حض الرئيس الفرنسي جاك شيراك على معاودة التفاوض على المسارين السوري واللبناني، واعتبره "ضرورياً واساسياً"، فيما فيما حذر الرئيس السوري بشار الاسد من أن عملية السلام "معرضة اليوم للزوال"، بعدما "غلبّت إسرائيل أمنها على مبدأ الأرض مقابل السلام". وكانن الرئيسان يتحدثان في خطابين خلال عشاء اقامه شيراك تكريماً للاسد الذي استهل امس زيارة دولة لفرنسا، وهو بدأها بلقاء منفرد مع شيراك في قصر الاليزيه، استغرق نحو ساعة ونصف الساعة. ولم يدل الاسد بعدها بأي تصريح للصحافيين الذين احتشدوا في باحة القصر الرئاسي. وقال شيراك في خطابه ان السلام في الشرق الأوسط "لن يتحقق من دون سورية ولبنان"، واضاف ان "خطورة الأزمة الراهنة تحتم السعي الى ايجاد حل بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، لكن "استئناف الحوار على المسارين السوري واللبناني يبقى هو أيضاً أساسياً". وتابع: "اننا عازمون على العمل بهذا الاتجاه، والسلام الشامل الذي نعمل من أجله لا يستند الى حق الفلسطينيين في أرض ودولة فحسب، بل أيضاً إلى عودة الجولان المشروعة إلى سورية"، واعتبر ان السلام "يجب ان يؤكد وحدة لبنان وسيادته وسلامة أراضيه". وكرر شيراك مجدداً دعمه لتوصيات "لجنة ميتشل" باعتبارها "متوازنة وعادلة"، وتشكل بالنسبة الى الفلسطينيين والإسرائيليين "طريقاً نحو استئناف المفاوضات السياسية"، كما أنها أتاحت "الشروع في وقف لاطلاق النار يفترض بكل دول المنطقة أن تعمل على ترسيخه". وتناول المطلب السوري الداعي إلى تفعيل الدور الأوروبي في المنطقة فقال ان "المزيد من أوروبا يعني إمكان ابرام اتفاق الشراكة" بين سورية والاتحاد الأوروبي، وهو "اتفاق قيد التفاوض"، وأيضاً "علاقات أوروبية متوسطية أكثر وثوقاً وكثافة، قائمة على قيم التفاهم المتبادل والتسامح واحترام حقوق الإنسان". وتابع شيراك أن فرنسا "قدرت الدعوة إلى الاصلاحات التي سمعتها في دمشق يوم توليكم السلطة، كما أن بلدكم مصمم بايعاز منكم على التكيف مع الرهانات المعقدة للعولمة". وأكد استعداد بلاده، لمساعدة سورية على هذا الصعيد عبر دعمها وتكثيف تعاونها معها. وتوقف عند مساهمة المعهد الوطني الفرنسي للإدارة في تدريب كبار الموظفين السوريين، وعند العلاقة القائمة بين المصرف المركزي السوري ومصرف فرنسا. وقال: "لدينا العديد من المشاريع الكفيلة بتكثيف وتوسيع تلك الصداقة غير القابلة للتدمير" بين سورية وفرنسا "التي كان يتحدث عنها الجنرال ديغول". واختتم قائلاً: "منذ ثلاث سنوات كنا مع الرئيس حافظ الأسد قد وضعنا زيارته تحت شعار الصداقة المستعادة، فلنضع زيارتكم، لو وافقتم، تحت شعار الصداقة المقررة". وحذّر الاسد في خطاب جوابي من ان عملية السلام في الشرق الاوسط "معرضة اليوم للإجهاز عليها وهدم كل أسسها" وان "المرجعية الدولية غابت عنها كما غاب مبدأ الارض مقابل السلام ليحل مكانه مبدأ أمن اسرائيل المفروض بالقوة". وتساءل: "بأي منطق يكون الأمن لجانب واحد على حساب الجانب الآخر وماذا عن امن العرب؟". وقال ان اسرائيل "استبدلت مبدأ السلام بالقوة، بمبدأ الارض مقابل السلام الذي أقره المجتمع الدولي" وان هذا يعني "ان ثقافة السلام لم تنضج" لدى الاسرائيليين وانهم "حتى هذه اللحظة لم يدركوا ان الامن لا يحقق السلام وانما تحقيق السلام هو الذي يجلب الامن". وتابع الاسد ان اسرائيل "لم تدرك بعد ان القوة في عصرنا الحالي لم تعد مرادفاً للأمن" داعياً اوروبا وفرنسا الى "الوقوف ضد العدوان، وان تكون نصيرة العدل والحق في منطقتنا". وأكد ان الموقف السوري واضح وانه "ليست لدينا شروط سورية بل حقوق اعتمدها المجتمع الدولي، وقد اعلنا ان السلام العادل والشامل هو خيارنا الاستراتيجي مهما تبدلت الظروف". وقال ان زيارته "ستلبي طموحنا في تعزيز التعاون الذي يحقق المصلحة المشتركة لشعبينا وبلدينا". ورأى ان لفرنسا "دوراً كبيراً تستطيع ان تساهم به بالعمل الجاد من اجل تحقيق السلام العادل والشامل في منطقتنا"، مؤكداً ان سورية "تؤمن بالسلام كحاجة لتحقيق التطوير بقدر ما يساهم التطوير في تحقيق السلام" كما تؤمن بأن "امن المنطقة وامن اوروبا يتأثران ببعضهما بعضاً وبإحلال السلام وبغلبة العنف. وكان الاسد وصل بعد ظهر امس الى باريس، برفقة زوجته اسماء ووفد يضم نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع اضافة الى وزراء ورسميين آخرين. واستقبله مجلس السفراء العرب وبعض رجال الاعمال السوريين البارزين منهم الدكتور شفيق الأخرس، عم زوجة الرئيس السوري. وانتقل الرئيس السوري من المطار، على متن طائرة مروحية حطّت به عند ساحة الانفاليد، لتجنب اي تظاهرات قد يصادفها موكبه. وعلى هامش زيارة الرئيس الأسد لباريس، أقامت زوجة الرئيس الفرنسي برناديت شيراك أمس حفلة شاي في قصر الاليزيه على شرف زوجة الرئيس السوري اسماء الخرسا الأسد، في حضور زوجة رئيس الوزراء اللبناني نازك الحريري وزوجة مستشار رئيس الحكومة اللبنانية نورما باسيل يارد. ووصل إلى باريس وفد إعلامي ضم 16 من رؤساء تحرير صحف لبنانية وصحافيين لتغطية زيارة الأسد، وبدعوة من الرئيس الحريري، ويقيم الوفد في فندق "بلازا اتينيه"، كما يشارك في تغطية الزيارة وفد يضم 47 صحافياً سورياً. وانتهز اثنا عشرة تنظيماً يهودياً فرنسياً زيارة الاسد كي يتقدم بدعاوى قضائية ضده بتهمة معاداة السامية، فيما بث التلفزيون الاسرائيلي مساء ان اسرائيل مررت الى الاسد "انذاراً شديد اللهجة" عن طريق السفير الفرنسي في تل أبيب مفاده ان أي اعتداء أو نشاط عسكري يقوم به "حزب الله" سيواجه برد عنيف على اهداف سورية.