السناتور الجمهوري ميتش ماكونل كتب في "واشنطن بوست" مقالاً بعنوان: "لا غداء مجانياً لمصر"، وجدت كل سطر فيه تقريباً يصفع الحقيقة في وجهها، وقد علقت على نصفه الاول امس، وأكمل بالنصف الثاني اليوم. يأخذ السناتور على الصحافة المصرية التي تدعمها الحكومة انها تهاجم الولاياتالمتحدة واسرائىل بدل ان تدعم السلام مع اسرائىل. ويتحدث تحديداً عن كاريكاتور في جريدة يظهر العم سام وهو يسلم اكياساً مملوءة بالدولارات الى يهودي ملتحٍ، وهذا بدوره يطلق الصواريخ على العرب يقصد الفلسطينيين. ما الخطأ في هذا الكاريكاتور؟ انه صحيح مئة في المئة والولاياتالمتحدة تقدم السلاح والمال لاسرائىل، وهذه تقتل الفلسطينيين كل يوم. ويعترض السناتور بعد ذلك على كاريكاتور في صحيفة اخرى يظهر رئىس الوزراء السابق ايهود باراك في شكل ادولف هتلر وهو يقف فوق قبة الصخرة في القدس وقبضتا يديه تقطران دماً. ومرة اخرى، الكاريكاتور، وهو مبالغة تشوه الحقيقة، صحيح، وتقرير ميتشل يقول ان انتفاضة الاقصى بدأت بسبب عنف قوات الأمن الاسرائىلية ضد المتظاهرين الذين احتجوا على تدنيس السفاح شارون الحرم الشريف. وكان باراك رئىس الحكومة التي امرت باطلاق النار على المتظاهرين، والدم على يديه يرمز الى مسؤوليته هذه. اعترض على تصوير باراك كهتلر، فاليهود ضحايا النازية ولا جدال، ثم اعترض على استشهاد السناتور ماكونل بكلام لا سامي لصحافي مصري ايد اهتلر في قتل اليهود. واعتراضي سببه ان الصحافي هذا لا يمثل سوى نفسه، وأدين كلامه من دون تحفظ، ثم ادين استشهاد السناتور به، واغفاله كلاماً في منتهى العنصرية والسادية والحقارة النازية صدر عن الحاخام المنحط عوفايدا يوسف، الذي يسيطر على ثالث حزب في الكنيست، وعلى وزراء في حكومة السفاح شارون، مثل افيغدور ليبرمان ورحبعام زئيفي، فهؤلاء جميعاً لهم وزن سياسي واجتماعي كبير في مقابل "لا وزن" ذلك الصحافي المصري. السناتور ماكونل يقول بعد ذلك ان لمصر دوراً اساسياً في عملية السلام، الا انها حرضت اخيراً على العنف ضد اليهود واسرائىل. ثم يزعم ان الرئىس مبارك يراعي الجماعات اللاسامية لأسباب سياسية محلية، ما اضعف مركزه حول طاولة المفاوضات. أقول: احذروا غضب الحليم، والرئىس مبارك هو سد عالٍ في وجه مختلف انواع التعصب، بما في ذلك اللاسامية، ولو اختار شعبية سهلة، كما ذكرت امس، لاستطاع قلب طاولة المفاوضات على رؤوس كل الجالسين حولها، بما في ذلك الولاياتالمتحدة واسرائىل. يسأل السناتور ماكونل في الفقرة الآتية: "هل كلمات الكره والتحريض في الصحافة المصرية وقمع المجتمع المدني المردود على استثمار اميركي بخمسين بليون دولار؟". السناتور يهدد تهديداً مبطناً ولكنه واضح، ومرة اخرى الولاياتالمتحدة استثمرت 50 بليون دولار في حماية اسرائىل من مصر، ولم تستثمر في الديموقراطية المصرية او اي شيء آخر. مصر ليست ديموقراطية من مستوى اسكندنافي بالتأكيد، الا ان هناك حداً معقولاً من الديموقراطية فيها. ولكن اسأل السناتور ماكونل هل يريد فعلاً الديموقراطية في اي بلد عربي؟ كل حكومة عربية، بما في ذلك الحكومة المصرية، وكل قائد عربي، بمن في ذلك الرئىس مبارك، اكثر اعتدالاً بكثير من الشارع العربي. ولو ان الدول العربية اصبحت ديموقراطية بالكامل لكانت بدأت تستعد لحرب اخرى مع اسرائىل، فهذه رغبة غالبية العرب. وأستطيع ان ادخل جدلاً معروفاً في اوساط المفكرين العرب هو ان وجود اسرائىل عرقل مسيرة الديموقراطية العربية، بعد ان استعمل المغامرون وجودها لانتزاع الحكم وتعليق الديموقراطية على شماعة تحرير فلسطين. الا انني لا اعفي الشعوب العربية من مسؤولية عدم القتال لحماية الديموقراطية، فأتجاوز هذه النقطة وأبقى مع المقال. السناتور ماكونل يكرر اكبر كذبة في هذا القرن حتى الآن عندما يقول ان الفلسطينيين رفضوا السنة الماضية افضل عرض يمكن ان يتلقوه. والحقيقة ان اي عرض من دون السيادة على الحرم الشريف ليس "فاضلاً"، بل اهانة لألف مليون عربي ومسلم. والحقيقة كذلك ان هناك ارضاً محتلة والحل الوحيد هو بالانسحاب منها، لا بطلب ثمن للاحتلال، بتشجيع من الولاياتالمتحدة. السناتور ماكونل ينتهي، كما بدأ بتهديد مصر، ويقول انه يريد ان يعيد النظر في المساعدات الاميركية لمصر، ويتحدث عن "الولاء في مقابل الولاء"، اي ولاء مصر للسياسة الاميركية في مقابل ولاء الولاياتالمتحدة لاستمرار المساعدات. مرة اخرى المساعدات يجب ان تحسب في خانة اسرائيل لا مصر، ومصر قبل المساعدات وبعدها بلد عربي ومسلم اقباطه حاربوا مع صلاح الدين ضد الصليبيين، ولا يمكن مساعدات الارض كلها ان تخرجه من جلده العربي والاسلامي. ومرة اخيرة، فمصر تتلقى المساعدات من مركز قوة لا ضعف، وهي اذا اغلقت الباب على السياسة الاميركية في الشرق الاوسط، فلا مدخل يبقى لهذه السياسة او مخرج، ولعل السناتور ماكونل يرفع الغطاء الاسرائىلي عن عينه الثانية، ليرى الصورة كاملة، ويخدم بلده كما يفترض في السناتور ان يفعل.