رنا الخليل مُهندسة ديكور وفنانة متعددة المواهب نجد في أعمالها ومعارضها ونشاطاتها، لمسات جمالية وشفافية ناصعة. آخر أعمال رنا معرضها في "الأونيسكو" تحت عنوان "بيت الصحافة"، وهو معرض مختلف ومميز من حيث الشكل والمضمون، إذ جمعت فيه أهل الصحافة وكلمات الجرائد وقولبتها ونوعتها في أشكال متنوعة: غرفة على شكل صالون تحتوي وسائد وفرشاً كُتبَت عليه مقالات لرؤساء تحرير الصحف المختلفة. في كل قطعة من الفرش تجد لمسات الصحافة. واختارت رنا مقالات وكلمات من الصحف اليومية وأعادت تركيبها ضمن سياق جمالي لافت. أما اللوحات التي اختارتها فكانت تحمل في طيات ألوانها وحروفها أشكالاً هندسية جديدة، ولعبت على الشكل وحولته حروفاً ناطقة. كما اختارت الصحف المحلية كأساس للوحاتها، وجمعت مقالات لرؤساء تحرير وكتّاب وقولبتها في شكل جديد، ومن يرى تلك المقالات وهي موزعة على اللوحات، يظن انها منقولة كما هي، وفي الحقيقة الأمر مختلف هنا تماماً، إذ عمدت رنا الى قطف جمل غير مترابطة من تلك المقالات وجمعتها في اطار مبتكر، الأمر الذي حوّل المعنى باتجاه جديد، وكأنها أعادت صوغ تلك المقالات. وتقول رنا: "هناك مقالات في الصحف اليومية تلفتني بأفكارها، وفي الوقت نفسه تدعوني لاجتراح أفكار جديدة. واستخلصت منها صيغاً جديدة تماماً، وحققت نصوصاً تخصني مأخوذة من مقالات الآخرين. بمعنى آخر جمعت مفردات هذه المقالات في قالب خاص بي، وعلى رغم ان هذه المفردات مأخوذة من تلك المقالات إلا أن اعادة صوغها هو بمثابة مادة جديدة ابتكرتها". وتعترف رنا بأن هذا الشكل من التعبير "نابع من شعور خاص وحب جارف للكتابة وربما محاولة لكتابة رواية بصورة جديدة ومبتكرة". لماذا اختارت الصحافة تحديداً لهذا العمل؟ تقول رنا: "أردت هذا العمل لتكريم الصحافة، فأهل الصحافة ينزلون الى الميدان وينقلون الخبر الى القارئ، وفي رأيي ان الصحافي هو النور للآخرين". رنا مهندسة ديكور ولها أعمال كثيرة في هذا الاطار، وعن الدافع الذي قادها الى "تكريم الصحافة" بأسلوب غير هندسي تقول رنا: "توجد علاقة وثيقة بين الهندسة والصحافة لأنهما يبحثان معاً عن الحرية". صورة المرأة طاغية في لوحات رنا وهي تعتبر ان الصحافة عمل رقيق والجريدة أقرب الى الأنوثة، لذلك "اخترت المرأة كمرآة دائمة للجريدة". خصصت رنا لكل جريدة لوحة، وفي كل لوحة شكل هندسي ووجه للمرأة، وفي وسط اللوحة مقالة مأخوذة من الجريدة، وقد اختارت مقالة لجهاد الخازن من "الحياة" وشكلتها على طريقتها. الهندسة عند رنا أساس جمالي، وهي وجدت في المنزل من الداخل مساحة لانطلاقتها الى عالم الجمال والرهافة. وحول علاقتها بجمالية الداخل تقول رنا: "مهندس الديكور يجب أن يتمتع بموهبة فنية، وخارج هذه الموهبة لا قيمة للهندسة. عليه أن يستعمل كل أحاسيسه ومشاعره قبل أن يستعمل الأدوات والولوج في العمل، وبالنسبة إليّ، الهندسة الداخلية حلم كبير أعيشه... ويستطيع مهندس الديكور ان يحلّق بخياله ويحلم ويبدع جداً بين جدران المنزل وهذا ما أحسه وأشعره دائماً". وترى رنا ان تحقيق جمالية المكان لا تحتاج الى امكانات مادية كبيرة، و"يمكن الاحتيال على النظر بأشكال هندسية من خلال التنسيق في استعمال المواد المتداولة داخل المنزل". و"الهندسة الداخلية أبعد من أن تقتصر على ترتيب الأثاث والستائر، فهي تتعدى ذلك لتشمل الألوان المستعملة والجو العام الذي يفرضه التنظيم الهندسي وهو ما يجب نقله الى الزبون". ثمة مشكلة تصوّرها رنا يواجهها مهندس الديكور و"تكمن في امكان اقناع الزبون بذوق المهندس، وهذا العامل يخضع لثقافة الزبون، التي تخضع بدورها لبيئته وتربيته. فهناك زبائن يعطون انطباعاً بأنهم يتفهمون جمالية ما يقوم به المهندس، ولكن أثناء تنفيذ العمل يتراجعون ويخضعون لتقاليد العائلة والجيران وما اعتادوا رؤيته في المنازل المحيطة بهم، وهذه مشكلة كبيرة". وترى رنا ان "هناك عقلية باتت قديمة وما زالت تتحكم بجمالية المكان، وهذه العقلية كامنة عند مجموعة كبيرة من المهندسين الذين لا يتطورون، ومع الأسف، هم اليوم في الواجهة ويفرضون أفكارهم القديمة". وتستدرك رنا: "ثمة جيل جديد من المهندسين هو جيلنا، يتمتع بشفافية عالية ورؤية جديدة لجمالية المكان. وتالياً فإن الهندسة الداخلية، كما الحالات الأدبية، لها مسارها التطوري، ويمكنني القول ان جيلنا جيل الحداثة الهندسية، ومع الأسف أيضاً، نواجه حرباً الغائية من جانب الذين لا يريدون لأفكارنا أن تتحق". وسألت رنا كيف تبرز معالم هذا الصراع؟ فقالت: "الصراع يكمن في سيطرة الجيل القديم على مرافق العمل وتالياً، في مقدرته على التحكم بالسوق ومنع الزبائن من التعاطي معنا". غير ان رنا فنانة لا تأبه للصعوبات، وتثابر على عملها مهما واجهت من عوائق، منطلقة من قاعدة تقول ان المستحيل مرفوض، ما يجعلها دائمة البحث عن مشاريع جديدة ومتميزة، وإذا كانت الهندسة الداخلية هي الأساس الذي انطلقت منه، فهي اليوم تتعاطى مواضيع فنية مختلفة، وفي كل عمل تقوم به تحشد له موهبتها أولاً ومن ثم تقوم بهندسته كما يجب، وعملها الأخير "بيت الصحافة" استحق كل التقدير لما فيه من لمسات فنية ذكية.