في هدوء وبعد قليل من النقاش البرلماني وافق مجلس الأمة الكويتي الثلثاء الماضي على وقف العمل بقانون الخدمة العسكرية الالزامية الى حين صوغ قانون بديل يتلافى سلبيات القانون الملغى الذي وضع عام 1977. وكان وزير الدفاع الشيخ جابر مبارك الصباح هو المبادر الى اقتراح إلغاء القانون ووجدت اكثرية من النواب ان ذلك يحقق رغبة الناخبين الشباب فوافقت عليه من غير تردد. ... ولكن ماذا عن التهديد العراقي؟ وماذا عن تأكيد الوزير في الجلسة ذاتها ان "الشقيق والصديق يشاركنا القتال ولا يدافع عنا"؟ بقيت هذه الاسئلة من غير اجابات شافية. تنبأ نواب وكتاب صحافيون كويتيون مبكراً بالاحراج الذي يمكن ان يشكله إلغاء قانون الخدمة لبلد مثل الكويت يعيش احتمال مواجهة مع النظام العراقي في أي وقت، وينتظر التوقيع على تمديد الاتفاق الدفاعي مع الولاياتالمتحدة - وربما دول كبرى أخرى - لعشر سنوات مقبلة، فهل سيموت الجنود الاجانب في الدفاع عن الكويت التي أعفت ابناءها من شرف القتال دفاعاً عن بلدهم؟ كثفت المناقشات البرلمانية الموجزة التي سبقت التصويت على إلغاء القانون عما يمكن ان يحدث لمواضيع مهمة في حال طرحها للمناقشة قبل ايام فقط من نهاية دور الانعقاد، والصحافة الكويتية سمّت الجلسات البرلمانية الأخيرة ب"جلسات السلق" اي ان القوانين والمشاريع مررت بسرعة خلالها، وأوضحت تعليقات النواب على الموضوع أنهم ينظرون الى التجنيد من منظار الناخبين الشباب وشكاواهم من الخدمة العسكرية اكثر مما يأخذون في الاعتبار الوضع الأمني للبلد والنواقص التي تواجهها القوات المسلحة. أما وزير الدفاع الذي تسلم منصبة قبل خمسة اشهر فقط فاكتفى بتعليق موجز اكد فيه "بناء القدرات الدفاعية الذاتية" لكنه لم يحدد صورة نظام الخدمة العسكرية البديل أو موعد العمل به ما يعني ان ذلك سيستغرق سنوات. وعلى رغم ان نظام الخدمة الذي وضعه مستشارون مصريون وسوريون عام 1977 عانى من سلبيات كثيرة لاختلاف ظروف الكويت جغرافياً وسكانياً عن هاتين الدولتين المواجهتين لاسرائيل اضافة الى ضعف الانضباط في تطبيقه، وعلى رغم انه كان "عبئاً على الجيش اكثر مما كان عوناً له"، كما رأى قادة عسكريون، فإن مراقبين اعتبروا ان إلغاء القانون الحالي سيلحق ضرراً بالقوات المسلحة من ناحيتين: الأولى معنوية، إذ أنه جاء مكافأة لمئات من المتخلفين عن الخدمة صدرت بحقهم عقوبات من المحاكم العسكرية على حساب المجندين الملتحقين في الخدمة وستتوقف برامج تدريبهم وتصبح جهودهم وخدمتهم غير ذات قيمة بعد تسريحهم قريباً، والثانية بشرية اذ ان الغاء الخدمة سيؤجل خطط الجيش في الاستغناء عن الجنود غير محددي الجنسية البدون لسنوات طويلة، وحالياً يشكل هؤلاء غالبية العسكريين غير الضباط. اضافة الى ما سبق فإن الغاء النظام ربما كان واحداً من جوانب تغيير "سياسي" أصاب وزارة الدفاع أكثر مما هو مرتبط برؤية جديدة الى ملف الدفاع الوطني الكويتي، فالوزير الجديد الشيخ جابر المبارك ينتمي الى جناح آخر في الأسرة الحاكمة غير جناح "آل سالم" الذي ينتمي اليه وزير الدفاع السابق الشيخ سالم الصباح الذي كان ممسكاً بالملف الدفاعي وصلاحيات الانفاق العسكري معظم سنوات الثمانينات والتسعينات. ويستلم الوزير الجديد هذا الملف مع انتقال ملف الحكومة بأكمله من "آل سالم" الى "آل جابر" في صورة رئيس الوزراء بالإنابة وزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد الذي قام عملياً بتشكيل الحكومة الحالية وادارتها، وكان استبعاد الشيخ سالم من حقيبة الدفاع وتسليمها الى الشيخ جابر المبارك أكثر الجوانب الشائكة في ولادة هذه الحكومة. وبات يتردد الآن ان التغييرات في القوات المسلحة ستتضمن وصول طبقة جديدة من الضباط الى المواقع القيادية خلفاً للطبقة الحالية التي استلمت مسؤوليات الدفاع منذ أكثر من عقد من السنين.