مناقشة المجلس الوطني الاتحادي البرلمان الإماراتي موضوع التركيبة السكانية في جلسته الأخيرة، بحضور وزيري الداخلية والعمل، فتحت جدلاً واسعاً في المجتمع الإماراتي حول هذه المشكلة التي يرى فيها بعضهم "مشكلة مستعصية"، ويرى آخرون أن حلها يتطلب "حلولاً جذرية" تشارك فيها الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وللمشكلة جذورها المتشعبة وامتداداتها في عمق المجتمع، وهي برزت في شكل واضح في التركيبة السكانية حتى أصبحت نسبة مواطني الإمارات لا تتعدى 16 في المئة من الحجم الكلي للسكان في الإمارات. أمام هذه الحقيقة رأى المجلس الوطني أن حل المشكلة يكمن بالدرجة الأولى لدى الحكومة والمجلس الأعلى للاتحاد والذي يضم حكام الإمارات السبع الأعضاء في دولة الإمارات. فالمجلس الوطني، ومن خلال لجنة خاصة برئاسة رئيسه محمد بن خليفة الحبتور، وبمساعدة جهات رسمية، استطاع أن يشخص حجم المشكلة وأخطارها على المجتمع بفعل تداخلاتها المحلية والخارجية. وإذا كان تقرير المجلس كُشف في جزئه الذي قرئ في الجانب العلني من جلسة المجلس الثلثاء، فإن توصيات للتعامل مع المشكلة بقيت "سرية". وعلى رغم ذلك، أفادت معلومات رشحت عن المجتمعين أن المجلس الوطني اقترح عقد جلسة عاجلة مع مجلس الوزراء، وتشكيل لجنة مشتركة لمقابلة المجلس الأعلى والبحث في "التركيبة السكانية". ورأى مراقبون أن أعضاء المجلس أدركوا، كما أدرك الشارع، أن حل المشكلة يتطلب تدخل الحكومة في شكل أكثر فاعلية، وتعامل المجلس الأعلى للاتحاد مع المشكلة من واقع المسؤوليات الاتحادية، وعلى المستوى المحلي في كل إمارة. واعتبرت أوساط إماراتية في معرض انتقادها درس مشكلة التركيبة السكانية في جلسة مغلقة، أن ذلك يعود إلى تورط شخصيات سياسية بتفاقم المشكلة، مشيرة إلى أن ذلك لا يبرر جعل الجلسة مغلقة لأن "الرؤوس الكبيرة" المتورطة معروفة. وأعطى تقرير لجنة المجلس الوطني اشارات مهمة وواضحة في هذا الاتجاه، إذ أكد أن المشكلة تعود في جزء منها إلى التداخل بين السلطات والتشريعات الاتحادية، وبين السلطات والتشريعات في كل إمارة. ومن هنا كانت دعوة اللجنة إلى تطبيق التشريعات الاتحادية على مستوى الإمارات، وازالة التضارب والتداخل بين الاختصاصات الاتحادية والمحلية، وهذا يتطلب قرارات جذرية على مستوى المجلس الأعلى للاتحاد، ويبرر الدعوة إلى تشكيل لجنة لمقابلة المجلس. وطلب المجلس الوطني عقد جلسة مشتركة مع الحكومة لا يحدث إلا في الحالات الخطيرة، ويُعتقد أن المهم في هذه الجلسة سيكون البحث في معاودة النظر في التشريعات والقوانين الاقتصادية التي تشكل ثغرة واسعة تتيح تدفق العمال الوافدين، وبالتالي تفاقم الخلل في التركيبة السكانية. وسيكون أمام الاجتماع المشترك للبرلمان والحكومة تحديد نوع الاستثمارات التي لا تضر المصالح العليا للدولة، وايجاد خطط استراتيجية اقتصادية تنموية واضحة تلجم تفاقم المشكلة وتحدد مدى الحاجة الفعلية للعمال. وأمام الاهتمام الواسع الذي أبداه المجلس الوطني والحكومة بالتعامل الجدي مع مشكلة التركيبة السكانية واعتبارها "أخطر المشاكل التي تواجه الإمارات" 50 في المئة من السكان من الهند وباكستان وبنغلادش، يرى جانب من الشارع الإماراتي أن هذه الفئة من العمال تقوم بدور لا يستطيع أي بديل منها القيام به وبأسعار رخيصة، وأن المجتمع الإماراتي ليس مستعداً بعد للقيام بأعمال كثيرة ينأى بنفسه عنها. ويرى المتعاطفون مع العمال الوافدين، خصوصاً الآسيويين، أنهم يؤدون دوراً لا غنى عنه الآن في إطار التعاملات الاقتصادية والعادات الاجتماعية السائدة، من دون حدوث مشاكل تذكر في المجتمع الإماراتي. وهناك من يعتبر أن "المجتمع السكاني" في الإمارات الذي يضم أكثر من 120 جنسية، يعتبر من أكثر المجتمعات أمناً على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.