"طفلة شانغهاي" للكاتبة الصينية جو واي هو، تحكي قصة كاتبة صينية شابة، تدعى كوكو في الخامسة والعشرين من عمرها، تعمل كنادلة في مقهى في شانغهاي حيث تعيش مع صديقها، تيان تيان مدمن المخدرات. لاحقاً نجد كوكو عشيقة رجل أعمال ألماني متزوج، ويصف الكتاب بدقة العلاقة الجنسية ويصور تعاطي المخدرات متوقفاً عند أدق التفاصيل. ويذكر ان القصة مستوحاة من حياة الكاتبة الحقيقية: هي أيضاً تحب صديقاً لها كتيان تيان، وكان لها علاقات كثيرة مع شبّان أجانب، كما هي الحال مع كثيرات من فتيات شانغهاي، ولعل هذا ما أثار حفيظة الحكومة الصينية فمنعت الكتاب وأحرقت النسخ المتبقية منه، كما اعتبرت الكاتبة مخلّة بالآداب تفسد كتبها أخلاق الشباب الصيني. أما الناشر الذي وزّع كتبها، ففقد عمله وبيته وسيارته، حتى أنه لم يعد باستطاعته ايجاد عمل آخر إلا بدوام جزئي. يتطرق الكتاب أيضاً الى نظرة المجتمع الصيني للمرأة التي باتت تقلل من شأن محاولاتها لتحقيق ذاتها. فهناك دوماً تلك الفكرة القائمة: الفتاة الذكية فظّة، لا تملك الكثير من الأنوثة، أما الفتاة الجميلة فهي فارغة الرأس لا تملك إلا حسنها الخارجي. من هنا نتساءل، أهذا ما جعل الصحافة الصينية تضع جو واي هو في مصاف المشاهير الذين لا يملكون الموهبة وإنما شكلهم الجميل هو السبب وراء عدد المعجبين بهم، وبالتالي شهرتهم الواسعة؟ أيضاً، هل السبب الحقيقي وراء نقمة بعضهم كونها امرأة تكتب عن الجنس بتلك الطريقة وبتلك الحرية والثقة بالنفس؟ الى أي مدى سيكون الوضع مختلفاً لو أن رجلاً هو صاحب الكتاب أو لو كنا نتحدث عن رجل يقيم علاقة مع فتاة أجنبية. على حد قول جو واي هو، إن الشبان الصينيين يشعرون بالغيرة إذ لا يحبذون فكرة العلاقة بين فتاة صينية ورجل أجنبي، مما يفسر عدم حماستهم للكتاب، بينما الفتيات يتهافتن على أعمال جو واي هو ويرسلن اليها الرسائل عبر البريد الالكتروني، ويقلن انهن بانتظار كتابها الجديد بفارغ الصبر. النساء الأكبر سناً أحببن الكتاب أيضاً، كونه يذكرهن بشانغهاي الثلاثينات يوم كان همّ الناس الوحيد البحث عن السعادة واللهو والموسيقى... لذا، ان كانت الكاتبة متأثرة بالأفكار الغربية كما تتهمها الحكومة الصينية أم لا، يبدو أن شباب الصين اليوم يصبّ اهتمامه على الجنس واللهو وليس على السياسة، وكما كان الوضع في السابق حين كان الشباب الصيني في ذروة حماسته لماوتسي تونغ، قائد الثورة الشيوعية. ولا ننسى أن الشيوعية أيضاً فكرة مستوردة من الخارج وإن أُدخل عليها الكثير من التغييرات والتعديلات في الصين. أما الآن، فإنه عصر آخر والشبّان أصبح لهم اهتمامات اخرى. ربما لا تعجبهم سياسة بلادهم الا انهم مقتنعون بأنهم لا يستطيعون تغيير شيء، فيغضون الطرف ولا يسعون إلا وراء اللهو والحب والجنس. في جميع الأحوال، بعد منع الكتاب زادت شهرة جو واي هو، إذ ان عدداً هائلاً من النسخات بيع سراً، كما باستطاعة المرء الحصول على النص من الانترنت بسهولة. وذاع صيتها أيضاً في أوروبا، فهي أينما حلّت تجري الكثير من المقابلات. كما نشر كتابها خارج الصين. وهكذا، كيفما اختلفت الآراء إزاء الكتاب سواء من الناحية الأدبية أو من الناحية الأخلاقية، يبدو أن سياسة القمع لا تجدي نفعاً وربما على الحكومة الصينية أن تجد طرقاً أكثر ذكاء وديموقراطية لحماية شبابها مما تعتبره فاسداً.