تبدأ الجمعية المصرية للدراسات التاريخية موسمها الثقافي الجديد بافتتاح الدورة السابعة لندوة الدراسات العثمانية، التي تخصص دراستها المحورية هذا العام لموضوع "الطوائف المهنية والاجتماعية بين التهميش والاندماج" في المجتمع المصري في العصر العثماني 1517 - 1914. تهتم الندوة بتقديم صورة حية للواقع الاجتماعي والاقتصادي في مصر العثمانية، من خلال دراسة قضايا وإشكاليات معينة. فعلى مدى سبع سنوات - هي عمر الندوة - جرى تناول مواضيع مختلفة من التاريخ الاجتماعي، أبرزها: "تطور الملكية وأشكال الحيازة في مصر"، "المؤسسات الاجتماعية وعلاقتها بالمجتمع والدولة"، "العدالة الاجتماعية بين الشريعة والواقع"، والذي كان محوراً رئيساً للدراسات في العام المنصرم، وزاد عدد أبحاثه على الثلاثين. ويقول مقرر الندوة ناصر إبراهيم: إن تخصيصها هذا العام للبحث في موضوع الطوائف المهنية والاجتماعية المهمشة يأتي لصعوبة قبول أن المجتمع المصري كان مصنفاً إلى طوائف وجماعات اجتماعية ثانية عبر مختلف الفترات، وأن أدوار هذه الطوائف الوظيفية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً كانت محددة المسارات. ذلك لأن الدور الفاعل لهذه الجماعات كانت تحكمه دوماً ظروف وعوامل مختلفة طارئة أو مستمرة تؤثر في تحديد درجة البروز والاندماج، أو التهميش والانزواء. وتتجلى أهمية هذه الدراسات - كما يقول إبراهيم - في التعرف على شكل العلاقات الاجتماعية في هذه الفترة، وعلى دور الفرد ومكانته بين الجماعة أو الطائفة التي ينتمي إليها، وهامش الحركة المتاح في الانتقال من جماعة إلى أخرى، والتعرف كذلك على عوامل السيطرة التي كانت تحد من هذه الحركة، وعلاقة هذه الكيانات بالمؤسسات الإدارية وبالسلطة عموماً. وتحدد سبعة محاور يدور حولها البحث، يُعنى المحور الأول بدراسة موقف السلطة من الجماعات المهمشة، وكيفية تصديها لمعالجة المشكلات المتعلقة بها، مثل مشكلات البطالة والتسول والتشرد وغيرها من القلاقل التي كانت تعصف بهذه الكتل السكانية. ويندرج في هذا المحور أيضاً تحديد منظور هذه الجماعات للسلطة والصراع السياسي في محاولة لاختبار المقاولات الشائعة عن حال "اللامبالاة" بالنسبة إلى ما يحدث على المستوى الفوقي لأجهزة الحكم. ويُعنى المحور الثاني بدراسة نظرة الطوائف التي تتبوأ مكاناً بارزاً في السلم الاجتماعي الهرمي إلى الجماعات الهامشية، ونظرة الأخيرة إلى نفسها وإلى الطوائف المحيطة بها، ودلالة ردود الفعل الجماعية من جانبها، وبخاصة في لحظات الانفجار العشوائي في هبات أو حركات جماهيرية عفوية. ويركز المحور الثالث على دراسة البناء الداخلي للطائفة، والذي يتأتى من خلال تحديد أهمية العوامل المحققة للانسجام بين مكونات الطائفة، ودراسة وسائلها المتعددة في درء الانحراف عن تحقيق أهدافها أو أدوارها في استيعاب مشكلات افرادها، لتحقيق التوازن الذي يحافظ على تماسكها، ومن ثم تمكنها من فرض دورها بين الطوائف الاجتماعية الأخرى. أما المحور الرابع فيُعنى بدراسة الأنماط المختلفة للتهميش والاندماج، وتقديم نماذج معينة تركز على أنماط التغير في "الدور" الذي تمارسه الطوائف في المجتمع، وتحليل آلية التحول التي تصب الجماعات في ضوء السياق التاريخي للتطورات والتغيرات التي يمر بها المجتمع ككل. ويتناول المحور الخامس مكانة الفرد وهويته في إطار مصالح الطائفة، والهامش المتاح لإبراز الكفاية والاتجاهات الخاصة، ودرجة تحرر الفرد في الانتقال من طائفة إلى أخرى، وتحديد مواطن التهميش والاندماج بالنسبة الى الفرد، في ما إذا كانت تتحقق من نتاج الانكفاء في طائفته الاصلية، أو من جراء الانخراط في طائفتين مختلفتين. واهتم المحور السادس بدراسة الإطار الجغرافي لتوزيع الجماعات وعلاقته بالتهميش والاندماج، ومعرفة إلى أي حد مثّل التوزيع الجغرافي للطوائف تجسيداً مادياً للتمايز الاجتماعي بتكوين أحياء خاصة ومتجانسة نسبياً، ومن ثم تقديم فهم للعلاقة بين التوزيع الجغرافي للطوائف وبين دلالات التصنيف الاجتماعي بالشكل الذي يمكننا من تتبع ملامح التغير في "الدور" الذي تؤديه الاحياء السكنية كنتيجة لتغير التركيبة الاجتماعية للطوائف التي تقطنها. وأخيراً، بحث إشكالية تحديد المفاهيم الدقيقة للمصطلحات المتعلقة بالوظائف والمهن والطوائف والجماعات، وإلى أي مدى يتطور المفهوم الواحد وتتعدد استخداماته، وما يثيره احياناً من التباسات وغموض، وذلك في ضوء ما توضحه النصوص التاريخية والوثائق الارشيفية المتعلقة بالفترة العثمانية، بقصد فهم الدلالة الأساسية لهذه المصطلحات في إطار سياقها التاريخي والاجتماعي.