بعد ستة أعوام من المفاوضات الماراثونية اقتربت الحكومة المصرية من توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، اذ تقرر توقيع الاتفاق اليوم في لوكسمبورغ على هامش الاجتماع الوزاري للاتحاد الاوروبي في حضور وزير الخارجية المصري أحمد ماهر ونظرائه في 15 دولة أعضاء في الاتحاد الاوروبي. سيناقش برلمان دول الاتحاد الاوروبي والبرلمان المصري اتفاق الشراكة الذي سيوقع اليوم في غضون سنتين من الآن وستكون سنة 2018 الموعد النهائي لتطبيق الاتفاق بالنسبة للمراحل المختلفة. وستدخل مصر غداً الثلثاء علاقة استراتيجية مع الاتحاد الاوروبي وسيصبح الاقتصاد المصري تنافسياً على مستوى العالم. ويشار الى أن الحكومة المصرية أجّلت توقيع الاتفاق غير مرة بحجة أن يرتبط التوقيع ببرنامج شامل لتحديث الاقتصاد المصري، وأن يتزامن التوقيع النهائي مع الانتهاء من إعداد برنامج التحديث، فيما حذر مسؤولون معنيون من هذا الربط، اذ كان مفترضاً أن تبدأ الحكومة البرنامج في أيار مايو عام 1999 لكن حتى الآن لم يتحقق ذلك. ولا يزال الصُناع يرفضون توقيع الاتفاق على اعتبار أنه ليس في صالحهم وسيؤثر سلباً في الصناعة الوطنية، اذ سيؤدي الى إغلاق آلاف المصانع لعدم قدرتها على المنافسة بسبب تعاظم الحاجات الاستثمارية لتحديث الصناعات. وشدد اتحاد الصناعات على ضرورة التحرر من الجمارك بالنسبة للصناعات النسيجية حتى يتم التطوير الشامل للقطاع والذي سيكلف نحو 900 مليون دولار ويستغرق فترة تراوح بين ست وتسع سنوات. وينطبق الأمر نفسه على تحرير الصناعات الهندسية في مدة تراوح بين خمس وثماني سنوات. وعلى رغم المخاوف والانتقادات من قطاعات عدة، إلا أن الاتفاق الذي بدأ التفاوض في شأنه في كانون الثاني يناير عام 1995 ووقع بالأحرف الأولى في الشهر نفسه من السنة الجارية، يمثل منعطفاً مهماً ونقلة نوعية كبيرة في تاريخ علاقات التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي الذي يعتبر من أهم الشركاء التجاريين لمصر. ويسعى الجانبان بموجب الاتفاق الى اقامة منطقة للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وحوض المتوسط بحلول سنة 2010. ويتعدى اتفاق الشراكة، الذي سيحل محل اتفاق التعاون الثنائي الموقع بين الجانبين عام 1977، الجوانب الاقتصادية والتجارية، اذ سيسعى الى وضع آليات جديدة لتكثيف الحوار السياسي وتدعيم التعاون في كل المجالات بدءاً من التبادل الثقافي وتأمين حقوق الجاليات المصرية في أوروبا ووصولاً إلى مكافحة الجريمة المنظمة ونقل التكنولوجيا وتنمية المواد البشرية. ويقوم الاتفاق على ثلاثة محاور رئيسية، الاول إقامة حوار سياسي متعدد المستويات بهدف زيادة التقارب ازاء القضايا ذات الاهتمام المشترك، والثاني دعم التكامل الاقتصادي على المستويين الثنائي والاقليمي من خلال تحرير التبادل الصناعي والزراعي. أما المحور الثالث، وهو المحور الرئيسي، فهو التعاون المالي الذي يوفره الاتفاق في إطار برنامج "ميدا" للمساعدات الأوروبية للدول الشريكة في حوض المتوسط والذي يتيح المساهمة في تمويل برامج تحديث التعليم ودعم مجالي الصحة والصناعة للقطاعين العام والخاص بحيث ترتفع قدراتهما التصديرية على الأمدين المتوسط والطويل. ويراعي الاتفاق، حسب نصوصه، كل بنود اتفاقات التجارة الدولية "غات" ومنظمة التجارة الدولية التي ترعى مصالح الصناعة الوطنية في البلاد خلال فترة انتقالية، الى جانب إمكان اللجوء إلى فرض إجراءات حمائية في حالة الضرورة ووجود ضرر على أي قطاع من الصناعات الوطنية. كما يساهم الاتفاق في جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة العربية والأجنبية الى مصر من أجل المشاركة في عملية الانتاج الصناعي والزراعي. ويدعم الاتفاق سياسة تحرير الاقتصاد ورفع القدرات التنافسية في مجال التجارة الخارجية، إذ سيتيح فتح أسواق دول الاتحاد بشكل فوري ومباشر وفتح أسواق دول المتوسط الأخرى بشكل تدرجي أمام الصادرات المصرية. وسيصبح القطاع الزراعي أكثر قدرة على الاستجابة للفرص الجديدة المتاحة، كما سيكون القطاع الصناعي قادراً رغم مخاوفه على الوصول الى السوق الأوروبية، إذ يعفي الاتفاق الصادرات الصناعية المصرية من كل الرسوم الجمركية في الوقت الذي سيتم فيه تحرير صادرات مصر الزراعية الى دول الاتحاد الأوروبي بنسبة مئة في المئة مقابل تحرير جزئي لنحو 14 في المئة من الصادرات الزراعية الأوروبية. ويسمح الاتفاق لمصر بإزالة رسومها الجمركية على الواردات الصناعية القادمة من الاتحاد على أربع مراحل انتقالية، تستغرق الاولى ثلاث سنوات من دخولها حيز التنفيذ وتتعلق بالمواد الأولية والسلع الرأسمالية اللازمة لتحديث الانتاج الصناعي. وتستغرق الثانية ست سنوات وتتعلق بالمنتجات الوسيطة المغذية للصناعات الوطنية. اما الثالثة فتستغرق سبع سنوات وتشمل المنتجات النهائية، فيما تستغرق المرحلة الرابعة 16 سنة من تاريخ توقيع الاتفاق وتخص أيصاً المنتجات النهائية. ويؤدي هذا الاسلوب من التحرير التجاري الى زيادة درجة الحماية الفعلية المتاحة للمنتجين في مصر طوال السنوات السبع الأولى من تنفيذ الاتفاق استعداداً لتحرير المنتجات النهائية القادمة من الاتحاد الأوروبي والتي تضمها المرحلتان الثالثة والرابعة. وتعتبر مصر من أكثر دول المتوسط المشاركة في عملية برشلونة استفادة من المرحلة الأولى من برنامج "ميدا" للمساعدات الأوروبية، إذ وصل اجمالي حجم المساعدات المخصصة لبرامج التنمية في مصر إلى 38،686 مليون يورو 583.1 مليون دولار خلال الفترة بين عامي 1997 و1999. كما حصلت خلال الفترة بين عامي 1987 و1999 على منح مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بلغت قيمتها ما يقارب من 1.99 بليون يورو وعلى قروض وصلت إلى 883 مليون يورو. وتمكن الجانب المفاوض المصري من تجاوز قاعدة التدفقات التقليدية للتجارة في الصادرات الزراعية كأساس للمبادلات، كما اقره إعلان برشلونة بالنسبة للصادرات الزراعية المصرية، إذ تم مضاعفة الحصص مقارنة بما كان يوفره اتفاق التعاون الثنائي لعام 1977 أو مقارنة بالصادرات الفعلية، اذ ستزيد الصادرات الحالية إلى أسواق الاتحاد الأوروبي بنسبة مئة في المئة. كما يتيح الاتفاق توسيع قائمة الطلبات الزراعية وتوفير حصص في منتجات جديدة مثل المولاس دبس السكر والزهور والفراولة والمانغو والغوافة والبلح والبصل والثوم المجفف والبازلا والباذنجان والعصائر والزيوت النباتية والبطاطا والفول السوداني والعسل الأسود. ويسمح الاتفاق أيضاً برفع الزيادة في فرص التصدير أكثر من ثمانين ضعفاً للزهور ومرتين ونصف للبطاطا وتسعة أضعاف للبرتقال، اضافة إلى حصص مفتوحة للليمون والغريب فروت الليمون الهندي واليوسفي والبطيخ والعنب والطماطم والخرشوف والكوسة. ويعطي الاتفاق كذلك لمصر ميزات تفاضلية، إذ ينص على زيادة سنوية في أغلب الحصص مع المراجعة الدورية له كل ثلاث سنوات، ما يفتح أمام مصر هامشاً تفاوضياً يتيح كسب مزيد من التنازلات الأوروبية في مجال التبادل الزراعي في المستقبل. وتقدم مصر في المقابل مزايا تفضيلية جزئية لنحو 14 في المئة من الصادرات الزراعية الحالية من دول الاتحاد الأوروبي إليها. ويضم الاتفاق ثلاث قوائم من السلع الزراعية المصنعة، الأولى للسلع التي لا ينتجها ولا يصدرها حالياً الاتحاد الأوروبي والثانية للسلع التي لا تنتجها مصر وتستوردها من الاتحاد، والثالثة لسلع محددة مثل العاج والعظم والرخويات البحرية والشوكولاته البيضاء وكحول الإثيل والعجائن الغذائية المطبوخة والمواد العطرية. ويزيد ما حصلت عليه مصر من تنازلات في القائمة الثالثة عما حصلت عليه الدول المتوسطية الأخرى التي وقعت على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي من ناحية الإعفاء من نسبة الرسوم على المنتج الزراعي المصنع علاوة على أن التنازل المصري الذي بلغ حده الأقصى 25 في المئة من الرسوم الجمركية الحالية يمثل نصف ما قدمته الدول الأخرى والذي يصل إلى 50 في المئة. وتتيح بنود الاتفاق لمصر إعادة فرض رسوم جمركية في حال تأثر منتجاتها الزراعية أو صناعاتها الغذائية بشكل سلبي نتيجة لعملية التحرير علاوة على اللجوء إلى رسوم وقائية في حال زيادة الواردات الأوروبية من أي منتج من المنتجات التي وردت في القوائم بنسبة تزيد على العشرين في المئة. كما يجوز لمصر رفع الرسوم الجمركية على الواردات الزراعية الصناعية القادمة من الاتحاد الأوروبي وفقاً لقواعد لمنظمة التجارة الدولية الخاصة بالوقاية. وتمكنت من خفض العجز التجاري مع اوروبا العام الماضي بمبلغ بليون يورو مقارنة بعام 1999 عندما صدرت ما قيمته 3،3 بليون يورو مقابل استيراد بضائع بلغت قيمتها 9،7 بليون يورو.