، وكنت حاملاً في شهري الأول، وبدأت أسمع من الناس بأن التاريخ سيعيد نفسه معي، مما أصابني بالمرض ومن جراء كل الضغوط التي تعرضت لها أجهضت طفلي الذي كان أملي الوحيد في الدنيا، كما كنت أنا أمل أمي. هذه المشكلة الأولى في حياتي سببت لي مشكلات أخرى، فكلما التقيت بشاب أراد الزواج مني يبتعد عني عندما يعرف بأنني مطلقة وابنة مطلقة، فأردت تحدي المجتمع بأن عدت الى الجامعة ولكن خارج بيروت حيث لا يعرف أحد بأنني مطلقة سوى ادارتي التي طلبت منها عدم ذكر الأمر أمام زملائي أو أساتذتي، وتخرجت بشهادة ادارة أعمال، واستلمت منصباً وظيفياً مهماً استطعت من خلاله اثبات نفسي وشخصيتي ولم أعد أخاف من أي كلمة قد تقال عني بأنني مطلقة، فمن يعرفني يجبر على احترامي بسبب مركزي العملي وتصرفي اللائق في المجتمع الذي لا يحترم إلاّ من لديه المال، ومن خلال ما أنتج استطعت تأمين حياتي كامرأة مستقلة بعيداً من تحكم الرجل الاقتصادي. أعتقد بأننا في أسوأ زمن لا يرحم إلا من تمتلك المظاهر وتثبت نفسها اقتصادياً أولاً. لذا أنا أعمل لأحافظ على وضعي الاقتصادي علّني أبقى محترمة.