نحو مئة ألف إيطالي ونيف، توافدوا بسياراتهم ووسائل النقل المختلفة، من حافلات وقطارات، منذ الصباح الباكر، الى مدينة كامولي التي تحتفل قبيل مطلع كل صيف ب"عيد السمك"، تقليداً سنوياً، يصادف الذكرى الخمسين هذا العام. إنه ليس العيد التقليدي الوحيد الذي يحتفل به الإيطاليون، إذ يتنافسون كل بحسب منطقته وقريته، بما يتمتعون به ويتميزون به عن غيرهم، سواء على صعيد الحرف وتحديداً الأطباق التي يشتهر بها مطبخهم. فليغوريا مطبخها وأطباقها وخبزها... ولتوسكانا كذلك. ويكفي القول إن دور النشر وكذلك المطبوعات من مجلات وخلافها تستفيد كثيراً من هذا الواقع، لترمي آلاف الكتب المختصة بهذا المضمار بين أيدي المستهلكين. وللدلالة الى غزارة المطبخ الإيطالي وقل تفرده ونهم الإيطاليين وتلذذهم بالمأكولات، يكفي القول ايضاً ان كتباً كثيرة تتناول فقط بين طياتها اطباق الرز وطريقة تحضيره، وأحدها تحدث عن 365 طبقاً واحد كل يوم على مدى عام وتحضير 365 صلصلة للمعكرونة وأنواعها... هذا طبعاً عدا اطباق السمك واللحم والشوربة والحلوى، وقبل كل شيء البيتزا و"التورتات". لذا فعيد "كامولي" ليس الوحيد في إيطاليا، الذي يسمى بSAGRA أو العيد في الهواء الطلق. فلكل منطقة عيدها ولكل موسم عيده، كعيد الكستناء وعيد النبيذ وعيد الطحين على انواعه من ذرة وقمح وعيد الزيتون. ولكن ما يميز عيد "كامولي" انه اكثر كرماً من غيره، ويوزع السمك مجاناً على آلاف الناس على الأقل اربع سمكات من الحجم الوسط لكل شخص. والإيطاليون الذين يرحبون بالطبع بالطعام المجاني، يتوافدون لأكل السمك وللمشاركة في إحياء هذا العيد الذي يعود بربح كبير، نظراً الى استقبال محال المدينة ومقاهيها ومطاعمها الزوار والسياح المتوافدين، فلا يكتفون بالتلذذ بالسمك المقلي فقط، وإنما يتجولون في المدينة ويتعرفون الى مينائها البحري المشهور وبيوتها المرتفعة الواحد تلو الآخر، ومتحفها وساحاتها، فضلاً عن ان الانتظار في الصف الطويل، لا يستغرق سوى دقائق، وربما ساعة او اكثر بقليل. فالسرعة والخدمة السريعة ابرز ما يميزان العيد في هذه المدينة احدى مدن محافظة جنوى التي كانت تسمى قرية فيللا كامولي ما بين العامين 1018 و1045، ليصبح اسمها، على حاله اليوم، في القرن الثاني عشر. ويقال انها اكتسبته لأن الزوجات كن ينتظرن في البيوت ازواجهن الصيادين المبحرين بعيداً منهن بتجزئة اسم المدينة Casa delle Mogli أو Camogli اضافة الى كثير من الاساطير... اما العيد فهو تقليد قديم، كان سكان المدينة يقدمون فيه السمك الى السيدة العذراء، طالبين منها حماية البحارة والصيادين. وأهم ما يميز هذا العيد المقلاة المعروفة محلياً ب"مقلاة الذاكرة". اثنتان "متأكسدتان" قديمتان علّقتا على احد جدران المدينة، اما الجديدة هذا العام فهي في حجم القديمتين لكنها صنعت من الإينوكس INOX منعاً لتأكسدها، وحرصاً على السلامة الصحية على ما اشترطت المجموعة الأوروبية. ويقول الإيطاليون مستغربين ومازحين في آن: "لم يمت الإيطاليون طوال خمسين عاماً من المقلاة الحديد، وقد يتعرضون ربما لأمراض من المقلاة الجديدة". ويضيفون: "حتى مقلاتنا تريد المجموعة الأوروبية التدخل فيها؟!". المهم... ان العيد الذي يحتفل به سنوياً في ساحة المدينة، بدأ بتحضير نحو عشرين شخصاً الأطباق، منذ العاشرة والنصف صباحاً، ولغاية الثامنة والنصف مساء. عمال وصيادون ينقلون السمك، وآخرون يقلونه، ونساء يتولين توزيع الاطباق مع قطع من الحامض على الزوار. وفوق منصة مرتفعة تغطيها خيمة كبيرة، ارتفعت المقلاة الضخمة الجديدة التي يصل قطرها الى نحو اربعة امتار، وتتسع لثلاثة آلاف ليتر زيتاً، لقلي ثلاثين ألف نوع من السمك المعروف بالسمك الأزرق. هل يمنع السمك المقلي المجاني الكولسترول والتريغليسيريد؟. أما زنة المقلاة فتصل الى 26 قنطاراً ويدها ثلاثة قناطير. انه عيد ينعش القرى والمدن في إيطاليا ومتنفس لتمضية الوقت احياناً والنزهة. وكثيرون قد يتوجهون الى كامولي ليس لتناول السمك مجاناً، وإنما للمشاركة في هذا الاحتفال، والسير على طول الميناء، وتناول الغداء في احد مطاعم المدينة وشراء حلوياتها او اختيار ذكرى من ذكرياتها او التطلع الى بيوتها الخالية اليوم ربما من نساء ينتظرن!!