بعد انهيار نظام القطبين، غدت الولاياتالمتحدة الدولة الأقوى في العالم وفقدت روسيا الكثير من مقومات الدولة العظمى، بينما تقدمت الصين نحو مواقع تؤهلها لمنافسة اميركا، في اطار نظام عالمي يجرى وضع معالمه حالياً. وكانت العلاقة داخل مثلث واشنطن - موسكو - بكين المحور الرئيسي لحوار شارك فيه رئيس الوزراء الروسي السابق يفغيني بريماكوف ومستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي سابقاً زبيغنيو بريجنسكي. ويعد هذان الرجلان من "العقول الاستراتيجية"، على رغم انهما ينطلقان من مواقع مختلفة. ووجهت صحيفة "موسكوفسكي كمسمولتس" اسئلة الى الرجلين أجابا عنها بصراحة، فردا على سؤال عما اذا كانت الصين ستغدو المنافس الأساسي لأميركا. وقال بريجنسكي في هذا الشأن أن الصين ستكون في غضون 20 سنة "دولة اقليمية تتزايد اهميتها، لكنها لن تصبح قوة عالمية"، بينما رأى بريماكوف ان العملاق الآسيوي سيبلغ ذروة جبروته في منتصف القرن الحالي، ما يرشح العالم لرؤية صراع بين قوتين عالميتين. وأجمع المحللان الاستراتيجيان على أن مفهوم "الدولة الأعظم" أصبح بالياً، وقال بريجنسكي ان الولاياتالمتحدة هي "أول دولة عظمى وآخرها"، بينما اعتبر بريماكوف ان هذا المفهوم انتهى مع نهاية الحرب الباردة. وهل سيكتب على روسيا أن تكون "شريكاً أصغر" يختار واحداً من القطبين، الأميركي أو الصيني، للتحالف معه؟ أجاب بريجنسكي ان هذه "معادلة قاسية" لكنها واقعية، ونصح موسكو بأن "تختار الأسرة الأوروبية الأطلسية"، وتقبل بتوسيع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. أما بريماكوف فرفض هذا الاحتمال ورأى أن لروسيا دوراً مستقلاً بحكم تاريخها وقدراتها الذاتية. وقال انها "لن تسير في ركاب أحد". وعن احتمال وجود خطر توسع صيني يهدد روسيا، أجاب بريجنسكي ان هذا مؤكد. وكرر اقتراحه اقامة "ترابط" مع اوروبا والولاياتالمتحدة، بينما رأى بريماكوف ان الحل يتمثل في تشجيع الهجرة الداخلية الروسية الى المناطق المحاذية للصين والتي فيها كثافة سكانية مخفوضة. وأشار رئيس الوزراء الروسي السابق الى أن الصين قد تحقق تطوراً كما قدراتها العسكرية يجعلها تقارب الولاياتالمتحدة في هذا المؤشر، ورأى ان ذلك يمكن أن يصبح عامل استقرار أي ان يعيد العالم الى حال التوازن التي كانت في عهد الاتحاد السوفياتي. أما بريجنسكي فرفض تماماً احتمال ان تكون الصين قدرة عسكرية مماثلة للولايات المتحدة، واستخف بمحاولات اقامة تحالف بين موسكووبكين، مؤكداً ان تلويح روسيا بهذه الورقة هو "سذاجة أطفال". وعلى نطاق أوسع، قال ان روسيا لن تتمكن من استعادة مواقعها كدولة عظمى وان اقصى ما يمكن أن تطمح اليه هو أن تصبح دولة ذات نفوذ اقليمي، ولكن حتى هذا الاحتمال يقتضي منها بذل جهود تستمر عقوداً عدة. ولم يخف بريماكوف تفاؤله. ورأى ان الغرب بدأ يبحث مجدداً عن سبل للاستعانة بروسيا في الشؤون الدولية. وقال ان عملية "التعافي" بدأت ولكن احتمالات الارتداد ما زالت قائمة. وعقد آمالاً على بوتين الذي قال ان سياسته تخدم مصالح روسيا وانه بدأ يبتعد عن "المجموعة التي أفرزته كوريث" للرئيس السابق بوريس يلتسن. وفي اشارة بالغة الأهمية، قال بريماكوف ان مشكلة بوتين تتمثل في ان المحيطين به ليسوا على مستوى عال من الكفاية المهنية في حين ان هناك في الكرملين "كفيين مهنياً لكنهم يعملون ضد رئيس الدولة". وأخذ بريجنسكي على بوتين "قلة الاهتمام بالديموقراطية" وغياب النهج الجدي في السياسة الخارجية واصراره على مواصلة الحرب الشيشانية.